'الربيع
العربي'، الذي يتغنّى الكثيرون بحلوله قبل أكثر من عامين، ينطوي على المدى المنظور
على خريف للفلسطينيين، قضية وشعباً، فإذا كان العراقيون يعتبرون أن 'ربيعهم' قد
بدأ بالإطاحة بنظام البعث، وإعدام رئيسه صدام حسين وقياداته، فإن الفلسطينيين على
قلة عددهم في العراق، قد دفعوا ثمناً باهظاً، حيث تعرضوا للقتل والملاحقة والتهجير.
لم يكن ما تعرض له
الفلسطينيون في العراق الذين كان عددهم يناهز الأربعين ألفاً، مرتبطا بالموقف
الفلسطيني العام، من الغزو الأميركي والدولي للعراق ولا بدوافع الصراع الذي أطاح
بنظام صدام حسين، بل كان ذلك بدوافع طائفية، وبدوافع الانتقام على خلفية احتضان
عراق ما قبل الغزو للفلسطينيين. وفي سورية، ومنذ اندلاع الصراع الداخلي فيها، تعرض الفلسطينيون
ومخيماتهم ومقدراتهم، لدمار كبير، وخسائر فادحة، وعملية تهجير واسعة. حتى الآن قدم
الفلسطينيون الذين يناهز عددهم ستمائة ألف في سورية، أكثر من ألف وأربعمائة شهيد،
وآلافا من الجرحى والمعتقلين، أما الهجرة الخارجية والداخلية، فقد بلغت مئات
الآلاف ومع أن الفلسطينيين عموماً في سورية، ونقصد المواطنين، امتنعوا عن
الانخراط، إلاّ من آحاد، أو ربما عشرات، في الصراع الداخلي السوري إلاّ أنهم دفعوا
جزءاً من الثمن الذي يتكبدونه بسبب افتعال سياسات ومواقف القوى السياسية
الفلسطينية.
القيادة الفلسطينية
بصفة عامة، حرصت حتى الآن على اتخاذ موقف محايد من الصراع السوري الداخلي، وعلى
تجنيب الفلسطينيين تبعات الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، وذلك من واقع إدراكها
لخطورة مثل هذا الانحياز، واستجابة لسياسة قديمة جديدة تقول بعدم التدخل في الشؤون
الداخلية لأي بلد عربي، مع أن كل البلدان العربية تتدخل بهذا القدر أو ذاك في
الشؤون الداخلية الفلسطينية.
غير أن هذا الموقف
للقيادة الفلسطينية العامة ولمعظم الفصائل، لم يفلح في تجنيب الفلسطينيين ويلات
الصراع، فلقد أظهرت الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة منذ البداية انحيازها وقتالها
إلى جانب النظام، الأمر الذي استفز المعارضة المسلحة وغير المسلحة، التي تخندقت
وتحصّنت في مخيمي اليرموك وفلسطين في دمشق. صحيح أن الجبهة الشعبية ـ القيادة
العامة قد بررت موقفها وسلوكها في الدفاع عن المخيمات، ولكن مواقفها السياسية
المنحازة لصالح النظام الرسمي كانت أوضح من أن يتم تغطيتها بذريعة الدفاع عن
المخيمات. غير أن الموقف الذي اتخذته حركة 'حماس'، من الصراع وأدى بها إلى
الانسحاب من سورية، بذريعة أن القيادة السورية لم تستمع إلى نصيحتها بشأن كيفية
التعامل مع الصراع في بداياته، هذا الموقف من قبل 'حماس' ترك لدى النظام الرسمي في
سورية حالة من الغضب وردّات الفعل، واقعياً ضد الفلسطينيين.
لم تكن الذريعة التي
قدمتها 'حماس' لانسحابها من سورية، وعموماً من ما يعرف "بمحور الممانعة"،
مقنعة لأحد، فلقد توالت الإعلانات من قبل النظام في سورية، ومن قبل بعض حلفائه، عن
دور عملي وقتالي لحركة 'حماس' في صفوف المعارضة السورية المسلحة.
وبغض النظر عن صحة أو
عدم صحة الادعاء بشأن مشاركة بعض مقاتلي 'حماس' في القتال الدائر إلى جانب
المعارضة، فإن النتيجة كانت أن يدفع الفلسطينيون ثمن مثل هذه السياسات، وإلى أن
يؤدي ذلك إلى توتر في العلاقات مع 'حزب الله'، وإيران بالإضافة إلى سورية وربما
العراق.
هكذا أصبح الفلسطينيون
بين المطرقة والسندان، لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير، وعليهم أن يدفعوا ثمن
تشرذمهم السياسي، والمواقف المتضاربة لقياداتهم السياسية. وحتى الآن لا يسمح واقع
الانقسام الفلسطيني باتخاذ سياسات ومواقف، واستراتيجيات عقلانية تنطلق من مصالح
الفلسطينيين قضية وشعباً، أو على الأقل لتخفيف وطأة الآلام والأثمان التي يعاني
منها ويدفعها الشعب الفلسطيني. لست أدري إلى أي مدى يمكن تبرير السياسة الفلسطينية
الرسمية، التي تتجاهل دور خمسة ملايين ونصف في الشتات، وذلك منذ بداية مرحلة أوسلو
وحتى الآن. في مصر، حدّث ولا حرج، فلقد أصيبت حركة 'حماس' بخيبة أمل كبيرة بل
بخيبات أمل منذ أن نجح الدكتور الإخواني محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية التي وقعت
قبل ما يقرب من أحد عشر شهراً.
خلال الأسابيع الأولى
من عهد مرسي الرئاسي، أطلق قياديون في 'حماس'، والحكومة المقالة، جملة من الوعود
والتوقعات الوردية حتى قال بعضهم إن مواطني غزة، سيتمكنون من الانتقال إلى مصر
بسياراتهم. لقد علّق الغزّيون آمالاً كبيرة، على خلفية العلاقة العقائدية والحزبية
الخاصة بين 'حماس' وحركة الإخوان في مصر، فالمعبر سيفتح أبوابه على مدار الساعة،
وسيتم إنشاء منطقة حرة، وستنتهي أزمة الكهرباء والوقود، وكل شيء سيكون على أفضل
حال.
أحد عشر شهراً مرت، ولم
يتحقق من هذه الأمنيات والوعود أي شيء على الإطلاق باستثناء التحسن الطفيف في عمل
معبر رفح، الذي تعرض بدوره ويتعرض لحالة عدم استقرار كما لاحظنا خلال المرحلة
السابقة، وبالمناسبة فإن وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم، أعلن قبل
يومين عن أن معبر رفح، سيتم إغلاقه قبل أيام من الثلاثين من هذا الشهر وهو الموعد
الذي ستخرج فيه حركة 'تمرد' المصرية إلى الشوارع مطالبة برحيل الرئيس محمد مرسي.
وبالرغم من العلاقة
الخاصة والوثيقة بين حركة 'حماس' وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلاّ أن النظام
رسمياً لم تتح له فرصة الاستقرار، التي قد تدفعه لتبني سياسات منحازة لصالح
'حماس'. لقد بقيت السياسة العامة المصرية في مفاصلها الأساسية، تقف على مسافة
واحدة تقريباً بين حركتي 'حماس' و'فتح'، وبقيت السياسة العامة المصرية تدور في فلك
السياسة التي تحرص على اتفاقية 'كامب ديفيد' والعلاقة مع الولايات المتحدة
الأميركية وأوروبا الغربية.
غير أن الرابط الخاص
بين 'حماس' والإخوان المسلمين في مصر، جرى ويجري توظيفها، وإقحامها في الصراع
الداخلي المصري على نحو يجعل الفلسطينيين يدفعون الثمن. ثمة حملة إعلامية قوية
يشنها فريق من المصريين ضد حركة 'حماس'، أحياناً، استناداً إلى بعض الحقائق
وأحياناً استناداً إلى بعض الادعاءات. في كثير من الأحيان تؤدي هذه الحملات التي
لا تتوقف إلى الخلط عن حسن أو سوء نية، حين تنطوي على تحريض يطال الفلسطينيين بصفة
عامة، وفي أغلب الأحيان يطال سكان قطاع غزة بالجملة على اعتبار أن القطاع كلّه
'حماس'. في الواقع فإن الموقف الفلسطيني العام، ومواقف معظم الفصائل، كان حيادياً
تجاه 'ربيع مصر' وتجاه حالة الاستقطاب والصراع الداخلي الدائر، ولكن سواء كانت
هناك مبررات أو لم تكن فإن المحصلة هي أن الفلسطيني يتم إقحامه في الصراع الداخلي
المصري، فإذا بحثنا عن الأسباب سنجد الجواب في الانقسام الفلسطيني، الذي تتّسع
آثاره الخطيرة، يوماً بعد الآخر.
المصدر : فلسطين بيتنا
13/6/2013