لقد أجرم العالم بحقنا عندما صنع منا لاجئين ، وعندما صنعت الأطماع منا لاجئين ، هذه الكلمة تحمل في طياتها مآسينا وحقوقنا في نفس الوقت ، لكنها أذاقتنا كل المآسي والآلام ولم تعطينا حقاً من حقوقنا على الإطلاق...
تدخل مجموعات من الحثالات الصهيونية لم يكن لها ذكر ولا وجود في أدنى الأماكن الحقيرة لتشرد أجدادنا من ديارهم وأراضيهم ، لتقتلع جذوراً إمتدت لمئات السنين في هذه الديار وهذه الأراضي ، وتغرس قذارتها مكانهم ، وتدنسها بأقدام همجية وأيادٍ ملطخة بدماء بريئة طاهرة ، بدماء روت ولا زالت تروي هذه الأرض بقوافل من الشهداء الأبرار ،
والعجيب في الأمر ، بمعركة الحق مع الباطل هذه ، أن راية الباطل عالية جداً تناطح السحاب وراية الحق بعلوٍ لا يكاد يراه أحد ، وإن لمحها أحد مجرد لمحة ولا ببصره عنها فأكثرهم للحق كارهون ..
ويلهث الجميع ويصفق للباطل ، ومثال على ذلك اللاجئون الفلسطينيون والملتقطة الصهاينة ، راية الحق وراية الباطل .
أُخرج الفلسطينيون من ديارهم ليحل مكانهم حثالة ملتقطة من هنا وهناك ، على أي أساس يُخرجون صاحب البيت ويحل مكانه مرتزقة ، على أساس أنهم كانوا لاجئين في الدول واليوم يعودون لديارهم ؟ وإذا كانت ديارهم أين ديارنا نحن ، هل هبطنا من السماء وليس لنا ديار على الأرض ، أم هي العراق وسوريا ولبنان والأردن ؟ أم هي البرازيل والتشيلي ؟
أم أننا زائدون على العالم وليس من مكان في الكرة الأرضية يتسع لنا للعيش فيه بكرامة كالبشر؟
لماذا لا تُصنع لنا محرقة ونُحرق فيها بكبيرنا وصغيرنا ، على الأقل نموت بكرامة فقد رأينا من الذُل ما يكفينا حتى نهاية العُمر ، ولا يبقى لمن أصبحنا لهم تجارة شيئاً ليبيعون ويشترون فيه ، على ماذا يحزن اللاجيئ الفلسطيني أو يتألم ؟
على وطنه أو على أرضه ودياره ، على عروبته ، أو على نفسه وكرامته ، على حاضره وماضيه أو على حلم يورثه لأطفاله ليكملوا الحلم من بعده ، على ماذا ؟
ويظل اللاجيئ الفلسطيني يركض وراء سراب يحاول لمسه فلا يستطيع ، فقد حلمت أجيال وأجيال بالعودة إلى الوطن الحبيب فلسطين وماتوا على هذا الحلم ، وها نحن اليوم نُكمل نفس المشوار ، فاللاجيئ يحلم ويصبُر نفسه يوماً بعد يوم سنة بعد سنة ، وهناك من يبيع أحلامنا ، حتى الحلم إستكثروه علينا ، لقد أصبح لدى اللاجيئ الفلسطيني الكثير الكثير ليتألم ويحزن عليه ، فقد شُردنا من أراضينا ومن ثم شُردنا من الأراضي التي لجئنا فيها ، وهو كله مشوار تشرد وعذاب ، مشوار مؤلم للغاية ، يعتقد البعض أن ما نتكلم عنه هو مسئلة بسيطة أو مجرد كلمات جائت من الهواء ، لكنهم لا يستوعبون ولن يستوعبوا ألم هذا العذاب ، عذاب إقتلاع جذورٍ من أراضيها لأنهم فقدوا هذا الإحساس عندما أصبحوا برازيليين ، ها نحن اليوم في البرازيل ، وها نحن اليوم لسنا إلا آداة يستخدمونها ، لسنا إلا مفتاحاً لمؤامرة كبيرة ، لسنا إلا ضحية الصهيونية والمتصهينين معهم والواقفين موقف المتفرج على معاناتنا ، هذه المعاناة التي تسببت بها أطراف كثيرة ليس لديها أدنى إحساس بالمسؤولية ،بل أنهم اليوم يريدون إسكاتنا بشكل مباشر أو غير مباشر ، لا يريدون لأحد أن يدري بنا أو يسمعنا ، يريدون عنوة إثبات أن المؤامرة التي أسموها برنامجاً إنسانياً لاقة النجاح مع أن العكس هو الصحيح بل فشلت فشلاً ذريعاً لأن البرازيل بلد غير مهيئ لمثل تلك الأمور وخير دليل على ذلك هذا التصريح لإحدى موظفات المفوضية البرازيلية الجنسسية في الأردن ذات العلاقة بنفس الموضوع على موقع الجزيرة تقول فيه :
إن الحكومة البرازيلية يوجد لديها برنامج لإعادة التوطين وهي تستقبل اللاجئين من ما يعادل العشر سنوات تقريباً ، لكن فيما يتعلق بلاجئين من الشرق الأوسط هذه أول تجربة لها ، تم عرض الموضوع على الحكومة البرازيلية وعلى الكوناري
وبسبب الأوضاع الإنسانية وظروفهم الصعبة بمخيم الرويشيد قرروا أن يستقبلوا مجموعة من خارج محيط أمريكا اللاتينية ، وأن يقبلوا مجموعة من الشرق الأوسط والتي هي مجموعة من مخيم الرويشيد ، لم يكن هناك مشكلة من هذه الناحية وبما أنهم عندهم خبرة بإستقبال اللاجئين حظروا كل الأمور الضرورية والجميع بإنتظارهم متحمسين لذلك .
من هذا الكلام نفهم نقاطاً عديدة وهي :
1- أن البرازيل حديثة العهد بإستقبال اللاجئين مقارنة مع الدول التي تتعامل مع مثل تلك الملفات من عشرات السنين.
2- هذه أول مرة يستقبلون فيها لاجئين من بيئة مختلفة عن بيئتهم وعاداتهم وتقاليدهم ،لأن غالبية اللاجئين عندهم من محيط أمريكا اللاتينية وأخص بالذكر الكولومبيين ، وهذه النقطة تجعلهم عديمي الخبرة في التعامل مع أُناس بعيدين عنهم كل البعد لأن الكولومبيين يتكلمون بلغة متشابهة مع البرازيليين عاداتهم وتقاليدهم وديانتهم هي نفسها ، مثل اللاجيئ الفلسطيني في أي بلد عربي لا يجد أي صعوبة بتدبر أُموره ..
3- ليس لدى الحكومة البرازيلية أو المنظمات المشرفة علينا اليوم أي خبرة في التعامل مع لاجئين من خارج المحيط اللاتيني ويرجح ذلك للأسباب السابق ذكرها ..
4- البرازيل كبلد ظروفه المعيشية وواقعه الأمني وكافة سُبُل الحياة فيه غير مهيئة للاجئين بعيدين كل البُعد عن هذا المحيط اللاتيني بسبب الفقر وشحة فرص العمل وتدني الأجور، ولهذه الظروف تزداد فيها العصابات وأعمال العنف والسرقات والنشل في الشوارع وقطاع الطرق وتهريب المخدرات..
5- أما مؤسسات الجالية الفلسطينية التي كان لها الحماس وشجعة على هذا الموضوع كان فيه مصلحة لتوظيف أعضاء هذه المؤسسة برواتب تبلغ آلاف الريالات كمترجمين متافانين في عملهم لخدمة هذه المؤسسات التي آساءة كثيراً للاجئين الفلسطينيين ولعبوا دوراً كبيراً بالإساءة للاجئين فأصبحوا كالسكين التي تحملها هذه المؤسسات المجرمة وتغرسهم في بطون اللاجئين ..
وقد رأينا كيف كان رد فعل الحكومة البرازيلية على الإعتصامات فمن يقول أنه قبل بأُناس لأسباب إنسانية يجب أن يتعامل معهم بشكل إنساني ولاأعتقد أن البرازيل تعاملت مع هذه المشاكل بشكل إنساني وسوف نرى ذلك بالفترة القادمة .
يحصد اليوم ثمار هذه التجربة التآمرية مريض مثل اللاجيئ لؤي و مسنة مثل الحاجة صبحية البالغة 60 عاماً من عمرها وأطفال رضع ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا أبناءً للاجئين فلسطينيين فعليهم أن يذوقوا الكأس المر الذي شربه آبائهم وأجدادهم .
كم من السنين علينا أن نظل ندفع ، وما هو الثمن الذي يجب أن يدفعه اللاجيئ الفلسطيني ليعيش بكرامة ، منذ ستين عاماً ونحن ندفع ثمن اللجوء والغربة ، ألم يحين الوقت لإمراة مسنة في الستين من عمرها أن تعيش حياة كريمة !!
ماذا تبقى من القائمة التي فرضتها علينا الصهيونية والمتصهينيين معهم لندفعه ، وما هو المطلوب منا في البرازيل ، أن نحرق أطفالنا ومسنينا ومرضانا لتنتهي معاناتهم ونقول أن التجربة في البرازيل لاقة نجاحاً باهراً ، هل يجب أن تكون نهايتنا في البرازيل إما الموت في الشارع أو الموت صراعاً مع المرض..
إنني أُناشد بإسم جميع من ذكرت بإسم نساء مسنة نال منها المرض بإسم معاق يعيش على الأوكسيجين ولا يقوى على التنفس بإسم مرضى أنهكهم المرض بإسم أطفال رضع لم يروا من الحياة شيئاً بعد أُناشد كافة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحقوق الطفل أُناشد الفصائل الفلسطينية وكافة الهيئات القادرة على مساعدتنا للخروج من هذا الظلم على مد يد المساعدة لهذه الحالات الإنسانية .......
بقلم - عصام عرابي - البرازيل
17/11/2009