وبعد صدور القرار المذكور ظهرت إلى العلن مشاريع كثيرة
لتصفية جوهر القضية الفلسطينية، المتمثلة في قضية اللاجئين.
قرارات دولية
يلحظ المتابع لتطورات القضية الفلسطينية إصدار
"هيئة الأمم المتحدة" عشرات القرارات منذ عام 1948 وجميعها يقضي بوجوب
عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجةَ
الطرد القسري وتدمير قراهم. فإضافة إلى القرار 194 أصدرت "الأمم المتحدة"
القرار 302 في الثامن من "كانون الأول/ ديسمبر" 1950 والقرار 512 الصادر
في 26 "كانون الثاني /يناير" 1952، إضافة إلى قرارات أخرى قريبة في
بنودها.
وقد رفضت "إسرائيل" على الدوام تنفيذ
القرارات الصادرة عن "الشرعية الدولية"، وفي الوقت ذاته لم يجبر المجتمع
الدولي "إسرائيل" على تنفيذ تلك القرارات الدولية بشأن فلسطين.
في مقابل ذلك أصدرت "الحكومات الإسرائيلية"
المتعاقبة رزمة قوانين عنصرية لإنشاء مؤسسات "إسرائيلية" وتمكين
المهاجرين اليهود إلى فلسطين المحتلة من شراء أراضي اللاجئين وعقاراتهم ومحالهم
التجارية من تلك المؤسسات؛ وكان قانون أملاك الغائبين من اخطر تلك القوانين.
تم الترويج خلال العامين الاخيرين لمشروع الرئيس
الأمريكي «دونالد ترامب» الهادف إلى توطين العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين
في مناطق اللجوء المختلفة وإعادة توزيع أعداد قليلة منهم في دول أخرى مثل كندا
واستراليا، بغية تصفية قضية اللاجئين لتكتمل أهم فصول "صفقة ترامب"،
والتي تتساوق بشكل كامل مع المواقف "الإسرائيلية".
مشاريع تصفوية
وقد سبق المشروع المذكور عدة مشاريع تصفوية لقضية
اللاجئين الفلسطينيين من أهمها؛ مشروع أمريكي في عام 1969، حيث وضعت اللجنة
الأمريكية التي تزعمها سايرونس فانس وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، مشروعاً
لتوطين اللاجئين، الذين كان عددهم آنذاك (687) ألفاً في الأردن، و236 ألفاً في
لبنان و144 ألفاً في سوريا، و280 ألفاً في غزة، وينص المشروع على إنشاء صندوق دولي
بميزانية مقدارها (3) مليارات دولار لتوطين 700 ألف في الأردن، و500 ألف في سوريا،
وتفريغ لبنان من اللاجئين الفلسطينيين، كما تدفع تعويضات لأصحاب الأملاك، وفقاً للجداول
التي وضعتها لجنة التقديرات العامة لعام 1950م. وتسهم في دفع الأموال كل من
الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا الغربية.
لم تتوقف مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين، حيث أدخل
هنري كيسنجر خلال عام 1973 تعديلات على المشروع المذكور، بحيث يتم توطين ثلثي اللاجئين
في الأردن، والثلث الباقي في سوريا، وتدفع التعويضات لأصحاب الأملاك التي استولى
عليها الكيان "الإسرائيلي".
وفي عام 1987 وضعت إدارة الرئيس رونالد ريغان مشروعاً
لحل قضية اللاجئين، يتضمن إنشاء صندوق دولي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في
الأردن، وسوريا، بحيث تقام لهم مستوطنات حديثة تدفع تكاليفها من الصندوق الدولي
بإشراف لجنة تعينها "هيئة الأمم المتحدة"، أمّا أصحاب الأملاك فتدفع لهم
تعويضات عن أملاكهم تحدد قيمتها لجنة دولية مؤلفة من خبراء. وفي مواجهة تلك
المخططات الغربية طالبت الجامعة العربية في مؤتمراتها الدورية التي لم ترق إلى حجم
القضية، بإعادة جميع اللاجئين وفقاً لقرار 194 الذي أصدرته "الأمم
المتحدة" في عام 48.
مؤتمر مدريد
لم تتوقف محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين،
فإثر خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982 شاعت مشاريع كثيرة، بشأن
تهجير الفلسطينيين من لبنان إلى منطقة الأزرق في الأردن، وتكرر الحديث عن المشاريع
إبان حرب المخيمات، ولم تتبنها بشكل رسمي أي جهة فلسطينية، بل على العكس، ووجهت
برفض شعبي واسع.
راجت بعد عقد مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991 سلسلة من
المشاريع تتمحور حول توطين جزء من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لا يتعدى 100
ألف بالأرقام، ويستوعب العراق القسم الباقي من مجموع الفلسطينيين في لبنان، مقابل
رفع الحصار الاقتصادي عنه، كما راجت مشاريع عدة لنقل الفلسطينيين من بيروت إلى
منطقة البقاع، وكسابقاتها من المشاريع لم تلق آذاناً فلسطينية صاغية، إذ رفض
التجمع الفلسطيني في لبنان منذ عام 1948 كافة المشاريع التي طرحت بشأن توطينه، كما
اعتبر وجوده في لبنان مؤقتاً إلى حين تطبيق حق العودة الذي تضمنه القرار الصادر عن
الأمم المتحدة رقم 194 عام 1948.
ومن خلال نتائج تحقيقات ميدانية أجرتها الصحف اللبنانية
المختلفة خلال الفترة التي تلت "اتفاقات أوسلو"، تبين أن كافة الشرائح
الاجتماعية الفلسطينية ترفض مبدأ التوطين أو الوطن البديل.
وتواترت بعد ذلك مشاريع التوطين، التي كانت تحاك منذ
فترة مبكرة لتظهر إلى العلن بعد توقيع اتفاقية أوسلو خطة أمريكية لتوطين خمسة
ملايين لاجئ فلسطيني في دول الشرق الأوسط والعالم، وروّج الاحتلال لتلك الخطة من
خلال رئيس جهاز الموساد السابق شلومو غازيت، حيث أشار في أكثر من ندوة، أنه من غير
الممكن أن يكون للنزاع "الإسرائيلي" – الفلسطيني حل حقيقي وجذري وقابل
للبقاء، من دون إنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من جميع جوانبها، ومن واجب
"إسرائيل" الإصرار على إدراج هذه المشكلة في جداول الأعمال وإيجاد حل
لها متفق عليه؛ في وقت تنفي "إسرائيل" مسؤوليتها عن بروز قضية اللاجئين،
وترفض تطبيق أي قرار بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين وبشكل خاص القرار الدولي 194 .
نبيل السهلي كاتب فلسطيني مقيم في هولندا .
مركز فلسطين للدراسات والبحوث
25/4/1442
10/12/2020