إن حياة اللاجئين الفلسطينيين أشبه بمشهد واحد يكرر نفسه في كل فترة من فترات حياتهم ، التهجير من فلسطين إلى الدول ومن ثم الهجرة من الدول إلى دول أُخرى وليس بإختلاف أكثر من المشهد الأول للتهجير ..
لأن تهجير الفلسطينيين من العراق لا يختلف كثيراً عن يوم تهجيرهم من فلسطين ، بل على العكس المشهد متشابه من كافة جوانبه ...
لاجئون فلسطينيون الأمس في العراق واليوم في البرازيل !!
وماهو الفارق ؟ ما الذي إختلف ؟ وماهو الذي تراجع ؟ وما هو الذي تقدم أصلاً ؟
ولو أننا تكلمنا عن الفوارق والإختلافات بين البلدين من حيث الأوضاع المعيشية وإنعدام العديد من المتطلبات التي يستطيع من خلالها الفرد أو المعيل لأُسرة إعالة نفسه وأُسرته من عمل وخلافه لوجدنا أن العراق أفضل حالاً بهذه الضروف التي يعانيها اليوم ، ومن هذا المنطلق لا أستطيع القول أن البرازيل عراق ثاني ، بل إن البرازيل بالنسبة للاجيئ الفلسطيني هي مخيم ثاني مخيم كبير جداً يعاني فيه اللاجئين معاناة حجمها يفوق المعاناة السابقة ..
بل إن أحوال اللاجئين الفلسطينيين في البرازيل بتراجع مستمر على كافة الأصعدة ومن أهمها الجانب الصحي والمعيشي ، فأحوال معيشية متدهورة وأوضاع صحية لكثير من اللاجئين تزداد سوءً دون الإلتفات من أحد لهم ،
وليس هناك ماتقدم على أوضاعهم ، وذلك نتيجة البرنامج الفاشل الذي ساهمت به أطراف عديدة دون حساب عواقبه
ومصير أرواح البشر ، فكان كل همهم إغلاق مخيم الرويشيد ، ولكن على حساب من لايهم ، فلن يهتم أحد ، عوائل وأطفال تؤخذ إلى البرازيل وبعد ذلك يكون مصيرهم الضياع بالشوارع ليس مهماً ولن يحرك ذلك ساكناً عند أحد ،،،
وبكل بساطة لأنها مؤامرة مع الأسف فيها أطراف فلسطينية تشارك باقي الأطراف على ظلم اللاجئين ...
لنتطرق هنا إلى نقطة مهمة في الموضوع ، وقد حاول جميع المنتفعين من المفوضية طمس هذه النقطة والتقليل من أهميتها ، بل جعلها وكأنها ليس لها علاقة بشيئ ...
كيف ؟ حقيقة لا أعرف ...
إن هذه النقطة التي تم مسحها من كافة المواضيع والعبارات ، من كافة الجمل والكلمات ، النقطة التي لم نرى لها ذِكر أبداً آلا وهي ( الحكومة البرازيلية ) ...
الحكومة البرازيلية صاحبة الكرم والجود ، صاحبة المواقف المشرفة مع الشعب الفلسطيني ، الحكومة المشكورة على إستقبالها وإنقاذها اللاجئين الفلسطينين من الصحراء ..
لنستعرض المواقف المشرفة لهذه الحكومة مع اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها ..
عند تعرض اللاجئين للأذى والظلم والإهمال وطبعاً هذه الأمور ليست وليد اليوم بل حدثت منذ الأشهر الأولى لهم في البرازيل فلم يجدوا لهذه الحكومة أثر ، وكأنك تعيش في غابة ، لا يقاوم فيها إلا القوي وصاحب النفوذ فقط وكل يحكم نفسه بنفسه ، فهذه البلد ليس فيها حقوق لأحد بالأخص اللاجئين ليس لهم حق بشيئ في البرازيل سوى الشوارع .
وعند ذهابك للشكوى على ظالمك للشرطة مع ملاحظة أن ظالمك هنا قوي بنفوذه وسلطته ، وأنت مجرد لاجيئ لاحول ولا قوة لك ، فيقول الأول نحن شرطة محلية إذهب إلى الفيدراية ، وعند ذهابك للشرطة الفيدرالية يتم إحتجازك وتحتاج إلى محام ليخلصك من أيديهم ، بينما إذا شعر خافير مدير فرع المفوضية في البرازيل من إنزعاج لوجود لاجئين فلسطينيين معتصمين بسبب معاناتهم من الأوضاع المعيشية والصحية والإهمال الفضيع ، وأُولائك المعتصمين لم يكونوا سوى بعض الأخوة من المسنين والمرضى والنساء والأطفال المجردين من كل شيئ والذين يحتاجون أصلاً لمن ينصرهم ،فلم يكن عليه سوى الإتصال بهذه الحكومة لترسل أجهزتها القمعية بأعداد كبيرة لا تشاهد في البرازيل إلا حين مطاردة عصابات القتل والسطو المسلح وتجار المخدرات المتفشية عندهم ، لتقوم هذه الأجهزة وبهذه الأعداد كما شاهدنا بالصور بقمع اللاجئين ومصادرة خيمهم وباقي أغراضهم ليمنعوا إرهاب اللاجئين ضد المفوضية المسكينة المظلومة التي يدافع عنها هنا العرب والأجانب ، لأن المطالبة بالحق أصبحت إرهاباً ، لأن رفض الذل والمهانة أصبح إرهاباً ..
أما ترك مسنين ومرضى في الشوارع ليس إرهاباً ، مصير عوائل وأطفال ومعاقين سيتم إلقائهم في الشوارع ليس إرهاباً ، تغيير المفوضي لعنوانها وإخفاؤوه عن اللاجئين ليس إرهاباً , ماهذا العدل ؟
هذه هي بعض المواقف المشرفة لهذه الحكومة المشكورة على مواقفها المشرفة طبعاً تجاه اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها ، يبدو أن الكرم البرازيلي سيفتك بنا يوماً ما !!!
ومن جهة أُخرى حاول المعتصمين بعد هذا الذُل والعناء محاولات يائسة لمقابلة أي مسؤول بوزارة الخارجية أو العدل البرازيلي ، وإعتصموا أمام مقر الرئاسة البرازيلية لإيصال صوتهم هذا الصوت الذي يحاول الجميع خنقه والتخلص منه
ولكن بلا جدوى ذهبت كل المحاولات بمهب الريح فكأنهم ذهبوا إلى خرائب مهجورة ليس فيها أحد فلم يتنازل أي مسؤول برازيلي بكل هذه الجهات على مقابلتهم أو الإستماع حتى ولو لشخص واحد منهم ، وعندما تحدث أحدهم قال إن البرازيلي ينام في الشارع فماذا نحن فاعلون لكم !!!
ما حسن هذه الضيافة البرازيلية وماهذا الكرم وهذا الذوق الرفيع والأخلاق العالية في التعامل مع لاجئين غرباء من أقصى بقاع الأرض ، وما كل هذه المواقف الكريمة النبيلة من الحكومة البرازيلية تجاه اللاجئين الفلسطينيين ...
إن ما يحدث مع اللاجئين الفلسطينيين في البرازيل لم يحدث معهم في بغداد التي مزقها الحصار والحرب والإنفجارات والأوضاع الغير مستقرة ،فعندما تم طرد عوائل فلسطينية كثيرة من منازلهم وأصبح مصيرهم مجهولاً لم يتركوا في الشوارع وفي بلد عربي يتكلمون فيه نفس اللغة ، بل على العكس تم أخذهم إلى نادي حيفا وكان ذلك لكل الفلسطينيين الذين تضرروا ، وأقاموا هناك بخيمهم إلى أن تم إستئجار بيوت وشقق لهم مدفوعة الإيجار من قبل وزارة المهجرين ليومنا هذا ، ولم يحدث أن تُرك اللاجئين في بلد غريب يواجهون قضائهم أو يلاقون حتفهم بأطفال صغار وعوائل بهذه الطريقة البشعة التي تنتهجها المفوضية وتغض النظر عنها الحكومة البرازيلية متجاهلة بذلك مصير عوائل وأطفال وحقوقهم كبشر ،، وسنرى المزيد منهم في الأيام المقبلة ، المزيد من الذل ، المزيد من الإهانات ، والمزيد من إمتهان الكرامة ...
ومن هذا المُنطلق ، مُنطلق المظلومين المضطهدين الذين لم يتم تخليصهم من الظلم والإستبداد ، بل على العكس إن الظلم الذي نعانيه اليوم من أسواء ما عانيناه على الإطلاق ..
وإنني أُطالب على وجه الخصوص من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن حقوق الطفل والمؤسسات الصحفية والإعلامية ، للتفضل والإطلاع عن كثب على أوضاعنا ومعاناتنا ونهاية المطاف بنا و الذي يهيئونه لأطفالنا وأُطالب بإدانة هذه الممارسات بحقنا وإعتبارها إنتهاكاً لحقوق الإنسان وحقوق أطفالنا الذين تمت تهيئة الشوارع في البرازيل لهم بين اللصوص ومدمنين المخدرات ، ودعم موقفنا الرافض لتلك الممارسات ودعم مطلبنا بالخروج من هذا الجحيم لأنني لم أسمع عن مستقبل يبنى في الشوارع بين من تم ذكرهم ......
9/9/2009
بقلم : عصام عرابي - البرازيل
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"