الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين وعلى صحابته أجمعين ومن تبع خطاهم إلى يوم الدين أما بعد :-
فنحن في هذا الزمان الذي انتشرت به وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والمواقع على الانترنت وغيرها من الوسائل المسموعة والمقروءة فكل يدعو إلى أفكاره ومنهجه فاختلطت الأمور على بعض الناس وأصبح في حيرة من أمره , فعندما تتكلم معه عن أمر من أمور الدين أو عن صفات أهل الحق والفرقة الناجية فإذا أحدهم يقول والله يا أخي احترنا وحيرتمونا من نسمع ومن نصدق !! .
(كل يدعي وصلاً بليلى) فكل عالم وداعية يتكلم بمسألة يأتي آخر ويخالفه فكثرت المسميات والعناوين علينا فلا ندري أيهما على الحق وأيهما نصدق هل الحزب الفلاني أم الحركة الفلانية أو المذهب الفلاني أم من هو يرفض الحزبية والتحزب جملة وتفصيلاً فأين نولي وجوهنا ومن أين نأخذ ديننا ؟ .
أيها الأخوة إن هذا التفرق الذي نراه اليوم لم يأتينا فجأة أو كأن الأمر لم يذكر أو لم يحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال وبين أن هذه أمتنا ستفترق ، قال عليه الصلاة والسلام (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قيل : من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) (رواه الترمذي وأبو داود) وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم في الإخبار عن المستقبل وحتى يكون المسلم على حذر ممن يأخذ دينه .
فكيف للمسلم أن يعرف طريق الحق من طريق الضلال أنت إذا أردت أن تمشي في طريق مظلم بتأكيد ستأخذ معك مصباح ينير لك الطريق وإذا أردت أن تشتري بضاعة ما أكيد ستسأل عن مصدرها وتاريخ صلاحيتها وهكذا بقية الأمور في حياتنا الدنيا نحتاج إلى الدليل والموجه , وكذلك أمور ديننا فهي أولى أن نحرص كيف ومن أين نتلقاها فإذا أردت أن تعرف أيهم يدعي أنه على الحق فعلينا أولاً أن نتنور بالعلم من كتاب الله تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فنعرف آيات ربنا والأحاديث النبوية الصحيحة فهي الميزان التي تعرف به الحق من الباطل لذلك قال صلى الله عليه وسلم (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) صحيح ابن ماجه , وقال عليه الصلاة والسلام (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) رواه البخاري , كثير من الناس اليوم ينظرون الآن إلى الخطباء والدعاة فيستحسنون هذا ويذمون ذاك حسب تفكير كل شخص ومزاجه وحسب قدرة الخطيب في كلامه وربما مظهره في جلب ميول الناس ورضاهم أو فيما يلبي رغبات الناس , لذلك في زمن خلافة علي رضي الله وعندما ظهر الخلاف في الأمة جاء الناس إليه يريدون معرفة طريق الحق فقال علي رضي الله عنه هذه القاعدة العظيمة (اعرف الحق تعرف أهله) ما أجملها من كلمة توزن بماء الذهب , فمعنا كلام سيدنا علي رضي الله عنه إن كنت باحث عن الحق والحقيقة فلا تبحث عن الرجال حتى تعرف الحق إنما الحق الذي نجتمع كلنا عليه هما الوحيين كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى , فإذا حرصنا على معرفتهم وتعلمهم سنمتلك الميزان الذي نعرف فيه أهل الحق من أهل البدع والضلال الذين يخالفون منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
فعندما يأتيك شخص ويقول لك إن هذا القرآن ربما حدث فيه زيادة أو نقصان فعندك آيات من كتاب الله تعالى ترد عليه ومنها قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ( الحجر : 9) وتعرف أنه على ضلال فالقرآن محفوظ من أي نقصان أو زيادة إلى أن يرفع الله تعالى الأرض ومن عليها فتعرف أن من يدعو بهذا الكلام ضال عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم أو عندما يأتي شخص ويدعي بأن هذا الدين لم يكتمل وأنه سيظهر من يكمل لنا ديننا أو يأتي بعباده لم يتعبد بها نبينا صلى الله عليه وسلم فيكون لدينا علم بقوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة : 3) فيتبين لك من الذي ابتدع في هذا الدين ممن سار على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو ذاك الذي يتكلم في الصحابة رضي الله عنهم ويشكك الناس بمن نقل إلينا هذا الدين فعندنا آيات من كتاب تعالى في مدحهم والثناء عليهم قال تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) (التوبة : 100) والآيات والأحاديث كثيرة تبين فضلهم رضي الله عنهم ترد بها على ضلال وأكاذيب من يقول مثل هذا الكلام ، فالمسلم يدور مع الدليل حيث دار فهو ضالته التي يبحث عنها ويزن بها جميع ما يمر به في حياته , أما الذي يبحث عن الحق عن طريق البحث عن الرجال أو عن طريق الأحزاب فهذا لا محال تائه كل يوم في مكان وكما قال الإمام الشاطبي في كتابه القيم (الاعتصام) : (ولقد زل أقوام بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال ، وخرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم ، فضلوا عن سواء السبيل) . ومن نفيس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وطيب الله ثراه التي ينبغي أن يكتب بأحرف من نور قوله : (وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم) , فعن العرباض بن سارية قال : (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال : "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد") . قال الشيخ الألباني : صحيح .
أي تركتكم على جادة الطريق فالذي يهلك إنما هلك بسبب مخالفته لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم , بعض الناس أيضا قد تغره الكثرة أو القوة أو التيسير في أمور الدنيا فيظن ان هذا دليل على تأييد الله لهم وهذا قياس غير صحيح فالنبي صلى الله عليه وسلم وصف الذين يكونون مع الحق بالغرباء في مجتمعهم كما قال صلى الله عليه وسلم (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء) (رواه مسلم) أي انهم يحيون سنة النبي صلى الله علي وسلم فأصبحوا غرباء في المجتمع الذي يدعي أنه تطور وتحضر وترقى فكيف له ان يتحاكم ويستن بمن كان قبله بأكثر من ألف وأربعمائة سنة فالذي يقول مثل هذا الكلام فليراجع نفسه وليتب إلى الله تعالى فإن من صفات أهل الحق إنهم يحكّمون الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم في كل أمورهم كما قال تعالى(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء : 65) .
فمع الأسف بعض الناس عندما تقول له قال الله تعالى وقال رسوله صلى الله عليه وسلم يقول لك أنا رأيي أن الموضوع ربما وسوف ولعل .. سبحان الله !! .
إن المسلم سمي بهذا الاسم لأنه مستسلم منقاد لأوامر الله تعالى ولنعلم ان ديننا يواجه مشاكل داخليه من أهله بسبب تمردهم وعدم تطبيقهم لشرع ربهم جل وعلا وكذلك يواجه مشاكل خارجية من أعداءه الذين يحاولون أن يلقوا الشبهات على المسلمين من أجل تنفيرهم وإبعادهم عن هذا الدين العظيم , فيا أخي علينا الحذر ممن نأخذ ديننا ولنحرص على طلب العلم فإنه السبيل للنجاة والتعرف على الحق بعد أن ندعو الله تعالى دائما أن يوفقنا ويهدينا إلى الصراط المستقيم وأن يثبت قلوبنا على منهج نبينا صلى الله عليه وسلم على فهم الصحابة رضي الله عنهم , نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ياسر الماضي
28/1/2012
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"