"أوسلو"،
كان محطة نوعية مهمة، ونقلة جوهرية في مسار الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"،
فقد نقل الموضوع الفلسطيني برمته، باستثناء قضيتي اللاجئين والنازحين، وهم نصف
الشعب العربي الفلسطيني، ومع ذلك انتقل جوهر الصراع وعنوانه وقيادته و"نضاله"
وحقوقه من المنفى إلى الوطن الفلسطيني، فالصراع قبل "أوسلو" هو فلسطيني
- أردني، وفلسطيني - سوري، وفلسطيني - لبناني، وفي بعض الأحيان وبدرجة أقل،
فلسطيني - عراقي، وفلسطيني - مصري، بصرف النظر من المخطئ، هل كان الفلسطينيون هم
المخطئين؟ أم النظم العربية وشعوبها؟؟، المهم كان الصراع بينيا، بين العربي
والعربي، بين الشقيق وشقيقه، وداخل جبهة المواجهة العربية مع العدو الوطني و"القومي"،
وكان العدو هو المستفيد الوحيد من الصراع الفلسطيني مع أشقائه العرب، والفلسطيني
هو الذي دفع ثمن هذا الصراع، إلى أن انفجرت الانتفاضة الشعبية العام 1987 داخل
الوطن والتي افتعلت الأداة الضاغطة على إسحق رابين "بطل حروب "إسرائيل""
وقائدها، وعلى دولته المحتلة وعلى مشروعه الاستعماري التوسعي، فأذعن وأدرك أنه لا
يستطيع هزيمة الشعب الفلسطيني وأطفال الحجارة و"النضال" المدني الباسل
الذي خاضه الشبان والنساء وقادة العمل الوطني الفلسطيني في الضفة والقدس والقطاع
ومعهم متضامنون من أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة
فكانت النتيجة: الاعتراف "الإسرائيلي" العلني بالحقائق الثلاث، أولاً
بالشعب الفلسطيني، وثانياً بمنظمة التحرير، وثالثاً بالحقوق السياسية المشروعة
للشعب الفلسطيني وعلى أرضية هذا الاعتراف المدعوم أميركياً، الذي تم إعلانه
وتوقيعه في حديقة الورود في البيت الأبيض يوم 13/9/1993، تمت سلسلة الإجراءات
العملية على الأرض:
1- الانسحاب "الإسرائيلي" من غزة وأريحا
أولاً.
2- عودة الرئيس ياسر عرفات، ومعه عاد أكثر من 320 ألف فلسطيني في السنوات الخمس الانتقالية 94 – 99 .
3- ولادة السلطة الوطنية كمقدمة وكمشروع مؤسساتي
لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة والمنشودة.
"اتفاق أوسلو" قدم خدمة نوعية للشعب الفلسطيني، بنقل الصراع
والعنوان والقضية من المنفى إلى الوطن، دفع ثمنها إسحق رابين باغتياله لأنه خان "إسرائيل"،
وتنازل عن أرض "إسرائيل"، للعدو الفلسطيني، كما قال قادة اليمين "الإسرائيلي"
ومنهم نتنياهو نفسه .
"اتفاق أوسلو" قدم خدمة للشعب الفلسطيني وهي حصيلة "نضاله"،
ولكنه في نفس الوقت، قدم خدمة جليلة إستراتيجية للأردن وللأردنيين، لأنه ألغى
المشروع الاستعماري التوسعي "الإسرائيلي" "الوطن البديل" أي
جعل الأردن وطناً بديلاً لفلسطين، لسببين من وجهة نظر المستعمرين "الإسرائيليين"
أولهما: أن شرق الأردن جزء من خارطة "إسرائيل"، وأن "الإسرائيليين"
حصلوا على الجزء الأصغر من "إسرائيل" الكبرى فمساحة فلسطين ("إسرائيل")
27 ألف كيلومتر مربع بينما مساحة الأردن 96 ألف كيلو متر مربع، ولذلك ليذهب
الفلسطينيون إلى شرق الأردن ويقيموا دولتهم عليها ويتركوا غرب الأردن "للإسرائيليين".
ثانيهما: أن أغلبية سكان شرق الأردن هم أصلاً من الفلسطينيين، ومن هنا قيمة
"أوسلو" أردنياً أنه أنهى مؤامرة الوطن البديل عن الأردن.
ولكن مقابل مشروع الوطن البديل، هنالك أيضاً مؤامرة أخرى بديلة، وهي الخيار
الأردني أي عودة الأردن تعسفاً ليحكم ويتحكم بما تبقى من الضفة الفلسطينية الواقعة
بين الجدارين ليشكل امتداداً للأردن، فيبقى الأردن ويتحول إلى وعاء لاستيعاب تدفق
النازحين إليه باعتبار ما تبقى من الضفة الفلسطينية جزءاً من الدولة الأردنية تحت
مسميات الفدرالية والكونفدرالية، وفي كلا الحالتين مؤامرة على الأردنيين وعلى
الفلسطينيين، فقد سقط الوطن البديل ليكون الخيار الأردني تحت مسميات الوحدة
الفدرالية أو الكونفدرالية هو المشروع المقبل، وهي مسميات مرفوضة من قبل
الأردنيين، لأنها تمس أمنهم واستقرارهم وهوية بلدهم ووطنيتهم.
ما يتفوه به بعض القيادات الفلسطينية حتى ولو من باب الوطنية أو "القومية"
الزائدة على أننا شعب واحد أردني فلسطيني، أو أننا نعمل من أجل الوحدة الأردنية
الفلسطينية تحت أي مسميات وحدوية، لا يستسيغها الأردنيون ولا يقبلون بها، وهي في
نظرهم هروب من قبل الفلسطينيين عن مواجهة عدوهم وعجزهم أمامه وفشلهم في استعادة
حقوقهم من بين مخالبه ومن جشعه ومن بطنه.
أخطأ من قال أو اختار أو قبل أن تكون قوات أردنية على أرض فلسطين بديلاً
لقوات الاحتلال، فهي ربما ستفتعل احتكاكاً غير مرغوب فيه مثلما ستوجد قلقاً
أردنياً مشروعاً لا داعي له.
لقد سبق وحسم الملك عبدالله موقفه علناً بقوله: لا نقبل استبدال الدبابة "الإسرائيلية"
بالدبابة الأردنية، فلماذا يصر البعض على استفزاز الأردنيين ودفعهم نحو التوتر
والاحتقان، سواء لأسباب تكتيكية لإحراج "الإسرائيليين"، أو لأسباب
مبدئية لأنه يؤمن أننا شعب واحد، ونحن ليس كذلك، لنا هويتان وننتمي لقومية عربية
واحدة، بجوازي سفر، ولنا قيادة أردنية للأردنيين، وقيادة فلسطينية للفلسطينيين
مثلما يوجد برلمانيون منتخبون بهويتين مختلفتين، فلماذا الخلط غير المرغوب ؟؟.
أقولها وبكل صراحة: نحن لسنا شعبا واحدا، نحن شعبان بهويتين، مثل
الجزائريين والمغاربة، ومثل الكويتيين والسعوديين، فلا تتوهموا بالكلام الدبلوماسي
الذي يقوله البعض للبعض الآخر، فهو لا يقبله أردني واحد، فلماذا الوهم وافتعال
المعارك الوهمية غير المطلوبة، ليتجه الفلسطينيون غرباً نحو حل مشاكلهم مع "الإسرائيليين"
الذين يحتلون أرضهم ويصادرون حقوقهم ويعتدون على كرامتهم، ويتركوا الأردن وأهله
ليقدموا التأييد والمساندة لفلسطين وشعبها وقيادتها بقدر استطاعتهم، فالأعباء
الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه الأردنيين تكفيهم فلا
تثقلوا عليهم، بمزيد من الأعباء والقلق ! .
المصدر
: جريدة الأيام
26/1/2014