قصة أول مدينة تسقط بيد اليهود في مثل هذا اليوم

بواسطة قراءة 6620
قصة أول مدينة تسقط بيد اليهود في مثل هذا اليوم
قصة أول مدينة تسقط بيد اليهود في مثل هذا اليوم

القسطل قرية فلسطينية بمعنى القلعة  تقع هذه القرية على بعد 10 كم إلى الغرب من مدينة القدس  وتشرف على طريق القدس يافا المعبدة وهي تسيطر على طرق المواصلات المؤدية إلى القدس.

فبينما كانت المعارك بين المجاهدين وبين اليهود بعد صدور قرار التقسيم المشئوم  (29 تشرين الثاني  1947) كان القتال  سجال في القدس وباقي قرى فلسطين سافر القائد عبد القادر الحسيني إلى الشام يطلب المزيد من السلاح والعتاد حيث يروي لنا (قاسم الريماوي) الذي كان يصحب القائد عبد القادر الحسيني في رحلته للشام التي دامت اثنا عشر يوماً حاول خلالها  عبد القادر الحسيني أن يقنع  رجال الهيئة العربية ورجال اللجنة العسكرية والتي عينتهم الجامعة العربية والتي كان مقرها( دمشق – القادسية) أن يمدوه بالسلاح والعتاد والتي هي كانت عقدة الوضع في فلسطين بسبب أن الانتداب البريطاني طيلة فترة الثلاثين عاما.

فترة الانتداب اصدر قرار بإعدام كل من يعثر بحوزته قطعه سلاح  ,إلا أن محاولته الحصول على السلاح باءت بالفشل يقول الريماوي في أثناء الجلسة شاع خبر سقوط القسطل بيد اليهود فتألم عبد القادر وغضب غضبا ًشديدا وتألم الحاضرون وكما قلنا فالقسطل يعتبر موقع استراتيجي لكل طرق المواصلات المؤدية للقدس, فقال له اللواء الركن إسماعيل صفوت باشا  كان قائد الجيش العراقي ( ها قد سقطت القسطل يا عبد القادر، عليك أن تسترجعها,وإذا كنت عاجزا فقل لنا , نعهد بالمهمة للقاوقجي......( فوزي القاوقجي )قائد القوات العامة وهو عراقي , فغضب عبد القادر وقال( يا باشا القسطل معناها القلعة المحصنة وليس من السهل استرجاعها بالبنادق الايطالية والذخائر الإفرنجية القليلة التي بين أيدينا ,أعطني السلاح الذي طلبته منك  وانا استرجعها ، اليهود الآن تغيرت أسلحتهم فهم يملكون الطائرات والمدافع والدبابات فليس بإستطاعتي ان أسترجع القسطل إلا بالمدافع,أعطني ما طلبت وانا كفيل بالنصر (  فقال له الباشا إسماعيل (شنو عبد القادر ؟ ماكو مدافع !........) وقال الشراباتي وزير الدفاع  إذا احتل اليهود القدس فسنأتي ونسترجعها منهم أو نقتلهم فيها ) ولم يعطوه من الاسلحه والذخائر إلا القليل , فغضب عبد القادر ورمى بخرائط كانت بيده في وجوههم وقال بصوت عالي  أنتم خائنون أنتم مجرمون سيسجل التاريخ  أنكم أضعتم فلسطين ،سأحتل القسطل وأموت أنا وإخواني المجاهدين  .

وعندما خرج قال لرفيقه الريماوي هيا بنا نرجع إلى فلسطين كي نموت فيها الميتة التي وضعناها نصب أعيننا عندما نزلنا إلى ساحة الجهاد,هيا لنستشهد أو لننتصر ولنذكر قوله تعالى(فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ,ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا ً عظيما ً)النساء 74  ، وفي مساء يوم 6-4 -1948غادر دمشق مسرعاً  متجهاً إلى فلسطين وقد جاء معه خمسون من الرجال الذين تطوعوا في جيش الإنقاذ ( عراقيين وسوريين) ويقال انه عاد ومعه نصف شوال من الرصاص !!

 وما أن وصل القدس (7 -4 ) واستراح قليلا ً حتى توجه اليوم التالي إلى القسطل توجه لها رغم نصيحة أصدقائه ومرافقيه بعدم الذهاب ، واصطحب معه كلا من إبراهيم أبو دية وحافظ بركات وعبد الله العمري وعلي الخمرة وحارسه عوض محمود احمد  ولحق بهم بعد قليل جودة العمد يحمل بعض الذخائر.

ما كاد عبد القادر يقترب وصحبه من ميدان القتال حتى وزع المقاتلين على النحو التالي إبراهيم أبو دية مع فصيلين من سريته حامية القطمون في القلب من القسطل  حافظ بركات الميمنة من الناحية الشرقية وفريق من البدو من جماعة هارون بن حجازي الميسرة الناحية الغربية وبقي عبد القادر وعبد الله العمري وعلي الموسوس وثلاث من شباب بيت المقدس في موضع القيادة وكان عددهم كلهم لا يزيد عن ثلاثمائة مقاتل وكان معهم أربعه من الانكليز المتطوعين يديرون أربعة من مدافع الهاون من عيار بوصتين( بعض جنود الانكليز قسم كان يدعم اليهود وقسم كان يدعم المجاهدين فكان معروف أنهم لعبوا دور سياسة الوجهين ).

وكانت فرقه صغيره من الجهاد المقدس يقودها صبحي أبو جبارة وأخرى من متطوعي القدس من قطاع رام الله يقودها عبد الفتاح المزرعاوي ترابط في قالونيا بدا الهجوم في الساعة الحادي عشرة من مساء( 7-4) فتمكن رجال الميسرة من اقتحام الاستحكامات الأمامية تسندها المدافع بنيرانها ووصلوا على أطرافها كما وصل البدو من الجهة الغربية واتصل الفريقان وكادا يدخلان القرية لولا أن رجال الميمنة لم يستطيعوا التقدم من الناحية الشرقية وكانت ذخائر الفريقين قد نفذت أضف إلى ذلك ان إبراهيم أبو دية أصيب بجرح كما أصيب معه ستة عشر رجلا من رجاله بجراح مختلفة, ولم تكن لدى المجاهدين وسائل لإسعاف الجرحى, فأخذوا يرجعون للوراء فغضب عبد القادر غضباً شديدا وخشي ان تنتهي المعركة بالفشل فتقدم لينقذ الموقف واندفع إلى الأمام دون ان يخبر احد  بما ينوي القيام به , ولكن سرعان ما افتقده رفاقه  وتولوا زرع الألغام وإتمام المهمة التي فشل رفاقهم في إكمالها, ولكن اليهود اكتشفوهم قبل ان يتموا مهمتهم فراحوا يطلقون النار عليهم بكثافة فجرح ثلاث من رفاقه  ورجع اثنان للخلف وبقي الثالث معه رغم جرحه وراح الاثنان يقابلان الأعداء وحدهما وكان لديهم مدفع من طراز (ستن ) ومسدس من نوع بارشوت عيار 9ملم وظلا يطلقان النار حتى نفذت ذخيرتهما فأرسل القائد صاحبه الجريح ليأتي بالذخيرة ولكنه أغمي عليه في الطريق بسبب جرحه فرأى عبد القادر نفسه وحيداً في المعركة أمام أول مترس من متاريس اليهود وكان هؤلاء قد تقوا بالنجدة التي أتتهم من المستعمرات القريبة منهم فأحاطوا بعبد القادر وبقواته المرابطة من ورائه وكان الوقت قريب من طلوع الفجر(8-4).

وما ان بزغ الفجر حتى شاع خبر ان عبد القادر ورفاقه مطوقون بالأعداء,وان معركة القسطل تكاد تنتهي بالفشل واستنجد سكان القدس والمدن المجاورة لها فلبى النداء فريق من الجهاد المقدس بقيادة قاسم الريماوي وفريق من حراس الحرم بقيادة الحاج عبد المجيد الحجازي وشباب من بيت المقدس بقيادة بهجت أبي غربيه ومحمد عادل النجار وجاء جيش الإنقاذ بقياده جمال رشيد العراقي ومن الخليل بقيادة عبد الحليم الشلف ومن قرى الوادية بقيادة رشيد عريقات,وقيل ان عدد المجاهدين الذين اشتركوا فيما بعد ناهز(500)مجاهد ورغم ان اليهود كانوا اكثر منهم عدداً وعدة وأنهم قاوموا المغيرين مقاومة شديدة بمدافعهم الحديثة ورشاشاتهم المتنوعة فقد قام هؤلاء بحركة التفاف حول القسطل من الجنوب إلى الشرق فالشمال وهنا التقوا بالمقاتلين الذين جاءوا لنجدتهم من الشمال فانقض الفريقان على القسطل انقضاض الصاعقة, فدخلوها وهم يكبرون ويهللون ( الله أكبر لا إله إلا الله) وكانت الساعة قد دقت الثانية ظهرا بتاريخ (8-4) وسمع المناضلون الصوت فاقتحموا من الناحية القبلية خط الدفاع اليهودي وعندما دخلا فيها طهراها من الأعداء ورفع العلم العربي على أعلى بناية فيها وكانت الساعة قد دقت الرابعة عصراً وما كان يعلم احد من المناضلين ان القائد قد مات ,وكان الجميع مسرورين بفتح القسطل ولكن سرعان ما انقلب سرورهم إلى ألم شديد عندما رأو عبد القادر الحسيني ميتا ملقى على الأرض عند أول بيت من بيوت القرية من الجهة الشرقية ولقد وجدوا كل ما كان معه من خرائط ووثائق وأوراق  ونقود وسلاح مما دل ان اليهود ما عرفوه حين قتلوه ,كما وجد بالقرب منه عددا من جثث اليهود ويبدو انه من كثرة الشظايا في جسده ان قنبلة أصابته في عنقه وأذنه وفي بطنه تحت السرة ,ولما شاع الخبر أزداد المناضلون حنقاً على الأعداء وكان أكثرهم قد فر من ساحة المعركة فتبعوا الفارين وقتلوا منهم زهاء خمسين نفراً هذا بالإضافة للذين قتلوا بالمعركة والذين يقدر عددهم بالمائتين.

وجاءت بعد ساعة حشود من يهود القدس وموتزا والمستعمرات القريبة بقصد النجدة يقدر عددهم أربعمائة,وقد صدت هجمات هذه الحشود رغم ان الطائرات اليهودية كانت تسندها  وعدد من المصفحات ومدافع المورتر وقتل منهم كثير قدرها بعضهم بسبعين أو مائة وبهذا فقد بلغت خسائر اليهود في معركة القسطل نحو 350 قتيلا ومثل هذا العدد وأكثر من الجرحى ولقد غنم العرب بهذه المعركة ثلاث رشاشات ألمانية وخمس بنادق ألمانية وخمس مدافع مودتر من عيار بوصتين ومصفحة وغرفة مليئة بالمؤن والذخائر واقتسم رجال الجهاد المقدس ورجال الانقاذ وحراس الحرم هذه الغنائم هذه مع غنائم أخرى حصل عليها المناضلون ولم يخبروا القيادة عنها وانشغل اغلبهم بالسلب والنهب الأمر الذي جعل الفوضى تدب في صفوف المجاهدين واختلط الحابل بالنابل وقتل عدد غير قليل منهم  ومما زاد الطين ان المقاتلين تركوا مواقعهم التي احتلوها رغم نصح الناصحين لهم ,فقد غادرها البعض بسبب نفاذ ذخيرته وقسم آخر ذهب للقدس من اجل ان يحضر جنازة فقيدهم الراحل ووجه الخطأ أنهم غادروا مواقعهم دون ان يعدوا للأمر عدته بان يتركوا في مواضع القتال من يحميها.

يقول احد المناضلين انه لم يبقى في هذه الخطوط التي احتلت بالدماء سوى أربعين مقاتلا يقودهم بهجت أبو غربية ومحمد عادل النجار وأما عبد الحليم الشلف فقد بقي في صوبا المجاورة للقسطل ولم يكن لديهم إلا القليل من العتاد فما كان ليل (8-4)أن ينتصف حتى جاء اليهود في مصفحتين من مصفحاتهم وقيل أن إحدى المصفحتين انكليزية وكان فيها ضابط انكليزي جاء ليعاونهم في نقل موتاهم.

وبعد أن جسوا النبض ووجدوا القرية خالية  إلا من بعض الجنود رجعوا إلى موتزا ,واخبروا اليهود الخبر فجمع هؤلاء قواتهم وكروا على القسطل مرة أخرى,جاءوا هذه المره بعدد كبير من مصفحاتهم وكانت شمس (9-4) قد بزغت وبعد ان أحاطوا بالقسطل من كل جهة راحوا يقذفونها بقذائفهم من منطقة موتزا ومن سائر جهات القسطل وكانت مدافعهم من النوع المعروف  بالمور من عيار ثلاث بوصات  ثم عقب ذلك هجوم شديد ولم تكن النجدة التي طلبها المناضلون قد وصلت فما كاد الصبح ينبلج حتى سقطت القسطل مرة أخرى بيد اليهود وما كادوا يدخلوها حتى دمروا جميع مبانيها ومسجدها.

وهكذا مات البطل الشاب عبد القادر الحسيني الذي كان يقود النضال في القطاع الجنوبي من فلسطين(القدس وما جاورها) ولم يجاوز عمره الأربعين سنة  فقد ولد في استانبول من عام  1907وكان والده موسى كاظم باشا الحسيني من كبار القادة في العهد التركي  ولما ذهب الناس لتشييع جنازة البطل عبد القادر الحسيني أبت العصابات الصهيونية إلا أن ترتكب مجزرة ثانية فهاجمت دير ياسين فلم يبقى منها شيئاً سوى ركام المنازل وجثث القتلى , يقول بن غوريون
في كتاب بعث إسرائيل ومصيرها ما أطل شهر نيسان1948حتى تحولت حربنا الاستقلالية من الدفاع للهجوم.

 

إعداد: ياسر الماضي

4/4/2010

نقلاً من كتاب النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود للكاتب الفلسطيني الفذ عارف العارف والذي له عدة مؤلفات أبرزها هذا المؤلف وهو أفضل مما كتب عن النكبة الفلسطينية وهو كتاب يتكون من ستة مجلدات

مولده:1892
وفاته:1973
http://www.paliraq.com/images/01pho01/abdul%20qader-alhusainy%20(1)/abdul%20qader-alhusainy%20%281%29.jpghttp://www.paliraq.com/images/01pho01/abdul%20qader-alhusainy%20(1)/abdul%20qader-alhusainy%20%282%29.jpghttp://www.paliraq.com/images/01pho01/abdul%20qader-alhusainy%20(1)/abdul%20qader-alhusainy%20%283%29.jpghttp://www.paliraq.com/images/01pho01/abdul%20qader-alhusainy%20(1)/abdul%20qader-alhusainy%20%285%29.jpghttp://www.paliraq.com/images/01pho01/abdul%20qader-alhusainy%20(1)/abdul%20qader-alhusainy%20%286%29.jpghttp://www.paliraq.com/images/01pho01/abdul%20qader-alhusainy%20(1)/abdul%20qader-alhusainy%20%287%29.jpghttp://www.paliraq.com/images/01pho01/abdul%20qader-alhusainy%20(1)/abdul%20qader-alhusainy%20%284%29.jpg