سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج19" صمود جبع وعين غزال وإجزم "- رشيد جبر الأسعد

بواسطة قراءة 5790
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج19" صمود جبع وعين غزال وإجزم "- رشيد جبر الأسعد
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج19" صمود جبع وعين غزال وإجزم "- رشيد جبر الأسعد

درس في الفروسية والشهامة والخلق الاسلامي والشهامة العربية اكثر من 700 صهيوني مدرب مسلح مقاتل يقعون في الاسر يعاملون بخلق واحسان في معارك القدس في حرب فلسطين 1948 ودماء ضحايا دير ياسين.... والطنطورة لم تجف بعد...!!

لم يمر على مجزرة دير ياسين في 10/4/948، لم يمر على وقوعها (40) يوماً حتى حدثت معركة القدس سقط فيها مئات الصهاينة اسرى  ينتظرون موتهم المحتوم.. وتم معاملتهم كأسرى حرب و عوملوا معاملة انسانية كريمة ندر مثيلها في كل العالم...!

ان هذا الدرس الاخلاقي العالي يجعلنا نستذكر وصية الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين اوصى القائد الشاب اسامة بن زيد رضي الله عنه قائلاً له: لا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا صبيا، ولا شيخا كبيرا ولا النساء وان لا تخربوا شجرة ولا تحرقوا نخلة ولاتفزعوا الطيور في اعشاشها، ولا يزعجوا ولا يفزعوا الرهبان في صوامعهم وكنائسهم.. وان لا يذبحوا بقرة او شاة او ابلا الا لمأكله بعد دفع ثمنها..

ان هذه الوصية الرائعة والفريدة ومثيلاتها هي التي جعلت القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ان لا ينتقم من جنود حروب وحملات الفرنجة، يوم منَ الله سبحانه عليه بالنصر والفتح والانتصار في معركة حطين (2/10/1187م) ودخول بيت المقدس شاكرا الله متواضعا..بينما هو في هذا الحال المثير والشاغل والحاسم تأتيه امرأة نصرانية شابة واحدة تسأله عن طفلتها الضائعة، فطيب خاطرها وهدأ من روعها، واهتم بها وامر بالبحث عن هذه الطفلة فوجدوها فسلمها لامها وامر بتكريم المرأة باطعامها وحراستها وايصالها حيث تريد.. وفي البوسنة عام 1993 تم اغتصاب اكثر من 30000 امراة وفتاة مسلمة..!؟ من قبل وحوش ومجرموا الحرب على مرأى ومسمع من العالم المتفرج المنافق وكل اناء بما فيه ينضح..!؟ هذه اخلاقنا نحن المسلمين وهذه اخلاق غير المسلمين ..!؟

وعلى ذكر القائد صلاح الدين الأيوبي بطل معركة حطين وفاتح بيت المقدس ومحطم جبروت وعدوان جيوش الافرنجة، قال الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي المشهور (غوتساف لوبون) يقارن بين تسامح المسلمين وغلو وتعصب ووحشية قادة حروب الافرنجة، ويؤيده قول الدكتور (جاك ريزلر) الاستاذ المحاضر في جامعة باريس، قال:

((لقد وفر القائد صلاح الدين الأيوبي دماء الافرنجة في فلسطين، وقدم لخصومه قادة الافرنج (فيليب اوغسط وقلب الاسد) قدم لهما في مرضهما الأغذية والمرطبات والهدايا وحتى طبيب صلاح الدين ارسل اليهم.. وبهذا العمل أظهر صلاح الدين الفارق بين رجل السلطان المتمدن الانساني، وصاحب السلطان المتوحش الأناني.)

في حرب فلسطين عام 1948 م قامت عصابات الصهاينة الاجرامية المسلحة بمجزرة في قرية دير ياسين الامنة الوديعة وتم فيها قتل (254) نفس بين امرأة وطفل وشيخ خلال ساعات يوم السبت 10/4/1948 هذه العصابات ارتكبت المجازر والمذابح المروعة الكثيرة في دير ياسين ودير الاسد وفي قرية الطنطورة، وقرية الدوايمة وفي حيفا وفي غيرها ارتكبت فيها مجازر من قبل عصابات الصهاينة التي ينتمي عناصرها الى منظمات شتيرن والهاغانا والارغون الارهابية العسكرية المدربة المسلحة، القادمة من اوربا وفي احدى معارك فلسطين عام 1948 في شهر ايار استطاعت القوات العربية بقيادة بعض الضباط العرب منهم الفريق عبد الله التل (رحمه الله) هذا الضابط العربي المسلم الشهم الغيور الذي اثنى على معارك وصمود قرى جبع وعين غزال واجزم.. واستطاع هذا الضابط ان يحرز النصر مع اخوانه بفضل الله سبحان على عصابات الصهاينة في احدى الاحياء التي يقطنها الصهاينة ومسلحوهم وتم محاصرتهم واستسلامهم للقوات العربية وفق وثيقة استسلام بين الطرفين هذا نصها:

وثيقة التسليم

الفريق الأول: وكيل القائد عبد الله التل.

الفريق الثاني: قائد الهاجاناه في القدس القديمة.

بناء على الطلب المقدم من يهود القدس القديمة للاستسلام قدم الفريق الاول الشروط، فقبلها الفريق الثاني وهي:

1- إلقاء السلاح وتسليمه للفريق الاول.

2- اخذ جميع المحاربين من الرجال اسرى حرب.

3- السماح للشيوخ من الرجال والنساء والاطفال ومن كانت جراحهم خطيرة، بالخروج الى الاحياء اليهودية في القدس الجديدة بواسطة الصليب الاحمر.

4- يتعهد الفريق الاول بحماية ارواح جميع اليهود المستسلمين.

5- يشغل الجيش العربي الاحياء اليهودية في القدس القديمة.

28/5/1948

الفريق الاول

عبد الله التل

الفريق الثاني

موشه روزنك[1]

 

ووقع من الصهاينة في الاسر قرابة 1500 شخص منهم مئات من الرجال والشباب اليهودي الصهيوني المدرب المنظم المسلح المقاتل من عصابات الصهاينة ومنظماتهم العسكرية الارهابية شتيرن والارغون والهاجاناه.. ولقد وقع هؤلاء في الاسر وانتابهم الهلع والخوف والحزن والقلق الشديد على مصيرهم لانهم مجبولون على الغدر ولا يحترمون العهود والمواثيق فكان ظنهم السيئ ان الاخرين او العرب والمسلمين هم مثلهم قد لا يحترمون العهود. والعرب يعرفون هؤلاء الاسرى منهم من قد شارك في قتل الفلسطينيين في دير ياسين او دير الاسد او قرية الطنطورة او في قرية الدوايمة او في قرى ومدن فلسطين ايديهم ملطخة بدماء الابرياء والمدنيين العزل من ابناء فلسطين لكن الاسلام الذي فهمناه ومدرسة النبوة يرفض الانتقام والغدر والمعاملة بالمثل.. كل مستواه وخلقه ومدرسته وعقيدته .. انها الفروسية الحقة التي تأبى الغدر والحقد والانتقام ...

ان العرب الفلسطينين ومعهم قادة الجيش الاردني البطل لا يعرفون الغدر ولا الانتقام ولا شهوة القتل وبلغوا منتهى التسامح الاسلامي والعربي، بلغوا اعلى درجات الشهامة والفروسية وعدم الخضوع للعاطفة والانتقام من هؤلاء الاسرى كرد فعل على مذبحة دير ياسين وغيرها التي مضى عليها 49 يوما فقط ودمائهم الزكية لم تجف بعد ...!؟

انه الاسلام الذي علمنا الرجولة والفروسية والشهامة والعفو عند المقدرة وابداء المعاملة الحسنة مع العدو وتطمينه.. ايا كان هذا العدو.. او هذا المحارب.. انه الانسان..

كيف وقع 1500 صهيوني رجالاً ونساءً واطفالاً اسرى ومن المعتقد ان نصفهم على الاقل هم شباب ورجال مسلحون محاربون.. كيف هدأ من روعهم وقدم لهم الطعام والشراب ندع صاحب الحدث القائد الفريق عبد الله التل (رحمه الله) يروي ذلك الدرس في الشهامة والفروسية والخلق الاسلامي في مذكراته التي جاء فيها:

(كان اول عمل قمت به بعد توقيع وثيقة التسليم ان امرت بوقف الرمي ومنع التجول لا تمكن من انجاز عملة التسليم قبل حلول الظلام. ثم امرت القائد اليهودي (الصهيوني والمختار ان يجمعا لي جميع سكان الحي في حاكورة (الاشكناز) التي تتوسط الحي. ونشرت الجنود والمناضلين على اطراف المنطقة خشية هجوم الناس على الحي للانتقام من اليهود. وفي اقل من نصف ساعة كان السلاح قد جمع في احدى الغرف. واحتشد السكان اليهود وكان عددهم 1500 في الحاكورة وكأنهم في يوم حشر. وحينما اقبلت عليهم ومعي الضباط الفيتهم في حالة يرثى لها من شدة الخوف، حتى انهم كانوا يلتفون حول بعضهم كالاغنام ظناً منهم بأن الرشاشات ستفتح حممها( وتحصدهم) فجأة  فتبيدهم انتقاما لدير ياسين التي عرفوا عنا الشيء الكثير، ولما كنت قد قررت بنفسي ان احافظ على شرف الجندي المحارب، وان احول دون نزول العرب المسلمين الى مستوى اليهود اللا اخلاقي، فقد امرت الجنود والضباط ان يسلكوا كما عهدتهم، ففعلوا، تدفعهم الحمية العربية والشهامة الموروثة (والوازع الديني الاسلامي)، وسطروا في ذلك اليوم صفحة بيضاء في تاريخ العرب (والمسلمين) الحافل بالشهامة والفروسية (والخلق العال)، فانتشروا بين اليهود لإتمام عملية الفرز التي امرتهم بها، وهي اخراج المحاربين ومن هم في سن الجندية وجعلهم صفا واحداً.. فاتوا ذلك في هدوء ولين. فذهل اليهود وكأنهم يحلمون، ولاسيما حينما اخذ جنودنا يقدمون لهم السجاير والماء الى النساء والاطفال والشيوخ، ثم  انتقلنا الى المستشفى وطمأنا الاطباء على مرضاهم وجرحاهم وزيادة في الحيطة امرت بنقل جميع من في المستشفى الى قاعة كبيرة في دير الارمن تمهيدا لتسليم من كانت جراحهم خطيرة الى اليهود بواسطة الصليب الاحمر، ونقل المصابين الى عمان..[2]

لا عجب في ذلك انها مدرسة النبوة.. مدرسة الاسلام السمح المتسامح.. انه القرآن الكريم وسنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم التي انتهجتها وسارت بموجبها شعوب وامم وقادة وفرسان وابطال من الامة العربية  الاسلامية والحضارة العربية الاسلامية على مدى الف واربعمائة عام منذ فجر الاسلام الخالد.

وبهذا الصدد نستذكر من ديوان العرب بعض ابيات الشعر المعبرة عن روح الأمة ومواقفها:

 

ملكنا فكان العدل منا سجية

وحللتم قتل الاسارى، وطالما

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

 

فلما ملكتم سال بالدم ابطح

عزونا على الاساري نمن ونصفح

فكل اناء بالذي فيه ينضح

 

هـذه سـماحتنـا التـي

هي منهج الاسلام دومـا

ثم انبرى اهـل العقيـدة

يدعون للديـن الحنيـف

ويعلمونهم العبادة، فـي

حتـى اضـاء الله بـالا

والمسجد الاقصى يئـن

 

سعدت بها كل الشـعوب

في السلام وفي الحـروب

في الغدو وفـي الـرواح

الناس في كـل البطـاح

المسـاء وفي الصبـاح

سلام مختلـف النواحـي

هناك من سـقط المتـاح

             

كل الحب والدعاء.. لشهداء قرى عين الغزال، جبع، اجزم، عين حوض، الطيرة، المزار، كل الحب والدعاء والوفاء لشهداء فلسطين الأبرار .. الى كل شهيد استشهد فوق ثرى فلسطين وفي كل مكان من العالم استشهد في سبيل لأن تكون كلمة الله هي العليا...

إلى اللقاء في الحلقة رقم 20 الأسبوع القادم انشاء الله تعالى ...

 

رشيد جبر الأسعد

( أبو محمد )

كاتب فلسطيني / بكالوريوس تاريخ

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"



[1] - مذكرات عبد الله التل قائد معركة القدس: كارثة فلسطين ط2، 1959،القاهرة، صفح (134).

[2] - مذكرات عبد الله التل قائد معركة القدس : كارثة فلسطين ص (135).