الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
يقول ربنا جل في علاه (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه ، فالناس لا يزال بعضهم يدفع عن بعض ولكن جعل الله النصر حليف من ينصره أي ينصر دينه ويستقيم على أمره ، وكم نحن كفلسطينيين عشنا ونشأنا في العراق بحاجة لهذه المفاهيم الربانية ونحن في أحرج ظروف وأصعب مرحلة .
إن المرحلة الحالية والتي تليها تكاد تكون أصعب من سابقاتها مع تحسن نسبي لأهلنا في العراق بأوضاعهم الأمنية ، إلا أن الإرهاصات والواقع يشير لتفسخ كبير وتشرذم واسع للأواصر الاجتماعية وشتات قسري للعوائل الفلسطينية التي كانت تحت خيمة واحدة قبل عام 2003 في العراق ، وهذه الظاهرة من الخطورة بمكان أكبر من خطورة الوضع الأمني وآثارها بدأت تظهر شيئا فشيئا .
لذلك فإن من واجب كل فلسطيني أيا كان تواجده أن يستشعر بأن عليه مسؤولية كبرى تجاه تلك القضية الشائكة الصعبة المتداخلة التي تهمنا نحن جميعا ، ولا يقول قائل أنا الآن في السويد أو قبرص أو تشيلي أو البرازيل والهند وأصبحت بمأمن من الملاحقة والقتل ولا علاقة لي بما يحصل !!! لا وألف لا لذلك الصنف ، ولو لم ينطقها أحد بلسان المقال فقد يدل عليها لسان الحال ، والذي يرتضي لنفسه الأمن والأمان ولا يفكر بمن خلفه من أهله وأصدقائه وأحبابه خصوصا في العراق فإنه يكون متنصلا من المسؤولية الشرعية أو على الأقل الأخلاقية أو الإنسانية تجاه ما يعاني غيره .إن المشكلة الآن تتلخص في كثرة الشتات والبعد الكبير الذي نعيشه ، ولا أظن أن هنالك عائلة الآن تتواجد في دولة واحدة أيا كانت بعد أن كان شملهم ملتئما في العراق ، فتجد الأب في مكان والأولاد في مكان آخر والأخوة في بلد ثالث وقد تكون الأم وبعض الأقارب في المخيمات الصحراوية وهلم جرا ، فبعد أن كنا كتلة واحدة أكاد أجزم إلى أننا تفرقنا لأكثر من ثلاثين دولة في مختلف أصقاع العالم ، وعليه لابد من الوقوف على بعض الحقائق ومراجعة أنفسنا وأمورنا وإلى أين نحن سائرون ؟! وما الذي ينتظرنا في الأيام القادمة ؟! ولماذا صرنا إلى ما نحن فيه ؟! وما هو الواجب المتحتم على كلٍ منا ؟! وغيرها من الأسئلة والاستفسارات التي تجول في خواطرنا لاسيما من يحمل هم تلك القضية التي أصبح لها حضور دولي وإقليمي وعربي بشكل كبير .
يقول ربنا جل وعلا (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وهذه حقيقة مؤكدة ، فكلما ازادت الفرقة وكبر الخلاف وتوسع النزاع ، تكون النتيجة الفشل وذهاب الجهود واندثار النتائج التي قد ينتظرها الكثير منا بعد مآسي ومعاناة مررنا بها جميعا .فنصيحتي لأهلنا جميعا أينما كانوا أن يتواصوا بالحق وأن لا يجعلوا من الخلاف بينهم سببا في إفشال كل الجهود المبذولة لإيجاد بعض الحلول لكثير من مشاكلنا ، وعلينا أن نكون بمعزل عن أي مصالح مادية أو فئوية أو تنظيمية وأن يكون همنا هو قضيتنا ، والتفكير بطرق عملية كيف نحصل حقوقنا الضائعة ، ولا يقول قائل : أنا كنت كذا وكذا وعشيرتي كذا أو من العائلة الفلانية ، أو لابد أن تمرر تلك المسألة من خلال الفصيل الفلاني أو الحزب الآخر ؟!!! وأن لا يكون تكتلنا أو تجمعنا لتلك المسميات ، إنما تكون فلسطينيتنا وانتمائنا لديننا واسترداد حقوقنا جميعا وإظهار قضيتنا هو القاسم المشترك بعيدا عن كل دعوات جاهلية من شأنها توسيع دائرة الخلاف وتشتيت الجهود وبالنتيجة فتفشلوا وتذهب ريحكم ، أي قوتكم وأفكاركم وقضيتكم .
فقد تواردت إلينا الأخبار من خلال تواصلنا مع أهلنا في معظم تلك المناطق التي يتواجدون فيها من وجود شقاقات ونزاعات وشق للصفوف وكأنهم في استقرار وفي مأمن مما ينتظرهم في القادم من الأيام وكأنهم في نزهة في تلك البلاد أو أماكن الشتات ، مهلا يا أهلنا وارجعوا قليلا للوراء وفكروا بأهلكم في بغداد ومخيمات التنف والوليد والهول ، واعلموا أن مصيركم وقوتكم في أماكن تواجدكم هو نصرة لأهلكم أولئك الذين يعيشون الأمرين .
أقول لكم جميعا وأنا لكم ناصح أمين إن شاء الله أن تتقوا الله في أنفسكم وفي تصرفاتكم وفي كلامكم وفيما تفكرون به ، وأن لا يستهوينكم الشيطان وتظنوا أنكم بمعزل عن تلك الفتن وحظوظ النفس ، فيجب أن يكون تفكيركم واحد ونقاشكم واحد وبروح أخوية تجمعكم تلك المعاناة والغربة والتشات ، وأن يكون هدفكم هو استقراركم وتحصيل حقوقكم ، والالتفات لأهلكم أينما وجودا .
وحتى لا أطيل وأكون عمليا أكثر في طرحي هذا وندائي لكم جميعا صغيركم وكبيركم الرجل والمرأة فإني أرى أن تكون هنالك مراجعة ومناصحة وتواصل حقيقي فيما بينكم وتقوية تلك الروابط والأواصر لأن الغربة وازع إضافي لما قلته وذكرته وكذلك أحثكم على أن تكونوا عمليين أكثر من ذي قبل وأن تأخذوا بنظر الاعتبار ما يلي :
1- على كل تواجد أو تجميع من فلسطينيي العراق تكوين أرشيف توثيقي متمثل بكل التفاصيل عن العوائل الموجودة من أوراق ثبوتية وقصص حية وتقارير وإحصائيات وأرقام وأعداد .
2- هذا الأرشيف هو عبارة عن توثيق وتاريخ لكل تجمع في أي شتات كان ، يستفيد منه فيما يستقبل من أيام لأي جهة رسمية أو غير رسمية وحتى يكون العمل أكثر تنسيقا وترتيبا .
3- يحفظ هذا الأرشيف لدى أشخاص يعرف عنهم الصدق والإخلاص في عملهم لقضيتهم ويا حبذا تكون أكثر من نسخة .
4- ضرورة تثبيت وتوثيق جميع القصص المأساوية وما حصل لأي فلسطيني من انتهاكات في العراق ، لأن هذا تاريخ وسيأتي اليوم للاستفادة من أي معلومة .
5- ضرورة عمل أفلام ولقاءات وثائقية حية وحفظها للانتفاع منها لاحقا في أي مرحلة يمكن الحاجة لها .
6- على أهلنا في قبرص ترتيب أمورهم وترك نزاعاتهم على أي أساس ، والتفاتهم للمطالبة بحقوقهم القانونية والإنسانية والاجتماعية ، بعيدا عن أي تصنيفات والتصرف بحكمة بما يخدم قضيتهم والتفكير الجدي من قبل الجميع لإيجاد حل عملي لأي مشكلة أو طارئ .
7- على أهلنا في السويد عدم نسيان بقية أهلهم وأقربائهم وأحبابهم ممن بقوا في العراق أو المخيمات الصحراوية أو حتى في أماكن أخرى من الشتات ، وأن يبذلوا جهودا مضاعفة لإيصال تلك المعاناة والعمل على المطالبة بحقوق عامة الفلسطينيين في العراق .
8- على أهلنا في الهند التكاتف وترك القيل والقال وكثرة النزاعات والعمل على التفكير الجدي بما ينفعكم بعيدا عن أي حساسية بينكم ، أو محاولة للزعامة فأنتم جميعا مصيركم واحد وقضيتكم واحدة ووضعكم مأساوي ، فلابد من ترك أي شيء من شأنه تعكير الأجواء وعرقلة أي جهد عملي ينفعكم .
9- إلى أهلنا في البرازيل وتشيلي وكندا وهولندا والنرويج والدنمارك واستراليا وسائر الأماكن الأخرى ، التفكير الجدي بتقوية روابط التواصل مع بقية أهلكم وأحبابكم وأصدقائكم في العراق وسائر أماكن الشتات بعد تلك الحقبة التي مررتم بها من الانعزال والبعد عن أخبار الأهل ، وعليكم واجبا كبيرا للمساهمة في استحصال الحقوق لعامة الفلسطينيين في العراق.
10- إلى أهلنا عموما أينما وجدوا وتواجدوا ترتيب أمورهم وعمل دراسات وتقارير وثائقية شاملة وتفصيلية لكل المراحل التي مروا بها ، وضرورة تبادل المعلومات فيما بينكم وتبادل الثقة بينكم والتواصل المستمر عبر الانترنت وتناقل الأخبار والمعاناة والأفراح بينكم كي لا يندثر هذا التجمع الذي يراهن عليه الأعداء .
11- على الجميع أن يستشعروا حقيقة المسؤولية وأن يقوموا بالواجب المترتب عليهم كل بحسبه ، وإلا فسنصل إلى مرحلة نقول فيها لا قدر الله ( أكلنا كما أكل الثور الأبيض ) .
أخيرا أوصي نفسي والجميع بتقوى الله عز وجل والصبر على تلك المآسي والتناصح المستمر والتواصل بكل خير والابتعاد عن الشائعات والأخبار الغير موثوقة ومحاولة عمل أرشيف وثائقي كبير لكل الفلسطينيين في العراق ، والتعاون على كل ما ينفعنا بعيدا عن أي فئة أو تنظيم أو مصلحة أو فصيل ، وأن نقدم مصلحتنا عموما وقضيتنا على كل شيء ، وأن نعرف عدونا من صديقنا ومن يقدم لنا الخير بعيدا عن كل مصلحة ، وأن نرتب أمورنا أكثر وكفانا فوضوية وضياع وتأرجح وعدم تحمل المسؤولية الملقاة على عواتقنا .
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد
25/4/2008
أخوكم الشيخ أيمن الشعبان
باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق