ازدادت هامشية قضية اللاجئين خلال العقدين
المنصرمين منذ بدء المفاوضات الفلسطينية ـ "الإسرائيلية" التي انطلقت من
مدريد ، وقد عملت الشروط القاسية لحياتهم في المنافي على عدم قدرة على تنظيم
حياتهم السياسية من أجل تشكيل قوة ضاغطة على المفاوض الفلسطيني ليحمل قضيتهم على
محمل الجد. ففي ظل الشائعات والحقائق التي تتردد عن مصيرهم القادم، والذي يقع في
أغلب التقديرات وأحسنها بين التوطين والتهجير. وما يزيد الطين بلة، تقديرات بعض
القيادات الفلسطينية الأولى المنخرطة في عملية المفاوضات، بعدم واقعية «حق العودة»
للفلسطينيين الذي ينص عليه قرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. وهم يتحدثون في
أفضل الحالات عن التعويض على اللاجئين الفلسطينيين. مما جعل القطاعات الواسعة في
تجمعات اللاجئين في الشتات، تتأكد أن موضوعها غير جدي، ومطروح في مفاوضات الحل
النهائي على سبيل المقايضة مع تنازل صغير آخر تقدمه "إسرائيل" في إطار
هذه المفاوضات. وترافق هذا مع الإهمال الشديد من قبل القيادة الفلسطينية للشتات
الفلسطيني من جانب، ومن جانب آخر مع التخفيضات الواسعة في مصروفات الأونروا مع بدء
عملية المفاوضات، والتي تعتمد عليها قطاعات واسعة من اللاجئين الفلسطينيين، خاصة
في مجالي التعليم والصحة، تحت ذريعة العجز المالي الذي تعاني منه الأونروا.
تتزايد المؤشرات حول المستقبل
المظلم للاجئين الفلسطينيين، ولأنهم يعيشون المأساة منذ خمس وستين عاماً، يوماً
بيوم، أملوا بالفرج والعودة إلى الوطن كحل لمشكلتهم. فقد كانت أحلامهم بالعودة
جزءاً رئيسياً من واقعهم، فقد أخذوا يخسرون حتى هذه الأحلام، ويكتشفون أن ما يجري
من تسوية سلمية يُدفع ثمنها من حقوقهم التي "ناضلوا" من أجلها على مدى
أكثر من ستة عقود. ويتساءل قطاع واسع منهم عن هذا الاحجاف، لماذا عليهم أن يدفعوا
ثمن "السلام" كما دفعوا ثمن الحرب؟!
بالتأكيد، أن مشكلة اللاجئين
الفلسطينيين، مشكلة معقدة، لكنها محمولة على حق واضح للفلسطينيين الذين طردوا من
ديارهم، وقد ضمنت لهم الشرعية الدولية حقهم في العودة إلى ديارهم، وهو حق لا يسقط
بالتقادم ولا يمكن التنازل عنه. لا يُقنع اللاجئين استبدال حقهم بالعودة إلى
ديارهم التي شردوا منها، بإعلان حقهم بالعودة إلى الأراضي التي احتلت عام 1976،
فقضيتهم التي ناضلوا من أجلها عقدين من الزمن قبل الاحتلال "الإسرائيلي"
لأراضي 1967، تستدعي عودتهم إلى ديارهم، وليس إلى أي مكان آخر. ومن المفارقات
الساخرة هذه الأيام، أنه في الوقت الذي راجعت "إسرائيل" عبر «المؤرخين
الجدد» والتي دخلت مقولاتهم المناهج الدراسية في "إسرائيل"، أسطورة دولة
"إسرائيل"، وتعترف بعملية الطرد الجماعي الذي لحق بالفلسطينيين جراء
اقامة دولة "إسرائيل". نجد بعض الأصوات العربية، التي تدعو إلى نسيان
موضوع اللاجئين وتوطينهم في أماكن تواجدهم، وهم بذلك يقرون ضمنياً بالمنطق "الإسرائيلي"،
بعدم قدرة "إسرائيل" على استيعاب اللاجئين الفلسطينيين، وهؤلاء لا
يضيرهم أن يدفع اللاجئون ثم عملية "السلام"، التي يجب أن ينظر إليها بـ
«واقعية». والواقعية حسب هذا المنطق هو التنازل عن حقهم في العودة، حتى يمكن تحقيق
السلام في المنطقة.
إن خمسة ملايين لاجئ في المنافي،
هم تاريخياً جوهر القضية الفلسطينية، فلم تولد القضية الفلسطينية مع احتلال "إسرائيل"
للأراضي العربية في العام 1967. فجوهر القضية الفلسطينية هي عملية الطرد الجماعي
التي قامت "إسرائيل" بها ضد الفلسطينيين في العام 1948، والتي شكلت جوهر
المشروع الاستيطاني الاجلائي الاقتلاعي، وهنا يكمن التناقض الرئيسي. لذلك، لا يمكن
الوصول إلى تسوية شاملة وعادلة مع تجاهل حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، أو وضع
حقوقهم على طاولة المساومة مع "إسرائيل"، لأن هذه القضية إذا ما تم
تجاهلها كفيلة بإعادة تفجير الصراع مرة أخرى في الشرق الأوسط.
المصدر : زمن برس
16/8/2013