ملهم الحمصي
كان قدر الفلسطينيين هو التهجير والمعاناة دائمًا،
فالفلسطينيون العراقيون في سوريا يعانون أسوأ معاناة، من تهجير قسري وانتقاص من
هويتهم، وقلة المساعدات الموزعة عليهم، خصوصًا بعد مأساة مخيم اليرموك في دمشق.
التهجير واللجوء المستمر، سمة باتت منطبعة على جبين
أبناء الفلسطينيين الذين تهجروا من العراق، في أعقاب الاحتلال الأميركي الغربي،
وتعرضهم لضغوط طائفية وعنصرية بسبب وضعهم في عهد نظام الرئيس السابق صدام حسين.
وبالرغم من أن حال هؤلاء الفلسطينيين، عندما قدموا إلى
سوريا، ظل مضطربًا بسبب تقاذف المسؤولية عنهم بين وكالة الأونروا المسؤولة عن اللاجئين
الفلسطينيين، وبين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المسؤولة عن اللاجئين من
العراق. إلا أن مسألة انتهاء وضعهم القانوني وعدم التجديد لهم، وصعوبة السفر
والدخول إلى الدول المجاورة، وتأخر إجراءات إعادة توطينهم في بلد ثالث، جعلت منهم
هدفًا سهلًا للعنف الجاري في سوريا، بوصفهم حلقة ضعيفة لا يوجد من يدافع عنها.
"إيلاف" التقت الباحث الفلسطيني أيمن الشعبان، المختص في شؤون
اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق، الذي قال إنهم يعانون صعوبة الحياة المعيشية
وقلة المعونات المقدمة لهم، وانعدام فرص العمل، وارتفاع الأسعار بشكل كبير،
والمضايقات عند نقاط وحواجز التفتيش، خصوصًا بعد أحداث مخيم اليرموك، واستغراب
العديد من الجنود لكلمة فلسطيني- عراقي مع بعض الإهانات أحيانًا، حتى ترتب على ذلك
حالة من الخوف الشديد والخشية من الاعتقال عند التنقل الاضطراري لحاجتهم لمراجعة
بعض الأماكن أو الاستقرار النسبي بحثًا عن الأمن والأمان.
وفي ما يأتي نص الحوار:
فلسطينيو العراق مهجرون للمرة الثالثة الآن بعد الأحداث في
سوريا، ما هي أعدادهم حاليًا، وأين يتواجدون؟
لا بد من التنويه بأن معظم العائلات الفلسطينية في
سوريا تتعرض الآن لتهجير خامس وسادس، لأنهم إما نزحوا سابقًا من العراق ثم عادوا
إلى سوريا، أو منهم من تهجر لدول أخرى عربية وأجنبية، وتعرضوا هناك لمضايقات،
فاضطروا للعودة إلى سوريا مرة أخرى. ويتواجد حاليًا قرابة ألفي لاجئ فلسطيني من العراق
في سوريا، بعد مغادرة عدد آخر منهم منذ بداية الأحداث الدامية، إما عبر إعادة
التوطين أو الرجوع للعراق أو طرق أخرى.
كان مخيم اليرموك يضم معظم هؤلاء، لكن بعد الأحداث
المؤلمة في المخيم، اضطر غالبيتهم إلى مغادرته تحت ظروف قاسية وصعبة للغاية. هناك
قرابة 600 فلسطيني، أي 138 عائلة تقريبًا، يسكنون الآن في مدرسة قرب مفوضية
اللاجئين في منطقة كفرسوسة وسط دمشق، وظروفهم سيئة للغاية إذ يسكن بين 4 و 8
عائلات في غرفة أو صف دراسي واحد. وهنالك قرابة 100 فلسطيني يعيشون في مخيم الهول الصحراوي
عند المثلث السوري التركي العراقي، ضمن قرية الهول في محافظة الحسكة، ويمرون بظروف
مأساوية كبيرة، وهم شبه منقطعين عن العالم الخارجي.
أما البقية، فقد توزعوا على مناطق عدة، بين العاصمة
وريفها مثل جرمانا والزاهرة وقدسيا ومشروع ودمر وغيرها، كما يتواجد أعداد منهم في
حمص وحلب ودرعا، وبعض العائلات ينامون بمعامل ومصانع لعدم قدرتهم على استئجار
أماكن جديدة وعدم تحملهم العيش في المدرسة نتيجة لظروفهم الصحية، وهنالك عدد آخر فضل
البقاء في مخيم اليرموك.
وضع غير قانوني وصعوبات التنقل
ما هي ظروف المعاناة التي يعيشها فلسطينيو العراق في سوريا؟
أبرز معاناتهم هو انعدام الأمان بسبب اضطراب وضعهم
القانوني، وعدم وجود خيارات وبدائل للانتقال لأماكن أكثر أمنًا. فهم يُمنعون من
دخول الأردن ولبنان، وتركيا دخولها صعب للغاية، ثم يحسبون الحسابات مستقبلًا فيما
لو وصل بعضهم إلى تركيا مع مخاطر الطريق. أضف إلى ذلك، التصعيد المستمر لحالات القصف
والقتل في البلاد. فقد سقط لحد الآن سبعة شهداء بإذن الله، وقرابة عشرة جرحى،
وتعرضت أكثر من عشرة بيوت لأضرار مادية نتيجة القصف على مخيم اليرموك وغيره، كما
تم اعتقال قرابة ثمانية فلسطينيين وبعضهم مفقود لحد الآن.
ومن المعاناة أيضًا صعوبة الحياة المعيشية وقلة
المعونات المقدمة لهم، وانعدام فرص العمل، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، والمضايقات
عند نقاط وحواجز التفتيش، خصوصًا بعد أحداث مخيم اليرموك، واستغراب العديد من
الجنود لكلمة فلسطيني- عراقي مع بعض الإهانات أحيانًا، حتى ترتب على ذلك حالة من
الخوف الشديد والخشية من الاعتقال عند التنقل الاضطراري لحاجتهم لمراجعة بعض الأماكن
أو الاستقرار النسبي بحثًا عن الأمن والأمان.
ولا تنسَ المعاناة الصحية بسبب سوء الحالة الطبية
وضعفها، حتى أن بعض الجرحى كاد يفارق الحياة بسبب غياب العلاج والإسعاف السريع
بأحد المستشفيات الحكومية، ناهيك عن كثرة الأمراض بسبب البرد القارس والظروف
السيئة بشكل عام.
كذلك تعاني العائلات، التي حظيت بالموافقة على إعادة
توطينها في بلدان أخرى كأميركا وأستراليا، من المماطلة والتسويف وتأخير الملفات
وإهمال قضاياها، إذ بعضها موجود في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات.
هل هناك أي مساعدات أو معونة مقدمة لكم من الأمم المتحدة أو
من الحكومة السورية؟
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) تعطي بدل إيجار
شهري مع منحة مادية متواضعة، مع المماطلة والتلكؤ في صرفها بمواعيدها المفترضة.
ويخبر موظفو الأونروا العوائل أن هذه المنحة مرهونة بالمنح الدولية، وقد حصل أن توقفت
لشهرين سابقين. أما مفوضية شؤون اللاجئين، فكانت في السابق توزع مواد تموينية
للعوائل توقفت لاحقًا حتى الآن. وبسبب الأحداث الطارئة الأخيرة، أعطت العوائل
الذين لم يسكنوا المدرسة مبلغًا قدره 15000 ليرة سورية، أي قرابة 160 دولاراً ، لمرة واحدة كمنحة طوارئ، وهنالك
وعود بمِنَح أخرى وبدل مازوت، بلا تنفيذ حتى الآن.
مبهم ومجهول
ما هو الوضع القانوني لفلسطينيي العراق على الأراضي
السورية؟
يملك نصف الفلسطينيين تقريبًا ما تسمى "ورقة
الحسكة"، التي تمنح للمسجلين في مخيم الهول الصحراوي في محافظة الحسكة تحت
رعاية المفوضية، وتجدد كل شهرين بالتنسيق بين محافظة الحسكة والمفوضية وإدارة
المخيم. في الغالب، تتأخر العوائل عن وقت التجديد، وتبدأ معاناتها، بالإضافة إلى المعاناة
الأساسية التي يتعرضون لها بسبب هذه الورقة على بعض الحواجز. الفلسطينيون الآخرون يملكون ورقة إخراج قيد من السفارة
الفلسطينية، مع ما تحمله من مخاطر إذ قد لا يعترف بها بعض الحواجز فيتم اعتقال
حاملها، وثمة عدد من الفلسطينيين يعيشون في وضع قانوني مبهم ومضطرب ومجهول ولا
يعرفون كيف يتصرفون!
هل هناك أي مبادرات أو مقترحات لمعالجة أوضاع الفلسطينيين
النازحين من العراق؟
من خلال تواصلي مع بعض العائلات هناك، يقال إن مشروع
تسوية الوضع القانوني لفلسطينيي العراق في سوريا موجود، لكنه مجرد كلام حتى
الساعة، ولا يوجد أي مستند رسمي لذلك. وعليه، يبقى الوضع القانوني الهاجس الأكبر للعائلات
الفلسطينية، وكذلك إهمال ملفاته، سواء المحسومة منها للتوطين أو التي ما زالت
قيد الدرس. وهذا مؤشر خطير إلى استمرار معاناة الفلسطينيين، والتي قد تتفاقم مع
تعقيد الحالة المأساوية التي تعيشها سوريا الآن.
المصدر:
صحيفة إيلاف الألكترونية
العدد 4272
الخميس 31 يناير 2013