تقرير شامل عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق
تهجير ممنهج وعمليات إرهابية منظمة بغطاء من الاحتلال وبتواطؤ محلي وإقليمي ودولي
اعداد : سرجون خليل
استضاف العراق بعد نكبة 48، حاله حال دول الطوق، أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا بفعل العمل الإجرامي الصهيوني المنظّم. وكما أن العراق لم يوقّع على اتفاقية الهدنة مع العدو عام 1948، كباقي الدول العربية، فإنه أيضًا لم يوقّع اتفاقيةً مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى الأونروا- والتي أنشأت عام 1949، إذ فضّل تأمين احتياجات اللاجئين الفلسطينيين بنفسه، حيث كان الفلسطيني يعامل بمثل المواطن العراقي في كل الفترة السابقة للاحتلال الاميركي.
تقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام ،2003 بـ34000 لاجئ، بينما انخفض لأكثر من النصف بعد الاحتلال، بفعل التهجير المنظم لهم، وهذه التقديرات لا تمتلك الدقة الكافية حيث لا وجود لإحصاءات رسمية، ولكنها معتمدة من كل الجهات الرسمية المحلية والدولية.
مراحل النزوح والتقديرات
توافد اللاجئون الفلسطينيون الى العراق على دفعات عدّة، وفي فترات تاريخية مختلفة، ارتبطت بطبيعة الصراع وظروفه مع العدو الغاصب. وتقسم إلى أربع مراحل رئيسية هي:
- اللاجئون الذين اغتصبت أراضيهم وطردوا منها إبان نكبة 1948، حيث قامت الحكومة العراقية بإسكانهم في المؤسسات العامة كالمدارس والثكنات، و في ما يسمى «أنظمة إيواء» موقتة.
- اللاجئون الذين شردوا من أراضيهم بعد اغتصابها إبان نكسة 1967.
- اللاجئون الذين طردوا من الأردن بعد أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970.
وفي هذه الفترة، أقامت الحكومة العراقية مجمعات سكنية مزودة بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي، الا أنها لم تكن كافيةً لاستيعاب النمو السريع في أعداد الفلسطينيين، ما دفع بالحكومة لاستئجار منازل خاصة من أجلهم وإسكانهم فيها مجاناً، حيث تفيد التقديرات أن 63% من اللاجئين الفلسطينيين في العراق استفادوا من هذا الإسكان.
- اللاجئون الذين توافدوا الى العراق في مراحل مختلفة بهدف العمل، حيث كان العراق طوال الفترات السابقة للاحتلال الأميركي مركز استقطاب لليد العاملة ومركزاً كبيراً لفرص العمل والأجور المرتفعة.
تعود كل التقديرات للنسب السكانية للاجئين الفلسطينيين في العراق الى ما قبل الاحتلال الأميركي عام 2003، حيث تأخذ بغداد حصة الأسد من المدن العراقية التي يسكنها الفلسطينيون، وهم منتشرون في الأحياء التالية: المشتل، بغداد الجديدة،والسلام، الدورة، الكرادة الشرقية، البتاوين، الزعفرانية، البلديات، الحرية، إضافةً إلى وجود عدد منهم في أنحاء المدينة.
وفي مدينة الموصل الشمالية يقيم قرابة 4000 فلسطيني، و700 آخرون في مدينة البصرة الجنوبية.
تجميد الدفعات
على أثر الحظر الاقتصادي على العراق، بعد حرب الخليج الأولى عام 1991، والذي أدى الى تشريد الآلاف من العراقيين والتسبب بالمجاعة والتضخم الاقتصادي في البلاد، أوقفت الحكومة العراقية المبالغ المخصصة لإيجارات المساكن المستأجرة لصالح اللاجئين.
من جهة أخرى أعفت الحكومة العراقية اللاجئين الفلسطينيين من الخدمة العسكرية، بما في ذلك الخدمة في جيش القدس.
أما بالنسبة للوثائق الثبوتبة، فمنذ عام 1950 منحت الحكومة الفلسطينيين العراقيين وثائق السفر الخاصة باللاجئين من دون إعطائهم جوازات سفر عراقية، فيما بقي اللاجئون الوافدون في المرحلة الأولى مسجلين بصفة لاجئين، حتى عام 2000 حيث منحوا حق الملكية العقارية.
وقد جعلت وثائق السفر الخاصة باللاجئين، من سفر العراقيين إلى الخارج أمراً شديد الصعوبة.
وبعد 1991 فرضت السلطات العراقية قيوداً على السفر إلى خارج العراق شملت الفلسطينيين والعراقيين.
القتل المنظم
بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تدهور الوضع الأمني للفلسطينيين فيه بشكل مخيف ، حيث أضحى الفلسطينيون هدفاً للعنف الدموي والمضايقات والطرد من المنازل، وذلك بشكل ممنهج ومنظم ومكثف، وظهر دور العدو الصهيوني الغاصب بشكل واضح في تلك العمليات بالاشتراك مع قوات الاحتلال الأميركي.
وأحد أبرز الهجمات تلك التي حصلت في شباط 2006، حيث هاجمت عصابات مسلحة أماكن سكن الفلسطينيين في بغداد ما أسفر عن استشهاد 10 منهم على الأقل كان بينهم شقيقا الملحق الفلسطيني السابق في بغداد، واللذان اختطفا من منزل والدهما في 23 شباط، ليتم العثورعليهما بعد يومين مقتولين في أحد برادات الجثث.
وفي آذار 2006، وزعت جماعةٌ تدعو نفسها «سرايا يوم الحساب» منشورات في مناطق سكن الفلسطينيين قالت فيها :«ننذركم بأننا سنطردكم جميعاً إذا لم تغادروا المنطقة نهائياً خلال عشرة أيام».
وعلى أثر الاستهداف اليومي والقتل المنظم للفلسطينيين في العراق، صرّح مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين قائلاً «إن اللاجئين الفلسطينيين في العراق يعيشون حالة صدمة».
كما قام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس والمفوض السامي للاجئين أنطونيو غوتيريس بمناشدة السلطات العراقية الرسمية التدخل لوقف أعمال القتل بحق الفلسطينيين.
الجحيم
كمثل الوضع الأمني، تدهورت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في كل نواحي الحياة والعلاقة مع الحكومة بعد الاحتلال الأميركي للعراق، بل وساهمت بعض الجهات الرسمية مساهمةً فعلية في انعدام الأمن الذي يعيشونه، وفي تأزيم وضعهم والتضييق عليهم. ففي تشرين الأول 2005، دعت وزيرة الهجرة والمهجرين الحكومة إلى إبعاد جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى غزة متهمةً إياهم بالمشاركة في «الأعمال الإرهابية»! وقد تلقت منظمات حقوقية دولية إفاداتٍ متطابقة من فلسطينيين عراقيين تتحدث عن قيام جهات تابعة لوزارة الداخلية بمضايقة اللاجئين الفلسطينيين في العراق وممارسة التمييز بحقهم واستهدافهم بالاعتقال واتهامهم بالإرهاب.
وذكرت مراكز لحقوق الانسان متابعة للوضع العراقي ، شهادة لفلسطيني احتجز ثمانيةً وستين يوماً في قاعدة الكوت العسكرية جنوب بغداد عن التعذيب الذي يعتقد أنه تعرض له لمجرد كونه فلسطينياً حيث كان الحرس يدخلونه غرفة الاحتجاز ويسألونه إن كان «فلسطينياً»، وكانوا يضربونه بانتظام ويعرضون أطرافه للتيار الكهربائي. وقد قال محامي مجموعة من الفلسطينيين اعتقلوا في أيار 2005 بتهم تتعلق بالإرهاب أن موكليه تعرضوا للضرب بالسلاسل الحديدية وللصدمات الكهربائية ولحرق الوجه بالسجائر، ووضعوا في غرفةٍ تغمرها مياهٌ مكهربة. كما اعتقلت وحدات الحرس الوطني العراقي في نيسان 2005 فلسطينياً في الخامسة والسبعين من العمر، وما زال مجهولاً مكان تواجده، مع وجود شكوك بقيامهم بقتله أثناء الاحتجاز، حسب ما ذكر المركز.
كما تم التضييق على تصاريح الإقامة، فقد أصدرت وزارة الداخلية تعليماتها لهم بالحصول على تصاريح إقامة قصيرة الأجل (صالحة لمدة شهرين كحد أقصى) معاملةً إياهم بوصفهم أجانب غير مقيمين بدلاً من معاملتهم كلاجئين معترف بهم.
لاجئون مرّة أخرى
هذا الجرح النازف في العراق، والذي زاد الجرح الفلسطيني جرحاً آخر بعمليات التهجير المنظمة لهم من العراق، أي تدهور وضعهم بشكل كبير، ودفعهم للبحث عن ملجأ آخر ليتحولوا مرّة أخرى مشردين في بقاع الأرض.
لجأ المئات إلى الأردن، ولكن تم إغلاق الحدود أمامهم من قبل السلطات الأردنية في البداية، ثم سمح بدخول مئات عدة منهم إلى مخيم الرويشد المعزول القاحل الذي يقع على مسافة 85 كم داخل الحدود الأردنية. أما بقية الفلسطينيين العراقيين فظلوا أكثر من سنتين في مخيم الكرامة الذي لا يقل قسوةً داخل المنطقة العازلة على الحدود العراقية الأردنية، إلى أن قامت السلطات الأردنية بإغلاقه عام 2005 ونقلهم إلى مخيم الرويشد. وخلال السنوات الثلاث الماضية، كان مئاتٍ عدة من الفلسطينيين بمثابة سجناء في مخيم الرويشد. وقد فضّل قرابة الـ 250 منهم العودة إلى الوضع الخطير الذي كانوا يعيشونه في العراق على البقاء في المخيم من دون بارقة أمل بإيجاد حلٍّ لمحنتهم.
وقد ذكرت مراكز حقوق الإنسان، أن مجموعةٌ من الفلسطينيين العراقيين يناهز عددها 200 شخص، بقيت عالقةً على الجانب العراقي من الحدود مع الأردن منذ آذار حتى أيار 2006، بعد أن رفض الأردن إدخالهم وقامت قوات حرس الحدود العراقية بإعادتهم قسراً إلى الأراضي العراقية.
أما على الصعيد السوري فكان الوضع مختلفاً تماماً، حيث سمحت السلطات السورية بدخول أراضيها لأكثر من مليوني عراقي من ضمنهم عدد كبير من الفلسطينيين، مؤمنة لهم كل احتياجاتهم.
وفي 9 أيار 2006، قامت منظمة الهجرة الدولية بنقل أكثر من 250 فلسطينياً عراقياً عالقين على الحدود العراقية الأردنية إلى سورية، ثم نقلتهم السلطات السورية إلى مخيم الهول. وقد عادت السلطات السورية في اليوم التالي فسمحت بعبور مجموعةٍ أخرى من 37 فلسطينياً عراقياً جاؤوا مباشرةً من بغداد إلى الحدود السورية، لتصبح سورية مثالاً يحتذى به بهذه القضية، الا انه لا يجوز أن يقع عبء توفير السلامة واللجوء على عاتق الدولة السورية، بل يجب أن تتقاسمه جميع دول المنطقة وعلى رأسها الدول المجاورة.
ومن جهة أخرى وجهت منظمات حقوق الانسان الدولية نداء الى المجتمع الدولي ليتحمل مسؤولياته في تحمل العبء، عبر تقديم مساعدات مالية إلى البلدان التي تستقبل اللاجئين الفلسطينيين من العراق.
الموقف الفلسطيني الرسمي
وفي أكثر من مرّة عبّرت السلطة الوطنية الفلسطينية عن استعدادها لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين النازحين من العراق في غزة، وإصدار جوازات فلسطينية لهم، لكن العدو الصهيوني الغاصب رفض المساهمة في هذا الحل، حيث يمتلك القدرة على منع تنفيذه من خلال سيطرته على حدود غزة والضفة الغربية.
من جهة أخرى، حاولت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أكثر من مرّة، دفع العدو إلى السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين من العراق. وكانت المرة الأولى عام 2003 حيث كان موضوعها ستة أو ثمانية لاجئين فلسطينيين تربطهم صلات مباشرة بغزة. أما المرة الثانية فكانت عام 2006 عندما قدمت المفوضية للعدو الغاصب قائمة باللاجئين الفلسطينيين الذين تربطهم صلات مباشرة بغزة ممن كانوا عالقين على الحدود الأردنية العراقية. لكن العدو رفض في المرتين طلب المفوضية السماح للاجئين الفلسطينيين بدخول غزة.
مع تجدد الأزمة على الحدود الأردنية، طالبت الحكومة الفلسطينية في غزّة عام 2006، دول المنطقة باستقبال الفلسطينيين النازحين من العراق، فيما دعت منظمة التحرير الفلسطينية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين إليه للعودة الى فلسطين أو أن يظلوا في العراق وتأمين الحماية لهم.
وخلال زيارته الأولى إلى سورية، أعلن وزير الخارجية الفلسطيني في حكومة غزّة محمود الزهار أنه تلقى وعداً من السلطات السورية باستقبال الفلسطينيين العالقين على الحدود العراقية الأردنية.
المسؤولية والمطلوب
الا أن المسؤولية الأولى عن حماية اللاجئين الفلسطينيين داخل العراق تقع على عاتق الحكومة العراقية التي تتحمل مسؤوليةً منع الارتكابات الإجرامية بحق الفلسطينيين اللاجئين في العراق، ووضع حدّ لعمليات التهجير المنظم والتضييق الممنهج، بالتزامن مع بدء عملية محاكمة المجرمين وإخضاعهم لأشد العقوبات، ومن الضروري أن تتخذ الحكومة العراقية خطوات عاجلة لتوفير الأمن للاجئين الفلسطينيين في العراق وإنهاء الممارسات التمييزية والمسيئة بحقهم من جانب وزارة الداخلية والجهات الحكومية الأخرى.
كما يجب على كل لجان حقوق الانسان، والجهات القانونية المحلية والاقليمية والدولية، والجهات الفلسطينية والقومية عامة، البدء بتحضير ملفات قضائية في المحاكم الدولية ضد مرتكبي هذه العمليات الإجرامية والاحتلال الأميركي ومحاكمتهم دولياً وعلناً، لتسجل وصمة عار عليهم في التاريخ الانساني، على الأقل .
المصدر : جريدة البناء اللبنانية
18/2/2012