ارتبطت المأساة والمقاومة بتاريخ الفلسطينيين منذ صدور وعد بلفور
عام 1917، ولا غرابة في وجود علاقةٍ عضوية بين الانتفاضات العربية الراهنة
والمقاومة الفلسطينية. غير أن الانتفاضات العربية قد أثرت في الفلسطينيين الذين
لجؤوا إلى العالم العربي في أعقاب نكبة عام 1948. فكما حدث بعد الغزو الأمريكي
للعراق عام 2003، كشفت الانتفاضات ما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون من انعدام
الأمن وضياع حقوقهم الإنسانية بسبب افتقارهم إلى الجنسية. ومع موجة النزوح الحالية
وفرار اللاجئين الفلسطينيين من سوريا تتكشف مأساةٌ جديدة .
تُقدِّر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
في الشرق الأدنى (الأونروا) في تقريرٍ أصدرته مؤخرًا حول حجم الأزمة أن 400,000 لاجئ فلسطيني ممن كانوا
يُعيلون أنفسهم باتوا اليوم بحاجةٍ إلى مساعدة إنسانية.1 لجأ من هؤلاء نحو 32,000 إلى لبنان، و4,500 إلى الأردن، وفرَّ
بعضهم الآخر إلى تركيا والعراق ومصر. فتلك الجاليات التي لملمت نفسها بعد النكبة اندثرت مجددًا
بين مشردٍ داخلياً في سوريا ولاجئ للمرة الثانية في البلدان المجاورة. ولغاية
تاريخه، قضى ما بين 120 و200 فلسطيني نَحبه في الصراع الدائر، بينما أخذت دائرة
الحرب الأهلية تشمل مخيمات اللاجئين أكثر فأكثر منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي،
وعددُ الضحايا آخذٌ في الازدياد. وكان من بين الضحايا العديدُ من موظفي الأونروا.
لقد انجرت مخيمات اللاجئين كلِّها في سوريا إلى دائرة القتال فعليًا، حيث تتعرض
لقصف القوات الحكومية والجيش السوري الحر على حدٍ سواء. وفي ظل زيادة الدعم
العسكري المقدَّم من المناصرين الإقليميين والدوليين لكلا الطرفين، فإنه لا مَناص
من ازدياد عدد اللاجئين الفارين من سوريا وعدد المشردين داخلها .
يكشف فرار السوريين والفلسطينيين المتزامن من سوريا عن مستويات
متداخلة من التمييز دوليًا ووطنيًا ومحليًا. فقد تدفقت التبرعات الدولية لمساعدة
السوريين النازحين، في حين أن الأونروا، التي تعاني عجزًا مزمنًا، تواجه صعوبةً في
تأمين أموال طارئة لمساعدة الفلسطينيين النازحين. تدعو خطة استجابة الأونروا إلى جمع 26,85 مليون دولار أمريكي توفَّر منها ما مجموعه 19,04
مليون دولار حتى الآن. وبينما تقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يساندها
لفيفٌ من المنظمات غير الحكومية وتمويلٌ دولي بمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان،
تُستَنفد قدرة الأونروا على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين لدرجة أن المدارس التابعة
لها اضطرت للتوقف عن قبول الأطفال القادمين من سوريا. وفي حين أن بعض المنظمات غير
الحكومية الفلسطينية في لبنان تقدم أيضًا يد المساعدة للاجئين السوريين، فإن العكس
ليس صحيحًا بالنسبة للمفوضية والمنظمات غير الحكومية اللبنانية. فقد خُصِّصت أماكن
لإيواء اللاجئين السوريين، بينما اضطر الفلسطينيون إلى التزاحم في مخيمات كانت
مكتظةً أصلًا، حيث تتشارك كل عائلتين أو ثلاث في مأوى واحد. ففي مخيم عين الحلوة
ينام الناس على السلالم والشواطئ، بينما ينام البعضُ في مدارس الأونروا ويضطرون
لمغادرتها أثناء النهار، وهناك من يتناوبون النوم .
أطلق محمود عباس عدة مبادرات لحماية الفلسطينيين في سوريا، حيث
أرسل وفودًا إلى دمشق لالتماس الحياد للمخيمات، ودعا إلى السماح للاجئين باتخاذ
ملاذٍ لهم في الأرض الفلسطينية المحتلة. غير أن "إسرائيل" رفضت هذا
النداء ما لم يتنازل الفارون رسميًا عن حق العودة. إن فشل عباس في مسعاه يعكس
افتقارَ السلطة الفلسطينية للسيادة على الأرض المحتلة، وافتقار الفلسطينيين إلى
الحماية في ظل الظروف القانونية والسياسية الراهنة .
إن اختلاف مصائر اللاجئين السوريين والفلسطينيين الفارين من لهيب
المعارك الدائرة في سوريا يُبرز الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون جراء انعدام
جنسيتهم. فالأردن قد سمح للاجئين السوريين بدخول أراضيه والتنقل فيها بحرية، في
حين توقف عن استقبال اللاجئين الفلسطينيين في آب/أغسطس عام 2012؛ فضلاً على أنه
يحتجز مَن سمحَ لهم بالدخول قبل ذلك التاريخ والبالغ عددهم نحو 4,500 لاجئ في سايبر سيتي قُرب الرمثا ولا يسمح لهم بمغادرة ذلك المكان إلا إذا أرادوا
العودة إلى سوريا. وبالمثل، يسمح لبنان بحرية دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيه،
في حين أنه كان يسمح للفلسطينيين، حتى وقتٍ قريب، بالدخول فقط إذا كان لديهم أقارب
في لبنان. وعند الدخول، يتعين على كل فلسطيني أن يدفع 17 دولارًا أمريكيًا من أجل
الحصول على تصريح ينبغي تجديده كل ثلاثة أشهر.2 وهذه الضريبة المرتفعة المفروضة على الإقامة المؤقتة غير مبررة
نظرًا لكون لبنان لا يقدم خدمات عامة للفلسطينيين، ويستبعدهم من معظم مجالات
التشغيل. بل إنها تمثل ضربًا من ضروب الإعادة القسرية التي أُنشئت مفوضية الأمم
المتحدة لشؤون اللاجئين لتمنعها .
يعكس هذا التمييز بين اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذي تمارسه
الدول العربية المجاورة تمييزًا آخر على مستوى الأمم المتحدة. فولاية مفوضية الأمم
المتحدة لشؤون اللاجئين تستثني الفلسطينيين على وجه التحديد، حيث تختص بخدمتهم
وكالةٌ أخرى هي الأونروا، علمًا بأن مهمة الأونروا لا تتضمن تقديم الحماية. فرغم
أن المفوضية والأونروا تعملان معًا في إطار خطة الاستجابة الإقليمية لمساعدة جميع
اللاجئين من سوريا، فإنه من غير الواضح إلى الآن ما إذا ستمارس المفوضية ولايتها
الحمائية للضغط على الأردن ولبنان للتوقف عن عدم استقبال الفلسطينيين الباحثين عن
ملاذ، أو لمنع المعاملة التمييزية. وكما يشير تيري رمبل، لا
تملك أي وكالةٍ دولية ولايةً صريحةً للعمل على نحو ممنهج من أجل إعمال حقوق
الإنسان الأساسية للاجئين الفلسطينيين. ويضيف: "لا يوجد في العالم أي مجتمعٍ
للاجئين يعاني الاستبعاد على هذا النحو". لقد اضطلعت الأونروا بدورٍ أساسي في
مساعدة الفلسطينيين في تجاوز نكبة 1948، ولكن الاعتقاد بأنها "ترعى"
الفلسطينيين ككل ومن النواحي كافة قد أخفى إخفاقها وعجزها عن فعل ذلك .
المصدر : شبكة الشبكة السياسية الفلسطينية
15/5/2013