قل لي بربك يا صاحبي- جمال أبو النسب

بواسطة قراءة 2696
قل لي بربك يا صاحبي- جمال أبو النسب
قل لي بربك يا صاحبي- جمال أبو النسب

قل لي بربك يا صاحبي ,, هل أعراض الشيخوخة المبكرة داهمتني؟! فراحت تسرح وتمرح بعقلي،، ويبدو أنها لن تفارقني ,, قبل ما أن تسلبني إياها ,, فان لم يكن كذلك, أذن كان للمرض نصيباً كبيراً في ذهاب بعض عقلي ,,  فقد قضم منه ما يشاء ,, مثلما راح يلتهم من جسدي لقمةً لقمة ,, فهو نهم ,,  لن يدعه حتى يأتي عليه ,, ولو بعد حين ...

هذه الأفكار التي جادت بها نفسي عليً ,,  فما قولك يا صاحبي ,, قل لي شيئأً ,, أنطق ولا تبخل برأيك ,, فأنت لي ناصح ,, ولنا في هذه العلاقة الأخوية سنين طوال ,, نعم لم تكن وردية اللون ,, كما أنها لم تكن سوداوية ,, شابها ما ينغصها ,, واعتراها الجفاء برهة ,, والخصومة البريئة رافقتها ,, لكنها كانت أقوى من أن تنتهي أو تتلاشى ,, فلا تصمت ومدني بمشورتك ,, فلا تصمت وقل لي ما تشاء ,, فصمتك سيأتي على ما تبقي من عقلي ,,

قال له علام كل هذه التوسلات لي؟! ولِم تلوذ بالهزمية وكأنها غنيمة ,, وتخشى أن  يقاسمك بها أحد ,, وما أجدك سوى مستسلماً لحاضر مرير ,, ومشرعاً كلتا يديك لمستقبل أمر ,, قل لي لما تعتقد بل تكاد تجزم ,, بأنك ذاهب بملك إرادتك الى صومعة العزلة ,, وكأن ما  تبقى من عمرك ستريحه في ركن بعيد ,,

قال هذا هو ما قدرت أن تقوله لي!! هذا جودك وكرمك لأخيك ,, لم تكن هكذا من قبل ,, لما بت تبخل حتى بالحديث معي ,, لماذا أنا أصبحت هكذا؟ قل لي أنت الآن ,, لما كلما تذكرت رغم آفة النسيان … أمي .. أبي .. غرفتنا على ظلمتها .. سور مدرستي المتهدم ..  كراريس مدرستي المتهرءة ,, سبورة صفي على علاًتها ’’  أعقاب الطباشير على شحتها ,, الرحلة التي كنت أجلس عليها ,, ما زال صريرها مع كل حركة كنت أقو م بها من غير قصد ,, ما زال ذلك الصرير يدوي في أذني ,, يسكنني ,و يداهمني ,, يصاحبني ,, وكأنها أنفاس أمي المتعبة ,, فهي حين كانت تضمني الى صدرها ,, فذات الصرير كان ينبعث  من أوتار قلبها مخترقاً منها سور الضلوعها ,,

قل يا صاحبي ,, لما بت أخجل من نفسي؟! حين تخونني ذاتي ,, فتنفلت دموعي خلسة رغم عني ,, فسجانها المتعب ,, ترك حبل الجفون على الغارب ,, لما كلما تذكرت رغم تلاشي الذكريات شيئا فشيأً من مخيلتي ,, فأن أخذتني ذاكرتي لتغوص في بحر ذكرياتي ,, تراها تجذبني الى بيتنا القديم على قدمه ,, فأروح أقفز في باحة الدار ,, وكأني فراشة لسعت أحد جناحيها النار ,, فلا تقوى على الطيران ,, ولا ترجو لحبوها من خلاص ,, لما ما زلت أعشق تلك الدار ,,  وإن كانت تبدو مثل صندوق صغير ,, وغرفها صفت فيها علب سردين صدئة ,, بأنتظام .

قل لي يا صاحبي ,, لما صرت أفر من أحلامي؟!  وليس لفراري من جدوى ,, فهي تسكنني ليل نهار ,, لما أصبحت أناجي آلامي ,, أستجدي أحلامي ,, أتوسل الماضي أن يرحمني ,, وأتودد للحاضر لعله يتقبلني ,, وأتملق المستقبل كي لا يرفضني ,, أبحث في سجل النسيان عن ذلك الإنسان ,, أقلب صفحاته فيداهمني النسيان ,, وكأنني لص مبتدئ ,, لا يجيد النزول عن السور ,, مثلما أجاد صعوده فتعثر قدمه ,, لتتدلى ذاكرته مثل عنقود عنب لم ينضج بعد ,, لما تدلف الأحزان والآلام ذاتي ,, غير آبه بحراس حدود أفرحي ,,  فهم نيام منذ سنين ,, لما الحساب قبل الجواب ,, فأن سألت صفعت ,, وأن توسلت ركلت ,, فلا نصيب لك سوى الصمت ,, ولا حظ لك سوى الرضوخ لغير المعقول ,, فلا تكترث ولا تبتأس ولا تنهض بك الظنون ,, فتهم واقفاً بفهمك الذي مضى ,, فلم يعد له سميع في واقعك ,, فلك عقل وقلب ,, ولك ماضيٍ وحاضر ,, فلا تستبق بك ظنونك نحو مستقبل قد لا يكون ,,

قل لي برك يا صاحبي ,, أيحق لي أن أسألك؟! أن أستنجد بك لعلك تسعفني ,, فنزف الروح ,,  وصراخ القلب ,,  وعواء الجسد ,,  ونواح الغربة ,, وشكوى النفس للذات ,, ودموع ضلت الطريق ,, حين اجتمعنَ على عقلي ,, فهن آخذاته ولو بعد حين ,, أو أني سألوذ ثانيةً الى ركن قلبي الشريد,,  الطريد ,,  الوحيد ,, الذي بات يحملني معه بعيداً ,,  في عتمة الضلوع ,, قل لي برك يا صاحبي ,, أهذا يكفي ,, أم تريد لقولي المزيد ,, فأنا الآن لقولك منصت ,, ولرأيك قعيد ….


بقلم / جمــال أبــو ألنســـب

الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا

14/10/2011

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"