فإن
جميع فرق المسلمين على مختلف عقائدهم تدعي أنها تتبع منهج القرآن والسنة وأنه
مصدرها ومرجعها الأساس في ما تتخذه من عقيدة ومنهج في العبادات أو معاملات , فبلا
شك إن المسلم يستغرب ويسأل لما هذا الخلاف إذا كان المصدر والمرجع واحد لجميع هذه
الفرق ولماذا يخطئ ويبدع كل فريق الآخر حتى صار كثير من الناس في حيرة من أمرهم من
هو المتبع ومن هو المبتدع في هذا الدين , طبعا يجب علينا أن نعرف في البداية إن
ديننا فيه أصول ثابتة نؤمن بها وهي غير قابلة للاختلاف أو الاجتهاد ومن هذه الأصول
وحدانية الله تعالى وحدانية صفاته التي ليس كمثلها شيء , وأن الله أرسل رسل وأنبياء
وأن الكتب السماوية هي كلام الله وكلها قد نسخت ولم يبقى من كلام الله محفوظ في
هذه الدنيا سوى القرآن الكريم وأن الملائكة حق والجنة والنار حق وعذاب القبر حق
وما جاء في السنة الصحيحة حق إلى غيرها من الأصول التي اتفق عليها إجماع المسلمين
وأقروا لها بالخضوع والتسليم وإجماع الأمة عصمة لحديث ابن عمر : ( أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه و
سلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار ) الترمذي ، والعلماء
أقروا بوجود عدة أنواع وأسباب للخلاف فهناك مثلا (خلاف تنوع) وهذا ما يقصده من
يقول أن الخلاف رحمة فخلاف التنوع رحمة والأمثلة على خلاف التنوع كثيرة مثل دعاء
الاستفتاح بالصلاة فهناك أدعية كثيرة تفتتح بها الصلاة بعد تكبيرة الإحرام فأي
دعاء أتيت به مما له دليل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم كنت متبع للسنة وهذا
هو جانب الرحمة في خلاف التنوع ومثل ذلك أيضا صلاة التراويح وعدد ركعاتها لوجود
أدله على تنوع الأفعال فيها . وهناك أيضا (خلاف أفهام) وهذا حصل أيضا في عصر النبي
صلى الله عليه وسلم ومثال ذلك بعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الخندق
قال لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فطائفة من المؤمنين فهمت ظاهر الحديث
واجتهدت ان الصلاة العصر يجب أن تكون في بني قريظة كما أمر النبي عليه الصلاة
والسلام وطائفة أخرى من المؤمنين صلت العصر في وقته المحدد لانهم عندهم دليل من
القرآن انه يجب إقامة الصلاة في وقتها وتركوا جانب الاحتمال وفهموا من كلام النبي
عليه الصلاة والسلام هو لحثهم على قتال بني قريظة فلما سمع النبي عليه الصلاة
والسلام الخبر لم يعب على الطائفة التي أخرت الصلاة عن وقتها بسبب فهمهم للأمر
وهذا ما يحصل عند العلماء عندما يجتهدوا ويدققوا في مسألة فلربما يفهم أحدهم
الحديث بمعنى معين ويفهم الآخر منه معنى آخر فيحكم كل منهم حسب فهمه للنص وهذا مما
لا يحاسب الله تعالى العالم عليه بل له أجر على جهده وبحثه واجتهاده بتأكيد إذا
خلصت النوايا وهذا ما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام عن أبي هريرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا
اجتهد فأخطأ فله أجر) قال الشيخ الألباني صحيح ، أما النوع القبيح في الخلاف عندما
يكون( خلاف تضاد) وهو عندما لا يمكن ان تجمع بين قولين فالقول الأول له دليله
وحجته والقول الثاني مختلف تماما بلا دليل ولا برهان سوى إتباع الهوى وأقبح هذا
الخلاف عندما يكون في أمور أصول هذا الدين وأمور العقيدة التي أقر فيها إجماع
المسلمين , وهذا الذي دفعني لكتابة هذا الموضوع فقبل أيام سألني أحد الأخوة عن
حقيقة عذاب القبر فقد سمع من بعض ممن يخرج في القنوات ممن ينكر عذاب القبر وهذا أيضا
سمعته من بعض الناس في المكان الذي أعيش فيه , فقد ظهر من ينكرون هذا الأمور
علانية على الشاشات والمنابر , وكذلك ينكرون أن هناك خروج بعض أهل النار منها وهم
المسلمون الموحدون أصحاب الكبائر بإذن الله حتى ولو كان عندهم ذرة إيمان وكذلك
ينكرون السحر وأن الإنسان قد يصاب بالمس من الجن وحتى وصل بهم الأمر إلى إنكار سنة
النبي عليه الصلاة والسلام وكما قال عليه الصلاة والسلام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا
وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) مسلم , فها هو الدين
يعود غريبا وبدأت أصوله يشكك بها ويظهر إنكارها الجاحدون حتى يصلوا إلى إنكار كتاب
الله , فهذه الأمور مما أجمعت عليه الأمة وتوافرت فيها الأدلة الصحيحة من القرآن
والسنة لذلك سأنقل لكم من كلام الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة
دليل أو اثنين حتى لا أطيل عليكم فكل مسالة فيها الكثير من الأدلة ومن أراد التوسع
فليبحث , فعذاب القبر ورد في كلام الله في قوله تعالى : { النَّارُ يُعْرَضُونَ
عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } [غافر: 46] - قال ابن كثير- فإن أرواحهم تعرض على
النار صباحا ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم
وأجسادهم في النار ولهذا قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا
آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } أي : أشده ألما وأعظمه نكالا . وهذه الآية
أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهي قوله: { النَّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } تفسير ابن كثير, دار طيبة - والأحاديث
كثيرة التي تدل على نعيم وعذاب القبر منها حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ
مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ (
إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لاَ
يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ ) أبي
داود ، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنما القبر روضة من رياض الجنة أو
حفرة من حفر النار ) سنن الترمذي ، والروايات كثيرة في هذا الأمر . أما الأدلة على
خروج بعض أهل النار منها فكثيرة أيضا ففي القرآن الكريم قال تعالى : { إِنَّ
جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا
أَحْقَابًا } [النباء] - وهي جمع "حقُب"، وهو : المدة من الزمان . وقد
اختلفوا في مقدار الحقب . ففي رواية لابن جرير : قال : قال علي بن أبي طالب رضي
الله عنه لهلال الهَجَري : ما تجدونَ الحُقْبَ في كتاب الله المنزل ؟ قال : نجده
ثمانين سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة (2) . وهكذا
رُويَ عن أبي هُرَيرة، وعبدالله بن عَمرو، وابن عباس، وسعيد بن جُبَير، وعَمرو بن
ميمون، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والضحاك . وعن الحسن والسّدي أيضا : سبعون
سنة كذلك . وعن عبدالله بن عمرو : الحُقبُ أربعون سنة، كل يوم منها كألف سنة مما
تعدون . رواهما ابن أبي حاتم . وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقابا ) . قال: والحُقْب : بضع
وثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون,وأيضا عن عبدالله بن مسعود رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم آخر أهل النار
خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله له : اذهب
فادخل الجنة ، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول
الله عز وجل اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة
أمثال الدنيا فيقول : أتسخر بي – أو تضحك بي وأنت الملك قال :فلقد رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة ) أخرجه
البخاري ومسلم ، أما عن السحر فقد ذكر الله تعالى ما حصل من قصة موسى عليه السلام
وفرعون والسحرة وهذا ثابت في كلام الله تعالى والقصة معروفة للجميع , أما أن الإنسان
قد يصاب بمس من الجن والعياذ بالله فهذا جاء في قوله تعالى : { الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [البقرة :175 ] ، وجاء أيضا في الصحيح عن النبي
صلى الله عليه وسلم : { إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم } ، وقال ابن تيمية
( مجموع الفتاوى 24/276 ) دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أهل السنة
والجماعة , وقال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل : قلت لأبي : إن أقواماً يقولون
إن الجن لا يدخل في بدن المصروع فقال : ( يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه )
حتى وصل بهؤلاء من اجل إثبات هواهم فصرحوا انهم لا يؤمنون إلا بالقرآن وأن السنة
النبوية فقد حصل فيها أحاديث موضوعة وضعيفة فلا نأخذ منها , سبحان الله تعالى الم
يخرج الله تعالى علماء أفذاذ امضوا طيلة حياتهم في تمحيص الحديث وتدقيقه وبيان الصحيح
من الموضوع والضعيف فلو نقرأ سيرتهم وتراجمهم وجهدهم وورعهم في كتابة الحديث حتى
انهم وضعوا ضوابط صارمة لقبول الحديث لتجد العجب من شدة حرصهم وتقواهم , فبالله
عليكم إذا أنكرنا السنة النبوية كيف لنا أن نعرف عدد ركعات الصلاة ومواقيتها وكيف
نحج وكيف نزكي وكيف وكيف هل هذا موجود بالقرآن إن الله تعالى أنزل القرآن فيه آيات
مجملة وفيه آيات مفصلة وجاءت الأحاديث النبوية شارحة ومفصلة ومبينة لما في كتاب
الله تعالى ، كما قال تعالى : { وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل : 44] ،
وقال تعالى : { وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النحل: 64] . ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه } - أبي داوود - يعني السنة ، والسنة أيضًا تنزل
عليه بالوحي ، كما ينزل (2) القرآن ؛ إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن ، وقد
استدل الإمام الشافعي ، رحمه الله (3) وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة منها
قوله عليه الصلاة والسلام عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( أَلاَ إِنِّى أُوتِيتُ الْكِتَابَ
وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ
عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ
وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ
لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ وَلاَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ وَلاَ
لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ
بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ
يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاه ) سنن أبي داوود وصححه الألباني .
أيها الأخوة
إن ديننا يتعرض إلى عدوان وهجوم بوسائل عديدة ومتنوعة وكل هذا بسبب أنه الدين الأوسع
والأكثر انتشارا في العالم فهم يحاولون بكل الوسائل إلى التشكيك به من أجل صد
الناس عنه وما الأفلام والصور المسيئة التي يفعلونها إلا دليل على هذا والحمد لله
القائل : { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } [الأنفال : 30] ، والقائل : {
... وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ... } [فاطر : 43] ، فما هو واجبنا تجاه هذه الشبهات التي تثار بين
فترة وأخرى , أيها الأخوة ليس لنا سبيل في صد هذه الشبهات إلا أن نهتم بتعلم العلم
النافع وتعليم أبنائنا ومن حولنا خاصة أصول هذا الدين وأمور العقيدة فان خير ما
يلقى الله به الإنسان أن يكون صاحب عقيدة سليمة وأيضا الاهتمام بفروع هذا الدين
العظيم قال عليه الصلاة والسلام { من يرد الله به خيرا يفقه في الدين } البخاري .
أسال
الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وان يجعلنا من العاملين به والداعين إليه اللهم يا
مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم واهدي شبابنا وبناتنا لهذا الدين واربط على
قلوبهم إنك أنت العزيز الحكيم .
ياسر الماضي
11/1/2013
"حقوق النشر
محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"