لم يتوقف المراقبون والصحفيون والمعلقون طويلا أو قليلا عند الملايين العشرة من الدولارات التي أشار إليها الأستاذ عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، في الجلسة الختامية للدورة التاسعة عشرة من مؤتمر القمة. ولأن الحق أولى أن يحق فإن الواجب والأمانة يقضيان بان نوضح الحكاية.
فقد تقدم فخامة الرئيس العراقي كاكا جلال بعشرة ملايين دولار غير منقوصة، تبرعا حلالا زلالا للشعب العربي الفلسطيني، وهنيئا لك يا فاعل الخير!!ولا يحق لي بالطبع أن أكون أكالا نكارا كالقط، فأفرح بالتبرع السخي من جهة، واستهزئ، لا سمح الله، بالمتبرع من جهة ثانية. ولكنني ألفت إلى أن استغاثة من عشرين ألف نفس بشرية كانت قد واكبت عقد مؤتمر القمة المشار إليه. والآلاف العشرون هؤلاء، هم عدد أفراد الجالية الفلسطينية في العراق الذين يمعن فيهم رجال عبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر فتكا وذبحا وحرقا بهمة ونشاط منذ التاسع من الشهر الرابع للعام الميلادي الثالث بعد الألفين.
وتهمة هؤلاء الضحايا واضحة: انهم عرب من المسلمين السنة.. وإذا أضاف عبد العزيز الحكيم إلى تهمتهم هذه، أنهم يقيمون في العراق المطلوب منه أن يتكلم الفارسية كلغة رسمية ثانية، فقد يجيب هؤلاء المنكوبون إنهم كانوا حصة العراق، منذ أيام العهد الملكي، عندما تم توزيع اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة 1948 على الأردن ولبنان وسورية والعراق.
وان المولود من هؤلاء في عام النكبة قد أصبح شابا في الخامسة والعشرين عام 1943، وان المولود في ذلك العام قد أصبح أيضا في الخامسة والعشرين عام 1998، أما المولود في ذلك العام فهو لا يزال فتى في التاسعة من العمر. بمعنى أن هؤلاء اللياجئن المنكوبين قد دفنوا في العراق جيلين من الأجداد، وأنجبوا ثلاثة أجيال. وليس معنى هذا أنهم قد قبلوا التوطين او توقفوا عن رفض التوطين. فحتى ابن التاسعة منهم لا يرضى بلاد الدنيا كلها مقابل حفنة من تراب اجزم، أو قبضة من رمال عين غزال، أو حفنة من غبار جبع، أو قطرة من ماء عين حوض.
وعندما بدأ مقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم يذبحان اولئك القوم، كانت الاخبار تتوالى عن المجازر وضحاياها، فهذا خياط، وهذا معلم مدرسة، وهذا حلاق.. بمعنى أنهم كانوا مهنيين بسطاء وليسوا من ذوي العقارات والأملاك، فهم لم يأخذوا شيئا حتى تؤخذ منهم أرواحهم وأولادهم وبيوتهم.. ولهذا راحوا يناشدون قمة الرياض أن تنقذهم ولو بإخراجهم من العراق إلى المجهول.
ما الذي فعله الفلسطينيون للقتلة الطائفيين حتى يجازوا هذا الجزاء؟.. لم يطرح أحد من سدنة القمة هذا السؤال. وتشاء المفارقة انه ما من احد أشار إلى ما يفيد التطرق للعلاقة بين الفلسطينيين والعراق، إلا كاكا جلال، فكان المبلغ الثمين ذا دلالة. فهو عشرة ملايين ولما كان عدد الفلسطينيين الذين في بلاده عشرين ألفا، فلنا أن نتوقع مذبحة مدفوعة الدية بواقع خمسين دولارا على الرأس الواحد.. يا بلاش!! وحتى نزيل أي التباس، نؤكد أننا لا نقصد اتهام كاكا جلال طالباني بالجريمة، بل إننا نتفهم حركته الرمزية هذه في القمة، بأنها نوع من إعلان عدم المسؤولية كبيلاطس البنطي الذي أعلن غسل يديه من دم السيد المسيح.. الفلسطيني بالمصادفة؟!.
ولكن إسكات الضمير لا يتم بحركة رمزية هنا وهناك. إذ إننا أمام كارثة إنسانية تجثم على ضمائر القادة العرب جميعا. وليس العتاب هو الحل، كما أن التنصل ليس حلا. هناك مجزرة تتضاعف ويجب أن تتوقف. فهل هذا كثير؟ أم أن الثروة العربية قادرة على دفع مزيد من إنصاف مئات الدولارات مقابل النفوس الفلسطينية التي يتم إزهاقها في ذكرى المولد النبوي الشريف؟.
1/4/2007