ونسأل: برابرة ضد من؟ ضد الاهل، وضد الاطفال الذين دمرت القاذفات
منازلهم فوق روؤسهم، فهل نسي خالد مشعل او اسامة حمدان الذي كان بيننا كيف تناثرت
لعب الاطفال، ثياب الاطفال، عيون الاطفال، بين الحجارة التي كانت رمزاً للفلسطيني
الذي ينتــفض ضــد الاحتلال، فإذا هناك من يحولها، ودفاعاً عن ذلك الطراز البائس،
بل والوثني، من الإسلام، الى مناجل لتقطيع الاهل إرباً إرباً؟.
اجل، نسأل ماذا كان رأي إسماعيل هنية بعباءة الصلاة وبقبعة الصلاة
(التي هي اقنعتنا في هذا الزمان) حين شاهد الاشلاء تتناثر في الزوايا وعلى الجدران؟.
كنا نحسب انها قهقهات بنيامين نتنياهو فإذا بها قهقهات بني قومنا
الذين كانوا ويبقون في رموش عيوننا لان القضية ليست قضيتهم وحدهم بل هي قضيتنا
كلنا...
الشيء الذي لم تفعله «حماس» التي تحتضن القتلة وتحميهم، باعتبارهم "انبياء
هذا الزمان"، كما تقول احدى فتاوى تورا بورا ، انها لم توزع الحلوى ابتهاجا،
فهل يعتقد قادة الحركة اننا لم نكن نعلم ماذا يحدث في المخيمات، والى اين وصل
التنسيق العملاني، وحتى العقائدي، بينها وبين تلك الجماعات التي خرجت للتو من "جهنم"
والتي تقتل الاهل، الاهل فقـــط، لان الله الذي يتوسلونه، وهو غير الله الذي
يســـكن وجوهنا، ودقات قلوبنا، وحتى قبضات ايديــنا، وعدهم بأن جثث الاطفال هي
بمثابة السجادة الحمراء التي توصل الى الجنة...
في احد المساجد، كان الامام يقول للقتلة ان الطبول ستقرع لكم في
الجنة، ولسوف تستقبلكم حوريات العين بالزغاريد، ودون ان استعيد كل ما قاله لانه
اكثر من مخزٍ، واكثر من معيب، فهل كل ذلك «الجهاد» من اجل الف ليلة وليلة ومن اجل
الف حورية وحورية؟.
من لم يكن يعلم ان هناك من يسعى، ودائماً تحت مظلة الله (يا لغرابة
ذلك الله الذي سقطت فلسطين من ذاكرته)، لتحويل المخيمات، وقد جعلتها السلطات المتعاقبة
غيتوات للبؤس الذي هو الوجه الآخر، والاكثر درامية،للموت، الى كهوف تترعرع فيها
النيو وثنية، والنيو جاهلية. من قال ان في ايام الوثنية، وفي ايام الجاهلية، كان
يحدث ما يحدث الآن؟.
ومن لم يكن يعلم ان تفخيخ السيارة تم في مخيم برج البراجنة؟ ايها
الناس الذين هناك، هل نسيتم الخبز والملح؟ وهل نسيتم قهوة الصباح بين الجيران؟ وهل
نسيتم اننا نتكلم لغة واحدة، وان قصائد محمود درويش تهز عظامنا، وان صورة محمد
الدرة تستوطن عيوننا حتى يوم القيامة (مع اقتناعنا التام بأن القيامة اقفلت
ابوابها في وجوهنا)؟.
هذا لا يعني قطعاً اننا لسنا على يقين بأن المخيمات تضج بالقامات
العالية التي، بالرغم من التيه الذي فرض عليها، وهو النكبة الثانية في نظرنا، لم
تسقط في لعبة الوحول، ولا في لعبة المستنقعات، بل لا تزال على رؤيتها النبيلة
للمشهد ودون ان تأخذ بتلك الدعوات التي يتم تسويقها الآن، ولاغراض تتجاوز المخيمات
واهل المخيمات، والتي تقول انه آن الاوان للثأر من الذين اشعلوا «حرب المخيمات»...
واذا كنا ضنينين بكل دم فلسطيني لانه دمنا. واذا كنا نتحاشى اي
تبرير، فهل يمكن لاي منا ان ينفي ان ثمة قادة فلسطينيين وقعوا في جاذبية الثريات،
وحتى في جاذبية الغانيات، وبات لبنان بالنسبة اليهم الوطن البديل، الكازينو البديل؟.
الفلسطينيون الطيبون يدركون ذلك. ألم يقل لنا ذلك العجوز الفلسطيني
في مخيم عين الحلوة، غداة الاجتياح عام 1982، عن ابو الزعيم، وابو الهول، وابو
الجماجم «لقد هربوا مثلما تهرب الفئران وتركونا نواجه الدبابات بجثثنا»؟ من لا
يقول ان جثث الفلسطينيين، ولا نقصد جثث القتلة وجثث المرتزقة، تظل شاهقة، كما ورود
الكرمل وزيزفون الجليل؟.
ولكن لنقل ان هناك من ينشط لتحويل فلسطينيي المخيمات الى وقود بشري
مرة ثانية وثالثة ورابعة، دون ان يكون ممكناً المضي في المراوغة وفي النفاق وفي
البيع والشراء. ألم يقل قادة من حركة « فتح» ان الشيخ احمد الاسير لم يلجأ الى
المخيم على الاطلاق. كان واضحا انه هناك، والآن بات ثابتاً انه في مسجد عبدالله بن
الزبير، وانه برعاية احدى الجماعات التي تمارس حركة «حماس» الوصاية عليها...
بطبيعة الحال، هناك قيادات لبنانية اخذت بسياسات وحيد القرن،
وتتفادى مقاربة ذلك الواقع (الافغاني) الهائل. ولكن كما قال العماد جان قهوجي، فإن
الــذين يتولون تفخيخ السيارات يبغون تفجـــيرها في كل المناطق لا في منطقة واحدة
من اجــل الفتنة الكبرى. فهل للادمغة الصدئة، الوجوه الصدئة، ان تعود، ولو لهنيهة،
الى الوعي؟.
المصدر : صحيفة الديار اللبنانية
25/8/2013