رفض اللاجئ الفلسطيني في بلجيكا أضعاف القبول .. انتظار طويل ومصير مجهول

بواسطة قراءة 718
رفض اللاجئ الفلسطيني في بلجيكا أضعاف القبول .. انتظار طويل ومصير مجهول
رفض اللاجئ الفلسطيني في بلجيكا أضعاف القبول .. انتظار طويل ومصير مجهول

فهذه الدولة التي كانت نهاية حلم اللاجئين بدأت ترفض معظم طلبات الحصول على إقامة، وزادت مدة انتظار اللاجئ للبت بطلبه من المحاكم البلجيكية من ثلاثة أشهر إلى عام أو عامين أو حتى ثلاثة، وبعد هذه المدة من الانتظار والأمل يصدر القرار بالرفض، ومعها تنهار أحلام اللاجئين، فمنهم من يضطر للعودة وبعضهم يذهب لدولة أخرى.

وخلال العام الماضي (2019)، درست بلجيكا 675 ملفاً مقدما للحصول على إقامة، قبلت منهم 161 ملفًا ورفضت 514 ملفا.

حياة كريمة

على أمل أن يجد حياة كريمة، سافر رائد النجار من غزة عام 2015 حالماً بمستقبل أفضل لأطفاله الصغار، بحث عنه ولم يجده في شوارع غزة المحاصرة إسرائيليا منذ 13 عاما. بعد سفره عبر رحلة صعبة من تركيا ثم البحر إلى الجزر اليونانية سجنته الشرطة النمساوية وقامت بأخذ بصمته، ثم أكمل طريقه إلى المحطة النهائية في طريق الهجرة الذي يسلكه المهاجرون ووصل بلجيكا، وفيها قدم طلب لجوء وانتظر رد السلطات البلجيكية لمدة أربعة أشهر.
لا تفر تلك التفاصيل من حديث النجار لصحيفة "فلسطين" الصادرة من غزة، قائلا: "احتجزت بكامب (مخيم) مغلق (مكان إيواء لاجئين) لمدة أسبوعين قبل الترحيل للنمسا التي مكثت فيها ثلاث سنوات". هكذا تغير مسار رحلة النجار، وبعد ثلاث سنوات من الانتظار جاءه الرد على طلب الإقامة فيها بالرفض، فرغم أنه رضي بالنمسا لكنها لم ترض به، فعاد مرة أخرى إلى بلجيكا في إبريل/ نيسان 2018، وبعد تسعة أشهر من الانتظار في بلجيكا للحصول على إقامة، جاءه الرفض أيضا بحجة أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تحميه في غزة.

قدم استئنافا على الرفض في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ولا يزال ينتظر الرد، يبدي حسرته قبل أن يسدل الستار على حديثه: "لدي أربعة أطفال في غزة لم أرهم منذ أربعة أعوام، ابني الرابع ولد حينما سافرت للنمسا، والآن أصبح عمره ثلاث سنوات وتسعة أشهر لم أره أو يراني".

مشكلة ومبررات

مشكلة عدم الحصول على اللجوء لا تخص النجار وحده، بل هي مشكلة يعاني منها كل مهاجر ولاجئ فلسطيني لجأ إليها كحلم "وردي"، فينتظرون القرار دون أي إجراءات، وذلك بسبب خطة الوزيرة البلجيكية للهجرة واللجوء ماغي دوبلوك، التي أطلقت حملة العام الماضي لثنيهم عن القدوم إلى بلجيكا لتقديم طلبات لجوء سياسي.

ففي السابق كان يحصل اللاجئ الفلسطيني إلى بلجيكا خلال أربعة أشهر على الإقامة وكان يحصل على بيت "خان سوسيال" أو غرفة داخل بيت، وكان الفلسطيني من أسرع الجنسيات في الحصول على الإقامة والبيت. لكن في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وصلت نسبة رفض الطلبات إلى 93%، بعد أن تم إيقاف الخدمات عن الفلسطينيين ضمن إجراءات الحكومة البلجيكية في تصعيب الإجراءات حتى يتوزع اللاجئون على بلدان مختلفة، بعدما لاحظت تزايد أعدادهم لديها.
مقابل ذلك التشديد حدث حراك من اللاجئين الفلسطينيين وخرجوا في مظاهرات في العاصمة البلجيكية بروكسل، فضلا عن رفع دعاوى قضائية لدى بعض المحاكم، وكانت مطالبهم تسهيل الإجراءات في الحصول على إقامة.

وبحسب إفادة المتحدث باسم حراك اللاجئين الفلسطينيين من أجل الحقوق والعدالة في بلجيكا، علي منصور، لـ"فلسطين"، فإن قرار الرفض "سياسي"؛ حيث قبل ثلاثة أشهر أصدرت محاكم السويد وبلجيكا قرارا بأن غزة آمنة، وليس كل لاجئ يستحق الإقامة، وأنه لا يوجد فيها اضطهاد، وأن حركة حماس التي تدير القطاع لا تستعمل العنف ضد الناس، فيما وكالة "الأونروا" تحميهم هناك. تجاهل وإهمال وحطت أقدام قصي محمد أرض بلجيكا في مايو/ أيار 2018 قادما من الجزر اليونانية، فبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية اضطر لهذا الخيار الصعب بالهجرة رغم أنه مصاب برصاصة خارجية بالرأس من قوات الاحتلال الإسرائيلي، في إبريل/ نيسان من العام نفسه، خلال مشاركته بمسيرات العودة وكسر الحصار بغزة.

تلك التنهيدة التي خرجت من حنجرته المتألمة تروي مائة حكاية من الألم بداخله، بصوت متعب يحرر كلماته المقهورة لصحيفة "فلسطين": "وضعي النفسي والصحي صعب، لدي ألم في جميع أنحاء جسدي بسبب الإصابة، والسلطات البلجيكية لا تهتم بالمرضى والمصابين، وكأنهم يريدون أن يرهقوا اللاجئ الفلسطيني حتى يمل من التواجد فيها ويعود إلى بلده".

"اعتقدت أنني سأعامل كصاحب قضية عادلة وأحصل على الإقامة".. لكن ما حدث كان عكس توقعات "محمد"، فرغم أنه أجرى ثلاث مقابلات للحصول على إقامة لم يأتِه الرد حتى الآن، مضيفا: "ما تفعله بلجيكا معنا لا يليق بدولة متحضرة، لذا أعتزم الإضراب عن الطعام في الأيام القادمة، وخاصة بسبب هذه الإجراءات السلبية والإهمال الطبي".

رحلة صعبة عاشها عوني الدهشان الذي كان يعمل في إحدى الفضائيات بغزة، لا تقل صعوبة عن ظروفه الصعبة التي عاشها بين أنياب الحصار، حينما سار في قوارب "الموت" من تركيا إلى الجزر اليونانية، حتى وصل جزيرة "كيوس" في اليونان ومكث فيها 11 شهرًا.
كانت بالنسبة له 11 شهرًا من الانتظار في مركز إيواء اللاجئين بالجزيرة الذي يضم ألفي مهاجر رغم أن قدرته الاستيعابية 700 شخص فقط، يعود في حديثه لتلك الفترة: "اليونان قد تهتم بالحالات الخاصة كالعائلات والمرضى، أما الشباب فلا تهتم لأمرهم".

داخل خيمة صغيرة لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين تحت شجرة بين الغابات التابعة للكامب في الجزيرة أمضى تسعة أشهر ونصفا. حصل الدهشان على الإقامة اليونانية في مايو/ أيار 2019، لكنه لم يمكث في اليونان أي مدة، يكمل: "مباشرة سافرت عبر الطائرة إلى بلجيكا، والآن لي ثمانية أشهر فيها، ولم تتخذ أي إجراءات بحقي، وأرى أمامي طوابير من طلبات الإقامات المرفوضة".

حراك فلسطيني

وبالعودة إلى المتحدث باسم حراك اللاجئين الفلسطينيين، منصور، فإن أبرز مشكلة يعاني منها الفلسطينيون هي فترات الانتظار الطويلة، فقبل قرار السلطات البلجيكية عام 2019 كانت فترة الانتظار تتراوح ما بين ستة أشهر إلى سنة حتى يحصل اللاجئ على الإقامة، أما الآن تمتد فترة الانتظار إلى عامين وثلاثة حتى يصدر قرار منح الإقامة، بالإضافة لمسلسل الرفض التي تعمل على تنفيذه "الكمسارية" (الجهة المختصة باللاجئين في الحكومة).

وبحسب إفادة منصور، فإن سبعة أشخاص فقط حصلوا على إقامة مقابل 161 شخصا تم رفضهم الشهر الماضي، مبينا أن الرفض يأتي بسبب تشابه القصص التي يقدمها اللاجئون للمحاكم حول أسباب هجرتهم من غزة بسبب الأوضاع الاقتصادية وظروف الحصار.
وأوضح أن اللاجئ الحاصل على إقامة يونانية وجاء إلى بلجيكا، يحتاج إلى انتظار ستة أشهر فقط لكسر بصمة اليونان، لكن وزارة الهجرة البلجيكية أصدرت قرارا فعلت فيه مدة الانتظار لكسر البصمة 18 شهرا، وهذا كإجراء تعجيزي وضرب اللاجئين بيد من حديد، مشيرا إلى أن هناك ألف لاجئ حصلوا على إقامة من اليونان ويتواجدون في بلجيكا. وحول مبررات بلجيكا بالرفض، بين أن أولها أنه لا يمكن لمن يحصل على طلب حماية في بلد أن يحصل عليها ببلد آخر، وكذلك لتسهيل العودة إلى غزة، لافتا إلى أن وزيرة الهجرة لديها مخطط ضد الفلسطينيين لتقليل أعدادهم، وكذلك عمل جدار وحاجز صد لمنع أي لاجئ من القدوم إليها.

 

مركز العودة الفلسطيني
18/5/1441
13/1/2020