1- دينها كان المصلون
في وقتها قلة، وكانت أم جمال من المحافظات على الصلاة، وكانت تحث غيرها على
المحافظة على الصلاة.
وكان ممن تأثر بها ابنها صديقي الوفي عامر، الذي كان من
أوائل مرتادي مسجد السيد سلمان في المشتل في حدود سنة 1980م، والذي كان له أطيب
الأثر على غيره من الشباب في عمره، ومنهم كاتب هذه السطور من حياة والدتنا الكريمة
الحاجة صديقة رحمها الله.
وإن كنت أنسى لستُ أنسى ذلك الجمع الطيب الذي كنا نقطع
به الطريق (الصحراوي) الذي كان يربط بين البلديات والمشتل مع عامر وأبو محمود نايف
رحمه الله وأبو رأفت ماضي وعبدالحكيم العثمان ووليد ملحم وغيرهم لندرك الصلوات في
مسجد المشتل القديم، حيث لم يكن مسجد القدس قد بني بعد.
كانت أم جمال تحرص على
زيارة جيرانها، ويا لطيب معشرها وحلاوة كلامها الذي ملؤه البراءة والعذوبة، مع
تميز حديثها بالأمثال الفلسطينية التي تحض على مكارم الأخلاق، والتي ورثتها من
أيام (البلاد).
2- تقواها أذكر في ذلك
أني أتيت إليها مرة، (في حدود سنة 1990م) وسألتها أن تأتي برفقتي لتغسيل امرأة
توفيت في حي الرئاسة القريب من حي البلديات، كنت يومئذ في حدود الخامسة والعشرين،
وكانت هي أكبر من والدتي بكثير، ومع ذلك أبت أن تركب معي بسبب الخوف من الخلوة
المحرمة، حتى دعوت أختي الصغرى فوافقت وذهبنا بها وغسلت المرأة.
3- كرمها أحببت هذه
المرأة حباً لا يمكن وصفه، بل صرت أتصورها كأمي تماماً، وهي كذلك كانت كلما رأتني
استقبلتني بأحسن استقبال، كانت كلما زرت أبناءها الذين كانت هي رحمة الله عليها
السبب الأول في محبتي لصحبتهم أعدت الضيافة كأحسن ما تكون، فهي امرأة كريمة حتى في
أحلك الظروف التي مررنا بها جميعاً، وعلى الأخص في فترة الحصار على العراق.
4- محبتي لها كانت أم
جمال هي المرأة الوحيدة في عمارة الحرية التي كان الجميع يحبها لما تقدم من دينها
وخلقها وكرمها، أما أنا فكنت أتمنى لفرط محبتي لها أن لو كان بإمكاني البقاء
والعيش معها أبداً.
5- رحلة العمرة
برفقتها.
ويشاء الله ويقدر أن تكون رحلتي الثانية إلى بيت الله الحرام برفقة
ولديها صديقيَّ الكريمين عامر ومحمود (حمدان) وأن تكون أم جمال معنا ، بالإضافة
إلى زوجة عامر الأخت أم عمر التي كانت تحمل يومذاك ابنها الأول عمر على ذراعيها
صغيراً رضيعاً، وكان ذلك في رمضان 1408/ 1988، وسكنا في نفس البيت، وقضينا أطيب
وألذ وأجمل أيام العمر في العشر الأواخر من رمضان هناك بقرب البيت العتيق، وعدنا
سوياً إلى أرض العراق، وهي أيام لا يمكنني نسيانها لسبب بسيط هو وجود الحاجة أم
جمال في كل مشاهد تلك الأيام الطيبة الجميلة.
لقد دفعني طيب هذه
المرأة، بل طيب أسرتها إلى أن أحاول مرة الاقتران بإحدى كريماتها، لكن الله لم
يقدر لي هذا الشرف، ثم كررت المحاولة مرة أخرى بطلب الاقتران بإحدى حفيداتها،
ويشاء الله تعالى أن لا يكون ذلك، فهو الحكيم العليم الذي بيده مقادير الخلائق،
ولا معقب لحكمه. لكن ذلك لم يقلل من احترامي ومحبتي للحاجة أم جمال ولا لأسرتها
الطيبة، ولم يقلل كذلك من تواصلي معهم جميعاً، ولا من مشاركتي في أفراحهم
وأحزانهم.
وفاتها:
في 23/11/2005
وهو اليوم الذي فرج الله عني فيه من أسر قوات الاحتلال الأمريكي ، تلقيت خبر وفاة
الحاجة أم جمال، وكانت توفيت أثناء أسري، لكن أحداً لم يخبرني، وقع الخبر علي
كالصاعقة، وحزنت لموتها حزناً شديداً نسيت معه فرحة خروجي من الأسر، رددّتُ حينها
ودموعي تتحدر على وجنتيّ، وقلبي يعصره الألم: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله
يا أم جمال وأسكنك الجنة برحمته، وأخلفك في عقبك بخير، وجمعنا بك في دار كرامته
وغفر لنا ولك، إنه هو الغفور الرحيم.
لا أراني وفيت هذه
المرأة الطيبة النبيلة حقها بهذه السطور المتواضعة جداً، فحياتها تحتاج إلى ما هو
أكثر بكثير من ذلك، ولعل الله تعالى أن يوفق أولادها وبناتها إلى أن يتحفونا بنشر
سيرتها الطيبة، وهو أقل ما يمكن أن يقدم لمثلها وفاءً وعرفاناً.
عبدالحميد شاهين
28/11/2013
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح
بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"