المسجد الأقصى مستقبل الأمة " الارتباط العقائدي والتعبدي " ج2- رشيد جبر الأسعد

بواسطة قراءة 6033
المسجد الأقصى مستقبل الأمة " الارتباط العقائدي والتعبدي " ج2- رشيد جبر الأسعد
المسجد الأقصى مستقبل الأمة " الارتباط العقائدي والتعبدي " ج2- رشيد جبر الأسعد

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحنُ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيَّهما أفضلُ مسجدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو مسجدَ بيتِ المقدسِ فقال رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيهِ ولَنِعْمَ المُصلَّى.[1]

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحَرامِ، ومسجدِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومسجدِ الأقصى )[2].

وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله و هم كذلك )[3].

قال علي رضي الله عنه: نعم المسكن بيت المقدس القائم فيها كالمجاهد في سبيل الله , و ليأتين زمان يقول أحدهم ليتني لبنة في بيت القدس.

يا قدس هذا زمان الليل فاصطبري *** فالصبح من رحم الظلمــاء مسراه
يـــــا قدس لا تقلقي فالحق منتصر *** و صــــــــاحب الحق ليس يرده الله
مـــــا دام في القلب عهد قد حفظناه *** و في اليمين كتـــــاب ما تركنـــــاه

 1-    الإرتباط العقائدي

في القدس أولى القبلتين المصطفى *** صل قبل عروجه يتأهب

في هذه الذكرى هلموا وانظروا *** فالمسجد الاقصى أسير متعب

والقدس ارض الانبياء ومهدهم *** بيد العدا من عجزكم تتعذب

يا أمة القرآن هذا المصطفى *** قد جاءكم بالحق جاء يرغب

سنعود مهما طال الليل مكوثه *** بالقرب نشفي وجدنا ونرطب

أولا: في أن أرض وباحة ومنطقة المسجد الأقصى المبارك المختارة المحددة من الله سبحانه وتعالى طاهرة مقدسة مميزة ومباركة بنص القران الكريم لتشمل البركة أرض القدس وبلاد الشام، ونزول أول آية الإسراء بحق المسجد الأقصى وبركة الأرض حوله، والبركة في الأنبياء والرسل والصالحين في أرض الشام ووجود المياه والأثمار..

قال تعالى:

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) {سورة الإسراء/1}

هذه الآية الكريمة التي نزلت بحق المسجد الأقصى عززت مكانة الأقصى وجعلته بمنزلة مكة والمدينة، كما جعل حديث النبي عليه الصلاة والسلام ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ... ) الأقصى في الاهمية والمكانة والمنزلة ثالث المساجد التي تقصد ويشد لها الرحال، لتكون جزء عزيز وغال ومهم من عقيدة المسلم.

قال علماء السلف الصالح رحمهم الله آية الإسراء في تعزيز مكانة واهمية المسجد الأقصى العقائدية والمفصلية في عقيدة ونفوس المسلمين، وربط القدس بمكة والمدينة، وربط الأقصى بالكعبة والمسجد الحرام قالوا:

( فلو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية وبجميع البركات وافية لانه اذا بورك حوله فالبركة حوله مضاعفة ولان الله تعالى لما اراد ان يعرج بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم الى سمائه جعل طريقه عليه تبيينا لفضله وليجعل له فضل البيتين وشرفهما ).

ثانياً: إن القدس هي ارض المحشر والمنشر، كما ورد في الحديث الشريف عن الصحابية (ميمونة بنت سعد رضي الله عنها)، قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس، فقال:

ارض المحشر والمنشر .[4]

وبما أن موعد ومجيء القيامة يمثل جزء من عقيدة المسلمين فكان ارتباط هذه الأرض المباركة بالعقيدة الإسلامية وتكون لها أهمية أيضا يوم القيامة لأنها عرصة القيامة، لأنها ارض المحشر والمنشر يوم الحساب..[5].

أجل إن القدس أو بيت المقدس هي صنو مكة المكرمة والمدينة المنورة وتؤمهما والتي ربطت مع بعضها ربطا عقائديا متينا متمما وهيأ الله سبحانه لهذا المكان الطاهر المميز بيت المقدس هيأ له النفوس المؤمنة الغفيرة، تأتي إليه من كل مكان من أرض الإسلام والعالم.

( واختصها وحباها بالتشريف والتعظيم والقداسة والاهمية والبركة، ولقد هيأ لها نفوس المؤمنين ومشاعرهم وعواطفهم وجعلهم يحنون شوقاً إليها بعد إن ربطت بعقيدة المسلمين.

ويعد بيت المقدس في العقيدة الإسلامية صنو مكة المكرمة والمدينة المنورة بإجماع الأمة الإسلامية)، (من كلام البروفيسور الدكتور عبد الفتاح محمد العويسي في البعد الأكاديمي والمعرفي لبيت المقدس، آذار 2008م عن مؤسسة فلسطين للثقافة، دمشق، صفحة (54).)

 

2-    الإرتباط التعبدي

يتمثل هذا الارتباط في (7) مسائل أو 7 أمور ونواحي هامة، لعلها تمثل نواة تشكيل العقل المسلم في أدائه الصلوات والعبادات في باكورة وفجر الإسلام وبيان منزلة وأهمية المسجد الأقصى والقدس في الإسلام، من هذه المسائل وهذه الأمور:

فرض الله سبحانه وتعالى مشروعية الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، فهذه المشروعية هي من فرائض ومن أركان الإسلام الخمس، وهي الصلة بين العبد وربه، هو العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فرضها الله سبحانه في ليلة الإسراء والمعراج المرتبطة ارتباط وثيق بالمسجد الأقصى، إذ يحاسب المرء، يحاسب المسلم يوم الحساب والقيامة على الصلاة، والصلاة هي عمود الدين وركن من أركانه. والعهد الذي بيننا وبينهم الصلاة...

جعل الله سبحانه وتعالى المسجد الأقصى المبارك (ارض وساحة ومساحة) حتى لو كانت فارغة من غير بناء عند الاسراء، أو بعد التأهيل والتجديد، جعلها الله سبحانه أول قبلة للمسلمين يتوجهون نحوها في صلواتهم، صلى المسلمون الذين هم في مكة والحبشة واريتريا ومسلمو المدينة قبل الهجرة... صلى هؤلاء المسلمين نحو المسجد الأقصى والقدس عدة سنوات، واستمرت الصلاة نحو الأقصى، وبعد الهجرة استمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون بالصلاة نحو القبلة الأولى في القدس والمسجد الأقصى 16 أو 17 شهرا أخرى ما عدا مدة الصلاة وهم في مكة وهي عدة سنوات، كما اجمع لفيف من العلماء... (ولي بحث حول هذا الموضوع).

لم تبطل أو تغير الصلاة تجاه المسجد الأقصى التي دامت سنوات عديدة إلا بعد نزول الآية الكريمة:

(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ) {سورة البقرة/144}.

إن يهود عابوا على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في توجهه بالصلاة نحو بيت المقدس، وإذا غيرت عابوا عليه، والأمر ليس بيد الرسول عليه السلام ( وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ).

إن الصلاة في منطقة وباحة المسجد الأقصى (داخل السور وحوله) داخل بناء جامع المسجد الأقصى وحوله أجرها من الله سبحانه مضاعفة الأجر والثواب والحسنات، فالصلاة بالمسجد الأقصى هي بمائتين وخمسين صلاة والركعة الواحدة بمائتين وخمسين ركعة، كما ورد في الحديث الشريف عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحنُ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيَّهما أفضلُ مسجدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو مسجدَ بيتِ المقدسِ فقال رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيهِ ولَنِعْمَ المُصلَّى ...[6] والصلاة بالمسجد النبوي بألف فتكون الصلاة بالمسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة.

ربط رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى بالأجر والثواب والحسنات والأهمية وفي مضاعفة أجر العبادات وذلك عن طريق الحث والتشجيع على زيارة المسجد الأقصى لأنه احد المساجد الإسلامية الكبرى والرئيسية الوحيدة التي لا تشد الرحال إلا إليها، حين تم ربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام بمكة المكرمة وبالمسجد النبوي في المدينة المنورة (لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحَرامِ، ومسجدِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومسجدِ الأقصى)[7].

نظرا لأهمية المسجد الأقصى والقدس وفلسطين والشام، ولمكانة المسجد الأقصى والشام ونزول آيات قرآنية عديدة بحقها في المدن الثلاث مكة والقدس والمدينة، ولا تشد الرحال إلا إلى هذه المدن الإسلامية الثلاث، وعلى هذا الأساس شد الرحال الخلفاء والصحابة والتابعون والقادة والأمراء والعلماء وطلبة العلم... وغيرهم [8] على مدار 1400سنة...

أرض المسجد الأقصى المبارك (البناء والأرض وكافة المنشآت) هي ارض طاهرة ومباركة، فيها الأعمال الصالحة والعبادات بأنواعها فيها تزيد وتتضاعف، وذلك لشرف المكان وسموه وطهارته وتعظيمه.[9]

من إكرام الله سبحانه وتعالى، من إكرام الإسلام دين اليسر والتسامح والبساطة وتوجيهات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لزيارة ارض المسجد الأقصى والقدس وفلسطين والشام، لأنها ارض طاهرة ومباركة، وارض المحشر والمنشر، وارض الإسراء والمعراج، فالمقيم عليها له اجر وثواب المجاهد والمرابط في سبيل الله استنادا إلى الحديث الشريف:

(لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين على من ناوأهم ، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال )[10].

وفي الحديث الصحيح الآخر: إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس ، سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة : سأل الله حكما يصادف حكمه ، فأوتيه ، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأوتيه ، وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه ، أما اثنتان فقد أعطيهما ، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة[11].

 رشيد جبر الأسعد

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"



[1] السلسلة الصحيحة ( 6/ 954).

[2] رواه البخاري.

[3] السلسلة الصحيحة برقم 1957.

[4] صححه الألباني في فضائل الشام.

[5] سماحة الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري مفتي مدينة القدس والديار الفلسطينية خطيب المسجد الأقصى المبارك: منزلة القدس في الإسلام، بحث منشور في مجلة (الرسالة الإسلامية) تصدرها وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في جمهورية العراق، عدد (269)، رجب الخير 1422ه الموافق تشرين اول 2001م بغداد، صفحات (14-20)، (بتصرف...)

[6] السلسلة الصحيحية.

[7] رواه البخاري.

[8] للمؤلف: اعلام وعلماء في المسجد الأقصى المبارك، نشر دار الشجرة، دمشق سورية، 2011م (فيه بيان الصحابة والعلماء الذين شدوا الرحال الى المسجد الأقصى في فريضة ومناسك الحج والعمرة من العهد الراشدي حتى العثماني.... عملا بالسنة النبوية...

[9] الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري: منزلة القدس في الإسلام، صفحة: (18) مصدر سبق ذكره ومع تصرف.

[10] السلسلة الصحيحة.

[11] صحيح الجامع.