بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
كل من يطلع على تاريخ فلسطين وخاصة الحديث ودور الدولة العثمانية في الحفاظ عليها حيث رفض السلطان العثماني عبد الحميد رحمه الله المائة وخمسين مليون ليرة ذهبية التي عرضها عليه اليهود دون أن يفرط بشبر من تلك الأرض الطاهرة. ولكن هناك دور لا يقل قيمة ولا شرفاً عن هذا الموقف المشرف للسلطان عبد الحميد ألا وهو تصدي الدولة العثمانية للغزو الفرنسي بقيادة نابليون لفلسطين الذي تحطمت أحلامه على أسوار عكا في السيطرة على الشرق ولقي أول هزيمة عسكرية منذ توليه مقاليد الحكم في فرنسا.
إن تاريخ الدولة العثمانية المشرف في الحفاظ على فلسطين لهو وسام شرف يفتخر به الأتراك المسلمون. نذكر هذا ونحن نمر بمواجهة بين تلك الدولة المسلمة السنية وبين دولة اليهود وكل ذلك بسبب رفع الحصار عن غزة .
إن الموقف التركي الجديد ليضاف إلى سجل المواقف المشرفة لتلك الدولة . حيث فقدت عشرة من خيرة أبنائها نسأل الله أن يكونوا شهداء . وهم يتصدون لأحفاد القردة والخنازير . يجب على المسلمين أن يشكروا تلك الدولة ويحرصوا على إيجاد دور فاعل لها في قضايانا خاصة علما أن من أرباب البدع والضلال من يحاول أن يخطف المشهد الفلسطيني ويسوق نفسه على أنه الداعم الوحيد للقضية الفلسطينية بل ويتسلق على الدور التركي الفاعل والمتطور في نصرة قضايانا لإيجاد له دور حتى في قضية أسطول الحرية هذه.
إن إحياء قضية حصار عكا على يد نابليون وكيف تصدى له الوالي العثماني أحمد الجزار الآن لتنبيه المسلمين على موقف عظيم يحسب للعثمانيين لربما لم ينتبه له الكثير من المسلمين بل ولربما لم يسمعوا به .
نذكر هذا لننبه على أن الحملة الفرنسية لا تخلوا من مؤامرة يهودية وكالمعتاد عند القوم في استغلال كل حدث لتنفيذ مآربهم الخبيثة في السيطرة على أرض فلسطين .
فقبل تحرك الحملة من فرنسا إلى مصر ، تلقى بول باراباس ، عضو حكومة الإدارة في باريس من صديقه توماس كوريت ، الرأسمالي اليهودي الايرلندي، رسالة ينصحه فيها بالاستفادة من اليهود الذين وصفهم بأنهم : يقدمون لكم عنصراً يمكن الاعتماد عليه في الشرق.
وضع الاقتراح أمام نابليون الذي التقى شخصيات يهودية، ما لبثت أن أصدرت بعد اللقاء بياناً تدعو فيه إلى إقامة مجلس ينتخبه اليهود في خمسة عشر بلداً، ليقرر ما يجب عمله . وإبلاغ ذلك إلى الحكومة الفرنسية . كما دعت إلى إقامة وطن يهودي بالاتفاق في فرنسا ، في إقليم الوجه البحري من مصر ، مع حفظ منطقة واسعة المدى ليمتد خطها من مدينة عكا إلى البحر الميت ومنه إلى البحر الأحمر.(موقع المركز الفلسطيني للأعلام).
ووجه نابليون نداء يدعو فيه اليهود للالتفاف حول رايته من إعادة "مملكة القدس القديمة". وتلاشى المشروع بمعارك عكا وأبي قير(مجلة التاريخ الإسلامي).
لقد تبخرت أحلام نابليون في السيطرة على الشرق وتلقى أول صفعة من أقوى الصفعات في حياته على يد الجنود العثمانيين والملتحمين معهم من أهالي عكا في صمود أسطوري قل نظيره في التاريخ.
ولنتعرف على تلك المدينة الباسلة والتي لقنت وعلى مدى التاريخ الدروس للأعداء الذين حاولوا المساس بها.
مدينة عكا: تأسست مدينة عكا على الساحل الفلسطيني الجميل على يد إحدى القبائل الكنعانية المعروفة بالجرجاشيين في الألف الثالث قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وسميت المدينة عكو، أي الرمل الحار. وتقع عكا المدينة في الطرف الشمالي لخليج عكا، ويدل موقعها بين رأس الناقورة شمالاً وجبل الكرمل في وسط فلسطين على أهمية عامل الحماية واختيار الموقع. وأثرت هذه الصفة في البعد الاستراتيجي لموقع عكا منذ إنشائها.
تعتبر وظيفة عكا العسكرية من أهم وظائف المدينة التي تمتاز بها عن غيرها من مدن الساحل الفلسطيني الجميل، الذي يمتد لأكثر من مائتي كيلومتر من الشمال حتى جنوب فلسطين المحتلة، وتؤكد أسوار مدينة عكا وحصونها وقلاعها وأبراجها المحيطة بها من جهتي البر والبحر على الأهمية الدفاعية في وجه الطامعين من الأقوام المختلفة.( نبيل محمود السهلي باحث فلسطيني )
قضاء عكا: يحده من الشمال لبنان ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشرق قضاءا صفد وطبرية ومن الجنوب قضاء الناصرة.وفي العهد العثماني كان قضاء عكا يضم في عام 1317هـ: 1899م ثلاث نواح و58 قرية . تقع عكا على خط عرض 55 32 شمالاً، وعلى خط طول 04 35 شرقاً. أُقيمت على موقع يساعد على الدفاع عنها بسهولة. وقوعها بين رأس الناقورة وجبل الكرمل، وتلال الجليل ومستنقعات النعامين; كما كانت ميناء لحوران والجليل وغيرها من البلادالمجاورة.
حملت مدينة عكا عدة أسماء عبر عصورها التاريخية ، ففي العصر الكنعاني أطلق عليها مؤسسوها اسم عكو وهي كلمة تعني الرمل الحار وسماها المصريون عكا أو عك، وفي رسائل تل العمارنة وردت باسم عكا ، ونقلها العبريون بالاسم نفسه، ذكرها يوسيفوس فلافيوس باسم عكي، ووردت في النصوص اللاتينية باسم عكي، وفي النصوص اليونانية باسم عكي .
أخذت المدينة اسم ACKON عكون إبان حكم الفرنجة لها، كما سميت d’acre -Saint - Jean وقبل ذلك في العهدين الكلاسيكي والبيزنطي حملت اسم بتوليمايس، وظلت تحمله من القرن الثالث حتى القرن السابع الميلادي. وعندما جاء العرب سموها عكا معيدين لها اسمها الكنعاني القديم بتحريف بسيط ، وبعد أن أتى اليهود إلى فلسطين أعادوا اسمها الكنعاني من دون تحريف وسموها مرة أخرى "عكو" وهو متداول إلى يومنا هذا .
فتح عكا الصحابي شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه سنة 16 هـ.
وهي مدينة من أهم مدن الشام وأبرز مرافئها في القديم ولها تاريخ طويل. كانت في العصر الأموي ميناء جند الشام وبها دار صناعة للسفن ومرفأ حصين. دخلها الصليبيون سنة 497 هـ وكانت آخر مدينة خرجت من أيديهم في بلاد فلسطين سنة 691 هـ.(تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية)
إن عكا مدينة عريقة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط في نهاية الرأس الشمالي لخليج عكا، وقد كان لهذا الموقع أهمية في جعل مدينة عكا تتعرض لأحداث جسام عبر تاريخها .
إن مدينة عكا تعتبر ذات موقع إستراتيجي مهم فهي صلة الوصل بين العرب النصراني والشرق المسلم فعلى كل من يحتل فلسطين أن يسيطر عليها لتكون نقطة انطلاق منها إلى سائر فلسطين وهذا ما فعله ريتشارد قلب الأسد أبان حروبه الصليبية مع صلاح الدين رحمه فقد استقتل ريتشارد للحصول على تلك المدينة الإستراتيجية وحاصرها لمدة عامين وجعل كل مقدرات أوربا من مال ومؤن ورجال مسخرة لاحتلال تلك المدينة وبالفعل بعد سقوطها بعد قتال شرس من قبل المدافعين عنها تقدم ليحتل الساحل الفلسطيني إلى عسقلان . ولكن جبنه منعه من التقدم نحو بيت المقدس.
تقدم نابليون نحو فلسطين: كانت القوة الصاعدة الفرنسية في أوربا تنافس القوة البريطانية وتهدد طموحاتها ومستعمراتها التقليدية. لقد أراد نابليون وعبر احتلاله لمصر ومن ثم فلسطين أن يحقق عدة منجزات ليضمن سيطرة فرنسا على الوضع الدولي .
من ضمن المقاصد لحملة نابليون أولاً قطع طريق الهند على بريطانيا وبالتالي مضايقتها والتحكم في الطرق بينها وبين مستعمراتها . والمقصد الثاني هو احتلال الشام ومن ثم التقدم إلى اسطنبول لإسقاط الخلافة العثمانية. وان كان الهدف المعلن لنابليون هو إقامة منطقة عازلة بينه وبين الدولة العثمانية في تركيا. في شهر شباط عام 1799م/1214هـ, توجه نابليون على رأس جيش فرنسي قوامه 13,000 جندي بحملة عسكرية نحو فلسطين. تقدم الجيش الفر نسي من الجهة الجنوبية لفلسطين فاحتل العريش في 22 شباط وتقدم نحو غزة فاحتل خان يونس ثم غزة بالكامل وبعدها احتل اللد والرملة. بعد ذلك اتجه نابليون وقواته نحو يافا فاحتلها في 7/3/1799 بعد مقاومة شرسة وباسلة من أهلها.
بعد احتلال يافا قام الفرنسيين بارتكاب مجزرة بشعة ضد سكان المدينة تدل على دناءة هذا المحتل حيث اعدم الجيش الفرنسي ألفين من الأسرى الموجودين في تلك المدينة والتابعين لحاميتها واعدم ألفين آخرين من المدنيين وغيرهم حتى عد من قتل في تلك المجزرة الرهيبة بأربعة آلاف قتيل رحمهم الله ولكن كما قال تعالى {اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }فاطر43 . إن تفسخ آلاف الجثث التي أزهقت في يافا سببت انتشار الطاعون الذي فتك بجيش نابليون وكان احد أسباب هزيمته في عكا وكما قال تعالى {... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }المدثر31.
لقد تقدم نابليون باتجاه الطريق الساحلي وكما فعل سلفه ريتشارد قلب الأسد وتجنب التوغل باتجاه المناطق المفتوحة وذلك لكي يكون قريب من الساحل فيتجنب محاصرته علاوة على ضمان طرق الإمداد عن طريق البحر . بعد سقوط الرملة قام أهل القدس بتحصين المدينة واستعدوا لملاقاة قوات نابليون ولكنه لم يتوجه إليها خشية انكسار عسكري . والمسألة الثانية هي أن أهل بيت المقدس تصرفوا بحكمة حيث : ردوا على رسالة كانوا قد تلقوها من نابليون بتسليم المدينة المقدسة أن القدس فيها أماكن إسلامية مقدسة وكذلك أماكن مقدسة عند النصارى ولا يريدون أن تتأذى تلك الأماكن من الحرب ثم إنهم تابعون لولاية عكا فان سيطر عليها أعطى الأوامر للقدس . كان أهل بيت المقدس واثقين من صمود وصلابة عكا لذلك حاولوا كسب الوقت لصالحهم .
بعد احتلال يافا تقدم نابليون نحو الشمال باتجاه عكا لاحتلال المدينة وسلك الطريق الساحلي وخلال تقدم الجيش الفرنسي واجهته بعض الصعوبات من قلة المؤن والعتاد كما أن التعب قد حل بالجنود بالإضافة إلى ذلك خسارة عسكرية بالقرب من نابلس لكن وصول إمدادات عسكرية من مصر بقيادة الجنرال كليبر عزز موقف نابليون في احتلال حيفا ومن ثم اتجهت القوتين إلى الهدف المقصود وهو احتلال عكا بجيش قوامه اثنا عشر ألف جندي وبذلك أصبح نابليون وجها لوجه أمام والي عكا احمد باشا الجزار.
احمد باشا الجزار في عكا:
ينحدر الجزار من عائلة بوسنية حيث ولد عام عام 1734 م وقضى خمسين سنة من عمره في ساحات المعارك تحت راية الدولة العثمانية وهو قائد محنك وكان يبلغ من العمر سبعين عاما عندما أوكل إليه السلطان سليم الثالث مهمة الدفاع عن المدينة ورقاه إلى درجة وزير.
من حنكة القائد احمد الجزار انه منذ سمع بنزول الجيش الفرنسي على شواطئ مصر تحسب لذلك واخذ يشرع في تحصين أسوار مدينة عكا و اهتم الجزار ببناء مرابض للمدفعية وتشييد خندق حول الأسوار بعمق ثمانية أمتار .ونصب قرابة 250 مدفعا للدفاع عنها بالإضافة للمدافع الكبيرة والآلاف من القنابل وكميات كبيرة من البارود كذلك .
كما اهتم بتخزين المؤن من الغذاء والقمح والأرز وتوفير كميات كافية من المياه في الفترة التي سبقت وصول الجيش الفرنسي إلى عكا. وذلك استعداداً لوقت الحصار وغيرها من مستلزمات الصمود.
ونادى الجزار في الناس ووقف فيهم خطيباً يحثهم على الجهاد والنصر أو الشهادة، واستجاب له أهل المدينة بأسرهم وتجهزوا لمقاومة نابليون الذي حاصر المدينة طويلاً.
حصار عكا : وصلت القوات الفرنسية بقيادة نابليون إلى عكا وفرضت الحصار عليها تركزت قيادة الجيش الفرنسي,على هضبة إلى الشرق من مدينة عكا تدعى بتل الفخار عرفت فيما بعد بتل نابليون.
أما الجهة الغربية وهي جهة البحر فقد بقيت بعيدة عن سيطرة الفرنسيين وذلك لوجود الأسطول الانكليزي الذي ساعد أهل عكا في الصمود وذلك لمصالح بريطانية حيث كان نابليون العدو اللدود الذي يهدد طموحاتهم وصدق الله {... وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } البقرة251
بدأ نابليون بإرسال رسالة للجزار مفادها "إنني الآن أمام قلاع عكا، ولن يكسبني قتل شخص هرم مثلك شيئاً... لذا فأنا لا أرغب في الدخول معكم في معركة... كن صديقاً وسلم هذه المدينة دون إراقة الدماء.
كان يتوقع نابليون ومن خلال تلك الرسالة التي استخف بها بالقائد العثماني أن الحرب على عكا هي نزهة ولن تصمد المدينة بيده سوى أيام . ولكن كان رد الجزار قاسيا فقد رد عليه برسالة ملئها العزة والكبرياء حيث قال نحمد الله تعالى لكوننا قادرين على حمل السلاح، وقادرين على الدفاع... إنني أنوي أن أقضي الأيام القليلة الباقية من عمري في الجهاد ضد الكفار.
بعد وصول هذا الجواب تيقن نابليون أن لا مفر هناك من القتال واخبر جنوده انه وخلال يومين سوف يكونون في وسط المدينة. وفي اليوم الثاني... 19مارس 1799م بدأت المعركة. وقامت المدفعية الفرنسية بإطلاق حممها على قلاع المدينة وأسوارها ولكن المدافعين أبدو بسالة فائقة في الصمود فاجأت القائد المتغطرس نابليون لقد كان الهدف من القصف المدفعي هو إحداث ثغرات في سور المدينة يستطيع منها دخول الجيش الفرنسي وبالفعل من شدة القصف حدثت بعض تلك الثغرات التي وفرت فرصة للمهاجمين بالدخول للمدينة, ولكن كان جنود الجزار لهم بالمرصاد بل في احد المرات تصدى احمد الجزار بنفسه لهجمات الجيش الفرنسي حيث كان يحمل مسدسين مسدس في كل يد ويشجع الجنود على الصمود وبالفعل تقهقر الجيش الفرنسي الذي هبطت معنوياته على العكس من جنود الجزار الذين ارتفعت معنوياتهم .أمر بونابرت بهجوم آخر في أول نيسان، وفي هذا الهجوم جرح أو قتل جميع المهاجمين تقريباً.بدأت أحلام نابليون تتبخر في إحراز نصر سريع على تلك المدينة وتيقن أن هذه الحرب ليست نزهة . فطلب مزيد من المدافع . استمر القصف المتبادل من الجانبين وفي احد المرات احتل الجنود الفرنسيون احد أبراج المدينة وأحدثوا ثغرا في السور وتسللوا إلى داخل المدينة وكان عددهم 200 جندي ولكن حنكة الجزار كانت لهم بالمرصاد حيث ترك الفرنسيين يتسللون دون مقاومة واستدرجهم إلى الداخل حيث تم تطويقهم ومن ثم قتلهم عند حدائق الجزار.
قوبل المهاجمون المندفعون كالمجانين عند الثغرة بأفتك نيران مضادة صبت على الفرنسيين في حصار عكا. حتى تم قتل وجرح نصف القوة المهاجمة . وكان من بين القتلى جنرالان وبعض ضباط أركان الحرب. بعد هذه الخسائر الفادحة أصبحت القناعة بعدم الجدوى من احتلال المدينة تتسرب إلى نفس نابليون . لقد صب الجيش الفرنسي حممه ليلا ونهارا على المدينة وأسوارها حيث تم نصب المشاعل لهذا الأمر ولكن كان الجنود المدافعين ببنادقهم ورصاصهم وسيوفهم وحرابهم بالمرصاد لكل مهاجم.
لقد تكبد الفرنسيون خسائر كبيرة من جراء حصارهم للمدينة وكثرة الهجمات عليها. ونتيجة عدم جدوى تلك الهجمات رغم مرور الوقت وكثرة الخسائر يوم بعد يوم والتي وصلت إلى فقدان نصف الجنود الفرنسيين تقريبا . وبعد 63 يوماً من القتال الشرس المتبادل بين الطرفين قرر نابليون الانسحاب وفك الحصار عن المدينة وهو يجر أذيال الخيبة والخسران .
لقد كانت هذه المعركة البرية الوحيدة التي خسرها نابليون وكانت وسام شرف يعلق على صدر تلك المدينة الباسلة.
ومن التعبير عن يأس وهزيمة نابليون وحقده على تلك المدينة أمر بقذفها بكل ما لديه من مدافع وخاصة قصر الجزار ولأربعة أيام متوالية من 12 إلى 15 أيار .
وكان قصد نابليون بالإضافة إلى الانتقام من المدينة التي أذلته هو توفير مظلة لانسحابه من حولها . وكذلك لحفظ ماء وجهه انه استطاع أن يدمر عكا.
وأخيراً وفي الساعة الثامنة بعد هبوط الظلام، من يوم 20 أيار من عام 1799م اخذ ت قوات نابليون بالتراجع بعد حصار امتد 63 يوماً: من 9 آذار 1799 إلى 20 أيار من السنة نفسها.
و صعد الجزار على السور وأمرّ رأسه فرأى أن معسكر الفرنسيين خلا ممن فيه وان عكا محاطة بنطاق من الجثث البشرية.
وهكذا فشل نابليون، القائد الأسطوري الذي دوخ العالم، في حملته على فلسطين، وتبخرت أحلامه بتأسيس إمبراطورية نابليونية.
ولما فشل خلع قبعته وأطارها في الهواء صوب السور وقال إن لم استطع دخولك فلتدخلك قبعتي . وقال قولته المشهورة بعد اندحاره في عكا لقد أنستني عكا عظمتي.
وبذلك ينطوي يوم من أيام المسلمين العظيمة والتي اعز فيها الله أولياءه بالانتصار على أعداء الله من أهل الكفر والضلال .
لقد سجل العثمانيون موقفاً مشرقاً مشرفاً كما سجلت من قبلهم وعلى مدى التاريخ الإسلامي دول إسلامية حكمت فلسطين وحافظت عليها وحررتها من كل معتدي ومغتصب .
هذا الموقف العظيم مع موقف السلطان العثماني عبد الحميد رحمه الله يضاف إلى موقف الدولة التركية في مساعدة أهلنا في غزة والدفاع عن حقوقهم يحسب لإخواننا الأتراك المسلمون حفظهم الله . نسأل الله أن يسدد خطواتهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين اللهم آمين .
وليد ملحم
مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية- اليمن