كحال باقي اللاجئين الفلسطينيين المشتتين في الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، يعيش نحو 88 ألف لاجئ فلسطيني في العراق أوضاعًا مأساوية، غير أن معاناتهم تضاعفت في أعقاب الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على العراق .
وقد أعادت قضية اللاجئين الفلسطينيين العالقين على الحدود الأردنية العراقية، الذين فروا من معاناتهم في العراق، ورفضت عمان استقبالهم على أراضيها، مسألة "فلسطينيي العراق" إلى واجهة الأحداث .
وتبرر الحكومة الأردنية قرارها القاضي بمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين بعدم حصولهم على تصاريح خاصة، وعدم وجود تنسيق مسبق مع السلطات العراقية في هذا الشأن، مبدية تخوفها من حصول هجرات جماعية إضافية من العراق.
وفي مطلع أبريل 2006، وصل عدد الفلسطينيين العالقين على الحدود الأردنية العراقية، وتحديدًا في مخيم يقع بين معبري طريبيل العراقي والكرامة الأردني، لنحو ألف لاجئ، بحسب مركز العودة الفلسطيني .
وبدأت مأساة "فلسطينيي العراق" عقب دخول القوات الأمريكية إلى العاصمة العراقية بغداد، حيث بات ينظر إليهم على كونهم من أنصار الرئيس العراقي المخلوع، صدام حسين، أو من المتعاملين مع تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، الذي يتزعمه الأردني أبو مصعب الزرقاوي.
وبدأ الفلسطينيون المقيمون في ضواحي العاصمة بغداد (دور شئون الحكم، البلديات والحرية، السلام)، يتلقون تهديدات بالقتل، وتحذيرات من البقاء في البلاد .
ويقول عدد من أفراد الجالية الفلسطينية المقيمين في العراق: إنهم تلقوا تهديدات من جهة "مجهولة" تطالبهم بالخروج من العراق، مشيرين إلى منشورات بهذا الصدد تحمل توقيع "سرايا يوم الحساب".
واتهمت تلك المنشورات الفلسطينيين الذين يعيشون بالعاصمة العراقية منذ عقود بالتعاون مع من سمتهم "الوهابية التكفيرية، والنواصب، والبعثية الصدامية"، وطلبت المنشورات من الفلسطينيين الرحيل من البلاد، وإلا سيكونون هدفًا للتصفية الجماعية.
كما أن هناك تهديدات أخرى من قبل أشخاص مجهولين تدعو الفلسطينيين إلى الرحيل من بيوتهم التي يقطنون فيها، بحجة أن هذه البيوت كانت ملكًا لهم، وأنه تم تهجيرهم منها في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
الجدير بالذكر، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق يقترب من 88 ألف لاجئ، حيث يعيش هؤلاء اللاجئون في ظروف معيشية صعبة، وذلك بعد أن هجرتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي إثر احتلالها للأراضي الفلسطينية، بعد الحربين اللتين خسرهما العرب في عامي1948، و1967.
غير أن مفوضية شئون اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا"، تقول: إن العدد لا يتجاوز الـ 35 ألف لاجئ .
وبدأت عملية تهجير الفلسطينيين إلى العراق، عندما شكّل الجيش العراقي الذي كان موجودًا في فلسطين إبان النكبة "فوج الكرمل الفلسطيني" من أبناء بعض القرى جنوبي مدينة حيفا والمثلث، وقام بنقل أسرهم في صيف 1948 إلى العراق.
وفي أعقاب النكبة بدأت القوات الصهيونية في تهجير الفلسطينيين عنوة من مناطق: أجزم، وعين غزال، وجبع، وصرفند والمزار، وعارة، وعرارة، والطنطورة، والطيرة، وكفرلام، وعتليت، وأم الزينات، وأم الفحم، وعين حوض، واتجه معظم المهجرين صوب العراق .
نمو سكاني
أعدت اللجنة العربية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من باريس مقرًا، تقريرًا موسعًا عن أوضاع الفلسطينيين في العراق، يقوم على دراسات متعددة، وزيارات ميدانية للاجئين الفلسطينيين .
وتوثق الدراسة، التي نشر مركز العودة الفلسطيني مقتطفات منها، كيف تولت وزارة الدفاع العراقية رعاية وإدارة شئون الفلسطينيين منذ قدومهم إلى البلاد، وتم إسكانهم أول الأمر في معسكرات الجيش في الشعيبة في البصرة وبعض النوادي في الموصل وفي المحافظات العراقية كأبي غريب، والحويجة، وبعض المدارس والمباني الحكومية.
ووفقًا للدراسة، استمر الحال على نفس المنوال حتى عام 1958، أي عندما جرى الاتفاق بين الحكومة العراقية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" على تكفل الأولى برعاية الفلسطينيين، مقابل إعفاء العراق من التزامات مالية مع الأمم المتحدة.
وتقول الدراسة: إنه بعد عام 1950 أصبح المسئول عن رعاية وإدارة شئون اللاجئين وزارة العمل والشئون الاجتماعية، التي أنشئ فيها قسم خاص يعنى بالفلسطينيين، لكن دون ترافق ذلك بأي قانون يحدد طبيعة إقامة الفلسطينيين.
وإثر عام 1950 الذي شهد انتقال المسئولية لوزارة الشئون الاجتماعية؛ أعيد توزيع الفلسطينيين وفق نظام السكن الجماعي في الملاجئ والمواقع التي منحتها لهم الحكومة العراقية.
وأضافت أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين بدأت في التزايد مع ثبات الواقع المعيشي والسكني .
ففي العاشر من أبريل 1969، بلغ عدد المسجلين في مديرية شئون اللاجئين 13743 لاجئًا، منهم 13208 نسمات في بغداد، و335 نسمة في الموصل، و200 نسمة في البصرة.
وبعد ذلك بعشر سنوات قدرت منظمة التحرير الفلسطينية العدد بما مجموعه 19184، وفي 1986 أعطت هيئة الإحصاء بوزارة التخطيط العراقية رقم 27 ألف لاجئ.
كما تبين الدراسة أن معظم التقديرات التي صدرت بعد العام 2001، أظهرت أن عدد الفلسطينيين في العراق بات نحو 35 ألف لاجئ .
وتؤكد الدراسة أنه في حال تم تتبع باقي الفلسطينيين الذين دخلوا العراق بعد 1967 و1970، وبعد حرب الخليج الثانية، يمكن القول: إن هناك ما يقارب هذا العدد ممن يحملون وثائق وجوازات سفر عربية مختلفة.
إلا أنها أوضحت أن هذه الفئة غير مشمولة بتعريف اللاجئ الذي يشترط فيه أن يكون من منطقة احتلت منذ 1948، وأن يكون قد دخل العراق وأقام به قبل نهاية شهر سبتمبر من العام 1958.
ولغرض جمع الشمل أجيز ضم الزوجة إلى زوجها الفلسطيني المسجل كلاجئ قبل عام 1961، في حين لا يجوز ضم الزوج إلى الزوجة.
أما ميزانية مديرية شئون الفلسطينيين في وزارة الشئون الاجتماعية والعمل فقد بلغت 200 ألف دينار عراقي، وهي ميزانية بقيت ثابتة من 1950 إلى ما بعد 1970؛ رغم تضاعف عدد اللاجئين، حسب الأرقام التي ذكرتها الدراسة .
الحياة في الملاجئ
وبحسب الدراسة، فقد اتبعت الحكومات العراقية نظام الملاجئ كحل مؤقت لمشكلة اللاجئين، ويضم الملجأ بيتًا كبيرًا أحيانًا يقع في ثمانين غرفة، ويضم 24 أسرة كحد أدنى و61 أسرة كحد أقصى.
وتنحشر الأسر اللاجئة داخل الجدران المتهدمة والسقوف المهترئة؛ بواقع غرفة واحدة لكل أسرة مكونة من ستة أفراد، وإن زاد العدد عن هذا يُفرد لها قانونًا غرفتان.
غير أن الواقع في أغلب الأحيان لا يتماشى مع القانون، ما يضطر الأسرة في معظم الحالات، إلى أن تقسم الغرفة الواحدة التي لا تتجاوز كثيرًا اثني عشر مترًا مربعًا إلى قسمين بواسطة بطانية أو ملاءة.
وترصد الدراسة، المناطق التي يسكنها الفلسطينيون في بغداد في عام 2003، وذلك حسب البيانات والمعاينات الميدانية. ففي منطقة البلديات، يوجد أكبر تجمع فيه حوالي 1600 أسرة موزعة على 768 شقة في 16 عمارة سكنية.
وتشير إلى أن هناك ستة ملاجئ متوسطة الحجم في بغداد الجديدة كانت مستوصفات بيطرية لمعالجة الحيوانات.
كما أنّ هناك 24 بيتًا حكوميًا شعبيًا صغيرًا في تل محمد، وثلاثة ملاجئ: أحدها آيل للسقوط في حي الأمين وعدد شققها 45، وثلاثة ملاجئ في الزعفرانية وثماني بيوت حكومية شعبية في وضع لا إنساني، علاوة على ثلاثة ملاجئ في حي الحرية: أحدها كبير، والآخران متوسطان مع بيوت حكومية صغيرة مجموعها 129 بيتًا.
وهناك البيوت المجمدة، وهي بيوت متقادمة تعود ليهود عراقيين رحلوا إلى فلسطين المحتلة، وتقع في حي السلام، وبيوت حكومية شعبية صغيرة عددها 68، وثمة بيوت متنوعة ومتناثرة في البتاوين وحي الجهاد وأبو تشير وغيرها عددها يقارب 68 بيتًا.
ومؤخرًا ارتبطت الدور المستأجرة، وهي دور عادية تستأجرها إدارة شئون الفلسطينيين بالعراق لغرض إسكان اللاجئين الفلسطينيين فيها، بمعاناة التشرد الفلسطيني. إذ كانت الإدارة تدفع في الثمانينيات إيجارًا سنويًا يقدر بحوالي 24 ألف دينار.
وتختتم الدراسة حديثها عن الوضع المعيشي للفلسطينيين، قائلة: إنه بمجرد سقوط نظام صدام حسين، هجم أصحاب هذه المنازل يطالبون بها؛ لأنّ الحكومة كانت تستأجرها بأسعار قليلة، ولا تزيد مع الزمن، فوجدوا في فراغ السلطة الفرصة للتخلص من الفلسطينيين المقيمين بها.
ومما يذكر أن القانون العراقي لا يساوي بين اللاجئين الفلسطينيين، والمواطنين العراقيين من حيث الامتيازات المعيشية، وفرص العمل والتعليم .
حيث يعامل الفلسطيني كأجنبي، على الرغم من الخطاب العاطفي الذي كان يتبناه النظام العراقي السابق عند الحديث عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين .
ويشار إلى أن هناك قرارات عدة صادرة عن الجامعة العربية، تحظر توطين اللاجئ الفلسطيني في الدول العربية التي يقيم فيها، وذلك بحجة تدعيم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لوطنهم الأم، فلسطين .
وبذلك أصبح اللاجئون الفلسطينيون في العراق يبحثون عن مكان جديد للجوء آخر، بعدما باتوا أطرافًا في معادلة جديدة مفروضة عليهم، غير أن العامل المشترك بين اللجوء الأول واللجوء الثاني، هو أنهما ناتجان عن عدوانين أجنبيين: الأول على موطنهم، والثاني على ملجئهم .