وبعد تشريد شعبنا عام 1948م عدة سنوات في ظل وعد عربي بقرب يوم
التحرير والعودة تململ شعب فلسطين في المهاجر، وكون شبابه تنظيمات أخذت على عاتقها
العمل ذاتيا من أجل التحرير والتخلص من «"إسرائيل"» المغتصبة واشتعلت
الثورة الفلسطينية في كل فلسطين، وساعد العرب على تعدد المنظمات، وشقت حركة فتح
طريقها وتزعمت حركة "النضال" المسلح وحظيت بتعاطف مصر بزعامة جمال عبدالناصر
ومعظم الدول العربية، وأصبحت ثورة فلسطين ذات سمعة دولية حتى بعد وفاة جمال عبدالناصر.
لكن شباب هذه الثورة المتصاعدة تدخل الدول العربية ومساهمتها في
تمزيق الصف الثوري فكانت لسوريا منظمة الصاعقة وللعراق منظمة الجبهة العربية ولمصر
من يسير في خطها، وللأردن أصدقاؤه؛ مما ساهم في تعدد الشعارات وتعقد تبني
الشعارات، وسادت الخصومات والانشقاقات مما أعاق العمل "النضالي" وتعثره
وفقدان تعاطف الآخرين، وكان يجب أن يسود الأسلوب الجزائري في ثورته ضد فرنسا، حيث
فرضت جبهة التحرير الجزائرية كلمتها وسيطرت خلال ثورتها على ساحة الثورة كلها حتى
جنت النصر على فرنسا، بينما تركت حركة فتح الأمور سائبة رغم أن هناك منظمات كان
يجب أن تختفي وتذوب في كيان المنظمة الأم وتخضع لإرادتها وتتوحد الكلمة ويتوحد الصف
ويتكاثف العمل "النضالي" وتتضاعف الثمرة فكان أن تركنا سوس الفرقة يمزق
الصف ويزيد من العثرات والمعوقات إلى أن أصبحنا كما مبعثرا وكيانا مهملا دوليا
وأصبحت كلمتنا غير مسموعة، ووقعنا اتفاقا منفردا مع «"إسرائيل"».
ثم قامت «إسرائيل» بالتنكر لهذا الاتفاق الذي لم يكن واضح المعالم،
ولم يجمع كل الشعب الفلسطيني على هذا الاتفاق، بل إن دولا عربية حرضت على هذا
الاتفاق مما ساهم في ظل القيادة الفلسطينية الحالية على ضعف الإرادة الفلسطينية
والموقف الفلسطيني، وفقدان المؤازرة الفعلية القوية من قبل الأنظمة العربية. ولا
شك أن سيرنا مدة عشرين عاما في طريق التسوية المخادعة والسلام الزائف وسيطرة حركة
فتح وحيدة على القرار الفلسطيني بمساعدة دولية أمريكية "إسرائيلية"
أوروبية في ظل تأييد أو مباركة شبه عربية، لا شك أن كل هذا قد ساهم في ضعف الصف
الجهادي بزعامة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، خاصة بعد أن ساهمت أحوال العرب
والفلسطينيين في تسرب اليأس إلى نفوس الشعب الفلسطيني؛ بحيث بات مرغما على تقبل أي
حل يريده العالم الأعور الذي لا يرى إلا بعين واحدة، ولا مكان فيه للعدل وسيادة
الحق الذي بات ذبيحا.
ومصيبة شعبنا أنه رزئ في سنواته الأخيرة التي يعيشها اليوم بقيادة
تعاكس الواقع وتصر على القول بما لا يتفق والحقائق بكلمة «لا»، تقولها في كل مكان
وباستمرار وتستمر في الجلوس على كرسي السلطة رغم انتهاء مدتها المستحقة وربما
انتهاء صلاحيتها والمهم أنها لا تسأم ترديد عبارات: نريد دولة على كل الأراضي التي
احتلتها «"إسرائيل"» بعد يوم 4 يونيه 1967م غير منقوصة ولو شبرا واحدا
ونحن أحرار في عودة كل الشعب الفلسطيني إلى أراضي دولته المستقلة هذه.
ورئيس السلطة قد يعانق الثمانين عاما بعد عام، ولكنه يتكلم ولا يمل
وهو يحرم على الإطلاق أية محاولة من قبل شعبنا للانتفاضة مرة ثالثة ضد الاحتلال،
كما يحرم أي عمل ضد «"إسرائيل"»، وإذا كان هو يراهن على المقادير و"الصدف"
فنحن نقول معتمدين على المقادير و"الصدف" ونقول لمتحف عواجيز اللجنة
التنفيذية. من يدري فقد تتغير قيادة شعبنا ذات الكلمة الزئبقية، وقد تتعرض دولة
الصهاينة لواقع جديد وظروف خاصة طارئة فتنقلب الطاولة على رأس عدونا، ويتدخل سلاح
جديد ويأتي نصر الله لشعبنا وتزول الغمة، وإنا لنراها واضحة جلية؛ حيث ستقوم دولة
فلسطين بعون الله على كل فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
المصدر : صحيفة السبيل الأردنية
6/7/2013