عاش الفلسطينيون في العراق أياماً صعبة امتدت من بداية العام الجديد حتى اليوم، والكلام هنا على مجمّع البلديات، أكبر التجمعات الفلسطينية في العراق، الذي ذاع صيته بسبب ما تعرض له من هجمات وحملات دهم، وكان شهر شباط (فبراير) الماضي من أكثرها شدة وصعوبة على أهالي المجمّع، فقد جرى دهمه وتفتيشه سبع مرات خلال شهر واحد، وهذا يُعدُّ رقماً قياسياً، فلو عرفنا أن مساحة هذا المجمع هي (300م* 400م) لأدركنا أن سبع مرات رقم كبير جداً على هذه مساحة.
النساء في المجمع يرتدين غطاء الرأس دائماً، خوفاً من دخول القوات الأمنية فجأة، ودخول القوات الأمنية يعني دخولها إلى الشقق السكنية، ويمكن تخيّل شقة سكنية مكونة من غرفتين تدخلها مجموعة من عناصر الأمن بأسلحتهم، فأين ستكون العائلة؟ وما هو شعور أفرادها، وخاصة رب الأسرة وهو يرى عنصر الامن يعبث بمحتويات المنزل ويفتح خزانة الملابس التابعة للنساء والرجال؟ وتخيل أن يكون في هذه العائلة شابات وأطفال، وأطلق العنان لمخيلتك عندما يكون عنصر الأمن هذا معبّأً ضد الفلسطينيين بأنهم هم من يقتل النساء والأطفال، وأنهم هم من قتل زميله في العمل، فكيف سيكون سلوكه؟
تبرَّر هذه الأفعال دائماً بحجج أصبحت مستهلكة من كثرة استخدامها، فإيواء العناصر الإرهابية وحيازة الأسلحة ودعم الإرهاب حجج يسمعها الفلسطينيون مع كل دهم أو تفتيش، ولن يستطيع الفلسطيني أن يتصدى لمثل هذه التهم، وخصوصاً عندما تصدر عن جهة رسمية كالقوات الأمنية، فهي الخصم والحكم.. فمن الذي سيحكم بين الخصم والحكم؟!
من المهم أن يكون هناك طرف ثالث في العلاقة بين اللاجئين الفلسطينيين في العراق والحكومة، طرف ينصف من بقي من الفلسطينيين في العراق ممن ضاقت عليهم الأرض.
هذا الطرف يكون أممياً وعراقياً بشكل مشترك أو منفصل، أما في كونه أممياً، فإن حماية اللاجئين جزء من المسؤوليات التي تقوم بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وهو واجبها، وما يحدث للاجئين الفلسطينيين في العراق انتهاك صارخ وتهديد حقيقي يجب أن تتخذ فيه الأمم المتحدة إجراءات تتناسب مع حجم المعاناة.. وأن يكون هذا الطرف عراقياً كوزارة حقوق الإنسان، لكي لا يُعَدّ وجود طرف ثالث مساساً بالسيادة العراقية!!، طرف يكون حاضراً في عمليات الدهم ويطلع على الانتهاكات التي تحصل، ويطلع على مشروعية هذه العمليات من الناحية القانونية.
المصدر: مجلة العودة – العدد الحادي والثلاثون – نيسان/ أبريل 2010