هل يحتفل المسلم برأس السنة الهجرية؟ - د. ربيع أحمد

بواسطة قراءة 1507
هل يحتفل المسلم برأس السنة الهجرية؟ - د. ربيع أحمد
هل يحتفل المسلم برأس السنة الهجرية؟ - د. ربيع أحمد

 

ولعل البعض يتساءَل: ما هذا الأمر الذي ظاهره أنه أمرٌ محبوب مشروع، وهو مكروه مُبتدع؟

والجواب أن هذا الأمر هو: الاحتفال برأس السنة الهجريَّة.

 

والهدف مِن هذه الكلمة هو بيان عدم مشروعيَّة الاحتفال برأس السنة الهجرية، ومما يسترعي الانتباه أنه عند النظَر في كُتب أهل العلم، نجد عدم وجود دليلٍ من الكتاب أو السنة أو فعْل السلف الصالح على مشروعية الاحتفال برأس السنة الهجرية.

 

ولعل البعض يمكن أن يقول:

إذا لم يوجد دليلٌ مِنَ الكتاب أو السنة، أو فعْل السلف الصالح على مشروعيَّة الاحتفال برأس السنة الهجرية، فلا بأس بالاحتفال؛ لأن مسألة الاحتفالات هذه مرجعها إلى أعراف الناس، فلا بأس باستحداث احتفالات لهم للتهاني وتبادُل الهدايا، ولا سيما في الوقت الحاضر؛ حيث انشغَل الناس بأعمالهم وتفرَّقوا، فهذا من البِدَع الحسَنة والأعياد من العادات، وليس من العبادات، والأصل في العادات الإباحة.

 

والجواب:

فرْقٌ بين الاحتِفال لحدَثٍ عارض لا يتكرَّر كالزواج، وولادة المولود، وقدوم الغائب، ونجاح الطالب، والحُصُول على وظيفة، والشفاء مِنْ مرضٍ، والنجاة من هلاك، وبين تَكرار الاحتفال بحدثٍ؛ كالمولد النبوي، ورأس السنة الهجرية، ورأس السنة الميلادية، وميلاد الشخص؛ فالأول من الاحتفال المباح، والثاني يُعتبر من الأعياد المحرَّمة.

 

وإن قيلليست هذه أعيادًا، بل احتفالات.

فالجواب: العبرةُ بالحقائق والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، والعبرة بالمسمَّيات، لا بالتسميات، وقد سُمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كلَّ سنة بفرحٍ مجدَّد[1]، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع: أعياد.

 

وقال القاضي عياض"سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود ويتكرَّر لأوقاته، وقيل: يعود به الفرح على الناس، وكلاهما متقارب المعنى، وقيل: تفاؤلاً لأن يعود ثانية على الإنسان"[2].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجهٍ مُعتاد، عائد: إما بعَوْد السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك"[3].

 

وقال ابن القيِّم - رحمه الله -: "العيد: ما يُعتاد مَجيئه وقصْده من زمان ومكانٍ مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسمًا للمكان، فهو المكان الذي يُقصَد فيه الاجتماع والانتياب بالعبادة وبغيرها، كما أن المسجد الحرام ومِنًى ومُزدلفة وعرفةَ والمشاعر - جعَلها الله تعالى عيدًا للحُنفاء ومثابةً للناس، كما جعل أيام العيد منها عيدًا، وكان للمشركين أعيادٌ زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطَلها وعوَّض الحُنفاء منها عيدَ الفطر وعيد النحر، كما عوَّضهم عن أعياد المشركين المكانية بكعبة ومِنًى ومُزدلفة، وسائر المشاعر"[4].

 

وقال بدر الدين العيني: "سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كلَّ سنة"[5].

 

وهذا الاحتفال برأس السنة الهجرية أو الميلادية، أو المولد النبوي أو غير ذلك - يعود كل سنةٍ بفرحٍ مُجدَّد، فهو عيد لذلك، وهو داخل في الأعياد، والأعياد إما مشروعة، أو محرَّمة، والأعياد المشروعة هي: عيد الفطر والأضحى، وخلاف ذلك فهو عيدٌ محرَّم.

 

والدليلُ على ذلك أن أنس بن مالك قال: "كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يَلعبون فيهما، فلما قدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، قال: ((كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى))"[6].

 

ووجه دَلالة الحديث على حرمة الاحتفال بأي عيد غير عيد الفطر والأضحى: أن اليومين الجاهليين لم يُقرَّهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ترَكهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين، والإبدال من الشيء يَقتضي ترْك المبدل منه؛ إذ لا يُجمع بين البدل والمبدل منه.

 

وأذكر لك مثالاً؛ فبالمثال يتَّضح المقال: فريق من فِرَق كرة القدم أُصيب أحد لاعِبيه بإصابة تَمنعه من اللعب، فيأتي المدرب، فيضع لاعبًا آخر مكانه، فيكون هذا اللاعب بدلاً من اللاعب المصاب، ولا يَجتمع اللاعب البديل ولا اللاعب المُبدل منه في اللعب.

 

ومثالاً آخرشخص أتْلف قلمًا ليس مِلكه، فأعطى صاحب القلم قلمًا غيره، فيكون هذا القلم بدلاً من القلم التالف.

 

وهنا في هذا الحديث نرى أن الله قد أبدَل أعياد الجاهلية بعيدَي الفطر والأضحى، وبذلك يَحرُم الاحتفال بما سوى عيدَي الفطر والأضحى، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وقد أبدلكم الله))، يدل على وجوب ترْك اجتماعهما، لا سيَّما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرًا منهما))، فهذا يقتضي الاعتياض بما شُرِع لنا عمَّا كان في الجاهلية.

 

وأيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - لهم: ((وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما)) - لَمَّا سألهم عن اليومين، فأجابوه: إنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية - دليلٌ على أنه نهاهم عنهما؛ اعتياضًا بيومَي الإسلام؛ إذ لو لم يَقصِد النهي، لم يكن لذِكر هذا الإبدال مناسبة.

 

وهذا الحديثُ يُبيِّن أن الواجب على المسلمين أن يَستغنوا في الأعياد بما أغناهم الله به، ويكتفوا بهذه الأعياد التي شرَعها الله لهم عن أعياد الأمم الأخرى.

 

وفي هذا الحديث تنبيه على عدم الاحتفاء بهذه الأعياد؛ استغناءً بعيدنا الذي شرَع الله لنا - أهلَ الإسلام - فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أبدلكم))، فيه تنبيه على عدم اجتماع أعياد أخرى مع أعياد المسلمين؛ لأنَّ البدل لا يَجتمع مع المبدل منه.

 

وفي هذا الحديث تنبيهٌ على أنَّ الله هو الذي يشرع الاحتفال بالأعياد، وليس أمر الأعياد متروكًا للناس يحتفلون بأي عيدٍ حسب رغبتهم.

 

وفي هذا الحديث تنبيه على أن من ترَك شيئًا لله، أبدلَه الله به ما هو خير منه، فأعيادُ الجاهلية وكل الأعياد - سوى أعياد الإسلام - أبدلها الله بعيدَي الفطر والأضحى للمسلمين، ويختلف عيدَا المسلمين عن غيرهما من الأعياد؛ فهما قائمان على ذِكر الله وشُكره.

 

وقد شرَع الله لنا في عيد الفطر والأضحى مَظاهر الاجتماع والتعظيم لله، وإظهار الفرح والسرور، والتوسيع على النفس والأهل والولد؛ في الطعام، والشراب، والثياب، واللعب المباح، فأغنى ذلك عن جميع الأعياد المبتدعة والاحتفالات المُحدَثة.

 

نعود لمن يقول: مسألة الاحتفالات هذه مرجِعُها إلى أعراف الناس.

ونقول له: فرقٌ بين الاحتفال لحدثٍ عارض، وبين تَكرار الاحتفال لحدثٍ، فمع أن تَكرار الاحتفال بحدث داخل في الأعياد، وأنه يَحرُم الاحتفال بما سوى عيدَي الفطر والأضحى، فأيضًا تَكرار الاحتفال بيوم وقوع الحدث فيه تخصيص لهذا اليوم بعيدٍ واحتفالٍ، ولا يُخَص يومٌ بعيدٍ واحتفالٍ إلا ما خصَّه الشرع، والذي خصَّه الشرع يوم الفطر ويوم عرفةَ، ويوم الأضحى وأيام التشريق، ويوم الجمعة من كل أسبوع، وتخصيص أحد الأيام بعيدٍ أو احتفالٍ، مرجِعُه إلى الشرع، وليس إلى العادة؛ إذ العيد مِن شعائر الإسلام الكبرى[7]، ومن جملة المناسك لكل أُمة.

 

ومن يقول: إن الأعياد من العادات، وليست من العبادات، والأصل في العادات الإباحة.

فالجواب: لو أن الأعياد من العادات، لأحْدَثَ الناس لكل حدثٍ عيدًا، ولم يكن للأعياد الشرعية ميزة وفضلٌ، ولَمَا كان لإبدال الله أعيادَ غير المسلمين بعيدَي الفطر والأضحى معنًى.

 

ولو كان الاحتفالُ برأس السنة الهجرية فيه خيرٌ لنا، لبيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - للأُمة؛ إما بالقول، وإما بالفعل، وإما بالإقرار، ولو وقَع شيء من ذلك، لعُرِف واشتَهر، ولنقَله الصحابة - رضي الله عنهم - إلينا؛ فقد نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كل شيء تحتاجه الأمة.

 

ولو كان الاحتفال برأس السنة الهجرية فيه خيرٌ، لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - أسبقَ الناس إليه، وبالرغم من وجود مقتضى الاحتفال برأس السنة الهجرية، وانتفاء ما يَمنع من الاحتفال بها، فإنه لم يَثبُت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه احتفَل بها، فدلَّ ذلك على أن السنةَ ترْكُ الاحتفال لا الاحتفال.

 

وقد قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؛ أي: قد كان لكم في أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسَّون بها، والتأسي يكون في الفعل بفعْله، وفي الترك بترْكه، أما التأسي به في الفعل، فهو أن نفعل كما فعَل على الوجه الذي فعل؛ لأجل أنه - صلى الله عليه وسلم - فعَل، والتأسي في الترك، هو أن نترك مثلما ترَك على الوجه الذي ترَك؛ لأجل أنه - صلى الله عليه وسلم - ترَك، فالآية عامة والقول باتِّباعه في فعله دون اتِّباعه في ترْكه تخصيص للنص بلا مُخصصٍ، وهذا لا يجوز.

 

وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فالدينُ قد كمُل، وكمال الدين يَلزم منه أنه كل طريقة لدعوة الناس إلى عبادة ربهم لم يستعملها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع إمكان استعماله لها، يكون استعمالها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعة في الدين، وهذه الآية شهادة من الله تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - على تبليغه لما أرسله به أتَمَّ تبليغٍ وأكمله، فقد أخبر - سبحانه وتعالى - في هذه الآية بأنه قد أكمَل الدين، وإنما كمُل بما بلَّغه؛ إذ الدين لم يُعرَف إلا بتبليغه، فعُلِم من ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قد بلَّغ جميع الدين الذي شرعه الله لعباده.

 

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والله ما ترَكت شيئًا يُقرِّبكم إلى الله والجنة إلا وأخبَرتكم به، وما ترَكت شيئًا مما أمرَكم الله به إلا وقد أمَرتكم به، وما ترَكت شيئًا مما نهاكم الله عنه إلا قد نهيتُكم عنه))[8].

 

ومن المعلوم أن أهل الكتاب يتخذون عيدًا عند رأس السنة الميلادية، فيكون في اتِّخاذ شهر المحرم عيدًا عند رأس السنة الهجرية، تشبُّه بهم، وقد نُهينا عن التشبُّه بهم، وأُمِرنا بمخالفتهم؛ كما في الحديث: ((خالِفوا المشركين))[9].

 

وإن حال بعض المسلمين يدعو للعجب، ففي حين أنهم يجتهدون في الاحتفال برأس السنة الهجرية، مع أنه ليس من السُّنة، وليس من الدين، نجدهم يَغفلون عن كثيرٍ من السنن، ويتركون كثيرًا من السُّنن.

 

وعجبًا لأمر هؤلاء المسلمين؛ يحتفلون برأس السنة الهجرية مع أن حلول عام هجري معناه أن جزءًا من العمر قد انقضى، وأجَلَ الشخص قد اقترَب.

 

وعجبًا لأمر هؤلاء المسلمين؛ يحتفلون برأس السنة الهجرية، وصاحب الشأن نفسه لم يَحتفلْ! فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الذي هاجر من مكة للمدينة، لم يحتفل بهذا، وكأنهم أدركوا ما لم يُدركه صاحب الشأن، فهل هذا من المعقول وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بسُنتي وسنة الخلفاء الراشدين المَهديين من بعدي، وإيَّاكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))[10]؟! وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أحدَث في أمرنا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))[11].

 

وعجبًا لأمر هؤلاء المسلمين؛ يحتفلون برأس السنة الهجرية وصحابةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفلوا بهجرته، وهم أحرصُ الناس على الخير!

 

وأولُ مَن احتفل برأس السنة الهجرية حُكام الدولة العُبيدية الفاطمية في مصر، وهم أهل بدعة وليسوا أهلَ سُنةٍ.

 

وعجبًا لأمر هؤلاء المسلمين؛ يحتفلون برأس السنة الهجرية، بحجة حدَث هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة، رغم أن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة كانت في يوم 12 من ربيع الأول[12].

 

نَخلُص من هذا إلى عدم جواز الاحتفال برأس السنة الهجرية؛ لأنه ليس مِن هدْي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من هدي أصحابه، ولا مِن هدْي السلف الصالح، وإنما هو فعْل مُبتدَع مُخالف للسنة والشرع.

 

هذا والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.

 


[1] تهذيب اللغة؛ لأبي منصور الهروي (3/ 85)، لسان العرب؛ لابن منظور (3/ 319).

[2]مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 105).

[3] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم؛ لابن تيمية (1/ 496).

[4] عون المعبود شرح سنن أبي داود (6/ 23).

[5] شرح سنن أبي داود؛ للبدر العيني (4/ 476).

[6] حديث صحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي، رقم (1556).

[7] المغني؛ لابن قدامة (3/ 254).

[8] رواه النسائي في سننه، حديث رقْم (2719).

[9] رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم (5892)، ورواه مسلم في صحيحه، حديث رقم (259).

[10] صحيح الترغيب والترهيب، رقم (37).

[11] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.

[12] تاريخ الطبري (2/ 338).

 

المصدر : شبكة الألوكة

 

https://www.youtube.com/watch?v=y6S1ZEx0Dto

 

https://www.youtube.com/watch?v=dpGW_goE9b8