وفور صدور التصريح الأميركيّ، أعلن عضو
اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير ورئيس دائرة شؤون اللاّجئين فيها أحمد أبو
هولي ببيان في 27 أيّار/مايو، أنّ واشنطن تبيع الأوهام بتقديم اقتراحات بإعادة
بناء مخيّمات اللاّجئين كمدن دائمة لهم، لأنّها تعني تصفية لقضية اللاّجئين
بتوطينهم في أماكن إقامتهم، والسلطة الفلسطينيّة لن تتعاطى معها.
"المونيتور" حصل على معلومات من مصدر مطلع في
الأونروا، أخفى هويته، قال إن "الأونروا ليس لديها موقف واضح من موضوع إنشاء
مساكن جديدة اللاجئين على شكل مدن ثابتة، لكن في حال توفر الدعم الخليجي لهذه
المشاريع، فسيتم تنفيذها من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وليس الأونروا،
لأن الأمريكان يعملون بمعزل تام عن الأونروا، ولا يشاركونها في مشاوراتها، وهم
يحاولون استغلال الواقع المعيشي السيء لمخيمات اللاجئين".
وقال وزير شؤون اللاّجئين السابق في غزّة عاطف عدوان
لـ"المونيتور": "إنّ اللاّجئين في المخيّمات يسعون إلى استبدال
ظروفها الصعبة نحو الأفضل، رغم أنّ وضعها يبتعد تدريجيّاً عن نموذجها الأصليّ، حين
تمّ بناؤها بعد "النكبة" خلال عام 1948، فقد بنيت آنذاك من ألواح
الزينكو والقرميد، فاللاّجئون مع تزايد عائلاتهم يشترون قطع أراض خارج المخيّم،
ويبنون عليها عمارات من طوابق عدّة. مشكلة التوجّه الأميركيّ أنّ مساحة المخيّمات
ضيّقة وشوارعها صغيرة وغير مرتّبة، إلاّ إن كان المقصود إعادة مسح المخيّمات
مجدّداً وبنائها بنماذج مختلفة عن السابق، تراعي التطوّرات الإسكانيّة
الحديثة".
يعتبر ملف اللاّجئين الفلسطينيّين من القضايا الأكثر
تعقيداً في الصراع الفلسطينيّ – "الإسرائيليّ"، وحاز على نصيب كبير من
صفقة القرن، مع تزايد الدعوات الأميركيّة إلى إنهاء عمل وكالة الأمم المتّحدة
لإغاثة وتشغيل اللاّجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى – الأونروا، التي تدير
ملفّهم، وآخرها على لسان المبعوث الأميركيّ إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، في
22 أيّار/مايو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدوليّ.
يتوزع اللاجئون الفلسطينيون داخل الأراضي الفلسطينية
وخارجها، فوفقا لأرقام الأونروا حتى عام 2018، بلغ عددهم 5.4 مليون لاجئاً، وفي
قطاع غزة 1.4 مليونا، وفي الضفة الغربية 828 ألفا، وفي الأردن 2,1 مليونا، وفي
لبنان 469 ألفا، وفي سوريا 552 ألفاً.
وقال عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير واصل أبو
يوسف لـ"المونيتور": "إنّ السلطة علمت بوجود التوجّه الأميركيّ،
وترفض إحداث تغيير في مخيّمات اللاّجئين لأنّه يهدف إلى توطينهم، وهو امتداد
لمشاريع توطين اللاّجئين خلال عقود الخمسينات والستينات من القرن العشرين. التوجّه
الأميركيّ مرفوض من قبل السلطة والفصائل، لأنّه مقدّمة لتصفية القضيّة
الفلسطينيّة".
هدفت مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين التي طرحت
في سنوات الخمسينات والستينات إلى منع عودة اللاجئين، وتذويب قضيتهم، وإزالتها من
الصراع العربي الإسرائيلي، وتقليص الضغط الإنساني الدولي على "إسرائيل"،
وتحطيم الهوية الجماعية للاجئين، وإزالة مخيمات اللاجئين الموجودة في الضفة
الغربية وقطاع غزة.
وكشف الأكاديميّ الفلسطينيّ في "إسرائيل"
عامر الهزيل، بـ27 أيّار/مايو، وهو الرئيس السابق لبلدية رهط في "إسرائيل"
وأحد مؤسسي "التجمع الوطني الديمقراطي"، أنّ الخطّة الأميركيّة تهدف إلى
تطوير البنى التحتيّة والسكن لما يتراوح ما بين و750 ألفاً 1.5 مليون لاجئ
فلسطينيّ، وتطوير أراض بمناطق "أ و"ب" في الضفّة الغربيّة، موضحاً
أنّ الخطّة الأميركيّة تستند إلى دراسة معهد أبحاث الأمن القوميّ في جامعة "تلّ
أبيب" بتمّوز/يوليو من عام 2017، لتوسيع 9 مدن وقرى في الضفّة، هي: جنين
ونابلس وطولكرم وطوباس شمالها، الجفتلك وأريحا شرقها، البيرة وبيت لحم وسطها،
والخليل في جنوبها، وإقامة مدن بجانب بيتونيا غرب رام الله وترقوميا غرب الخليل،
وأخرى شمال غور الأردن، ومنطقة اللطرون، وفي رفح جنوب غزّة.
وقال رئيس تحرير صحيفة "الاقتصاديّة" في غزّة
محمّد أبو جياب لـ"المونيتور": "إنّ التوجّه الأميركيّ يأتي في
سياق سياسيّ وميدانيّ لإنهاء ملف اللاّجئين، عبر توسيع المخيّمات، أو تطوير
مساكنها، أو إنشاء أخرى جديدة، وبناء منازلهم بالباطون المسلّح، وإقامة طرق واسعة
وساحات ومنتزهات عامّة ومواقف سيّارات، بتمويل عربيّ خليجيّ وإشراف الأمم
المتّحدة، وتخضع إدارتها للبلديّات المحليّة وليس الأونروا، كالأحياء السعوديّة
والإماراتيّة والهولنديّة واليابانيّة في جنوب قطاع غزّة".
وتضمّ الأراضي الفلسطينيّة 30 مخيّماً للاّجئين، موزّعة
على الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، فيما شكّلت نسبة اللاّجئين في الأراضي
الفلسطينيّة حتّى نهاية عام 2018 قرابة الـ42 في المئة من عدد الفلسطينيّين فيها
الذين يصلون إلى 4.915 مليون نسمة، وفق بيانات "الجهاز المركزيّ
للإحصاء الفلسطينيّ" في 31 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018.
ربّما سبق الإعلان الأميركيّ عن مشروعه الخاص
بالمخيّمات، إعداد دراسة وافية عن ظروف اللاّجئين الصعبة، لعلّ أهمّها الكثافة
السكانيّة والازدحام السكنيّ ضمن مساحة محصورة وضيّقة من الأراضي، فكثير من عائلات
اللاّجئين يعيش في ظروف لا يمكن تحمّلها، وهناك عائلات تضمّ بين جنباتها ما يزيد
عن 20 فرداً في بيت لا تتجاوز مساحته الـ100 متر مربّع.
وقال رئيس دائرة شؤون اللاّجئين في "حماس"
عصام عدوان لـ"المونيتور": "إنّ جملة تحدّيات تعترض نجاح المشروع
الأميركيّ، أوّلها أنّ أعداد سكّان اللاّجئين تتزايد، وثانيها أنّه ينطلق من دوافع
سياسيّة حتّى لو أتى بغطاء اقتصاديّ، وثالثها خطورة أن ترفع الأونروا يدها عن
المدن الجديدة بزعم أنّها ليست مسؤولة عنها، لأنّها لم تقم ببنائها أو مقامة خارج
حدود المخيّمات".
أجرت إسرائيل منذ عام 1967 تغييرات في مخيّمات
اللاّجئين بالضفّة وغزّة مقدّمة لتوطينهم فيها، فقامت بشقّ شوارعها
ووسّعتها، وأنشأت التجمّعات السكانيّة الجديدة لنقل اللاّجئين إليها،
وتفريغ المخيّمات، وإغرائهم بمساكن أفضل وخدمات عامّة وأماكن تشغيل، وتبنّت سياسة
إفراغ المخيّمات تدريجيّاً بالحوافز الاقتصاديّة، مع العلم أن إسرائيل قبل
انسحابها من قطاع غزة في 2005 كان لديها صلاحية القيام بأعمال داخل مخيمات
اللاجئين.
من جهته، قال مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاّجئين
علي هويدي لـ"المونيتور": "إنّ المشروع الأميركيّ جانبه إنسانيّ،
رغم بعده السياسيّ، وقد لا يهدف إلى بناء مدن جديدة، بل ترميم المخيّمات لتحسين
خدماتها. محاذير المشروع نزع صفة المخيّم عنه، وتخلّي اللاّجئين عن صفتهم، وعدم
إشراف الأونروا على المخيّمات المعاد بناؤها، كمقدّمة لإلغائها. وإن لم يتمّ
الاقتراب من هذه المحاذير، فلا بأس بالمشروع".
يكمن الدافع الأساسيّ في الخطّة الأميركيّة ببناء مدن
جديدة، بدل مخيّمات اللاّجئين، أنّها تعتقد أنّ القضيّة الفلسطينيّة عبارة عن
أزمات ماليّة وضائقة اقتصاديّة يعانيها الفلسطينيّون يمكن التغلّب عليها، مع أنّها
قضيّة سياسيّة تتعلّق بتهجير مئات آلاف الفلسطينيّين خارج بلادهم، ويريدون العودة
إليها.
ولئن كان التوجّه الأميركيّ إلى بناء مدن جديدة
للاّجئين قد يحسّن ظروفهم وينعش أوضاعهم، لكنّه ليس كفيلاً بإنهاء قضيّة
اللاّجئين، لأنّ القضاء على مظاهر الفقر والعوز، التي تسود المخيّمات، لا يكفي
وحده، بعيداً عن المسار السياسيّ.
المصدر : المونيتور
9/10/1440
12/6/2019