المحطة .. قصة قصيرة- أنور الشيخ

بواسطة قراءة 4132
المحطة .. قصة قصيرة- أنور الشيخ
المحطة .. قصة قصيرة- أنور الشيخ

الإهداء : إلى .. أجدادنا ..إبائنا..أمهاتنا...أشقائنا، وشقيقاتنا الكبار..إلى كل من يعيش  ويحمل ارث نزيف معانات النكبة المستمر إلى يومنا الحاضر.

لكم مني تحية وقبلة...

المحطة .. قصة قصيرة ..

أصبحت الحياة راكدة ، لا جديد تحت الشمس، فقدت حركة الأشياء روحها لم تعد حواسنا  قادرة على التقاط جمال الطبيعة بكل مكوناتها، وإيقاعات نبضها ، يداهمنا فيروس القبح ، والرتابة، والسأم، والملل ضد الرقي، والخلق، والإبداع، نحاصر بطوق دائرة الفراغ، وسلاسله قيود اللامعنى للمكان والزمان في عالم اليوم.. عالم اللجوء والغربة نصرخ بوجه الواقع المقيت الذي نحياه، كي نؤكد على وجودنا وحضورنا الإنساني، ونحن نفتقد الوطن الذي سرق في غفلة التاريخ.

بداية الحكاية

بعد أن غصت القاعة بالناس وامتلأت لم تعد المقاعد المخصصة للجلوس فارغة وحائرة، فقد احتضنت أجساد الجميع البدينة والنحيفة. وعدد كبير من لم يفلح احتضان مقعد لجسده ، افترش الأرض كالقرفصاء أو متكئا على جدار القاعة محدقا صوب واجهة المسرح .. أغلقت الأبواب وأطفئت الأنوار ، وصخب الأصوات تلاشت والصمت يفرض سطوته .  

الكل تواق أن تفتح الستارة عله يجد ضالته فيما سيقدم له  في عرض المسرحية  بعد أن يأس من ما قدمته الحياة الواقعية من بؤس .

الجميع متلهف وتواق ومشدود ينتظر بترقب .... تفتح ستارة المسرح .... ضوء خافت على مقعد محطة  الباص .. يظهر شخصان جالسان عليه لا يعرفان بعضهم البعض جمعهما انتظار الباص لا غير ليقل كل واحد منهم إلى منزله .. الصمت يخيم على المكان لا حركة ولا أصوات منهم غير حركات نظراتهم وايمائاتهم على بعضهم ، تأسرهم لحظات قدوم الحافلة ، فما لهم إلا الانتظار .. والانتظار هو الزمن المهدور من عمرهم والفراغ الذي لا معنى له ..

استمر حال الانتظار ولا شيء  إلا الانتظار . التفت احدهم وقال للثاني ليكسر رتابة المكان وملل الانتظار تأخر قدوم الحافلة !!؟.. أجابه الثاني نعم قد تأخر ..

الجمهور تنفس الصعداء ..

الثاني .. سال الأول من أين أنت ؟ .. أجابه  أنا من الجهة الثانية ..

وأنت .. قال الثاني مكاني بعيد عنكم

 استمر إيقاع الحديث بمواضيع أخرى ..  المهم ان يحرروا أنفسهم من فراغ الانتظار والحديث مستمر بينهما ، حول أسعار الإيجارات المرتفعة للسكن وأسعار الخضروات والعلاج والرواتب والغلاء .. الخ

وبداءا يشكي كل منهم للآخر همومه ومتاعبهم حول مشاكله في الوظيفة وزوجة ابنه ووقاحتها ، وحالات الطلاق ، ومشاكل الجيران . استمر الحديث على المنوال لا جديد

لا إنارة  لا إيقاعات لا موسيقى لا  دراما في نص الحوار لعرض المسرحية  ..

طال انسيابية الحوار بنفس الوتيرة أكثر من ساعتين ولا جديد للمتلقي

ساد التململ بين الجمهور وتوجم وجوههم باستياء .. وهم ينتظرون الجديد من أداء المتحاورين في المسرح ..

انقضت ساعات أخرى والحال كما هو .. لا جديد

نهض من بين الجمهور رجل كبير بالعمر يتكأ على عكازه  تحرك ببطء اتجاه البوابة للخروج والعكازة تصدر صوت طرقاتها تمزق صمت المكان أضافت صخبا كأنه جزء من عرض المسرحية ... يصل الباب الخارجي .. الباب مغلق ، حارس البوابة يطلب من الرجل المسن العودة إلى مقعده لحين انتهاء المسرحية .. يتذمر الرجل المسن إلا انه يعود خائبا مستائا مضطرا إلى مقعده.

 عرض المسرحية مستمر على نفس المنوال .. طال الحوار

المقعد والممثلان جالسان مستمران بالحوار والانتظار سيد الموقف الحافلة لم تأتي بعد ..

إذ بالرجل المسن المتقدم بالعمر ينهض من مقعده ويصرخ بوجه الممثلين.. يتوقف العرض والحوار في المسرح !!

ويخاطبهم.. متى سينتهي عرض المسرحية ؟؟ بالله عليكم ويستعطفهم أنا رجل كبير بالعمر ومريض لم اعد احتمل أكثر من ذلك أرجوكم ..

يقف احد الممثلين  يطلب من الرجل المسن الانتظار لحين انتهاء عرض المسرحية.

يسأله الرجل المسن متى ينتهي العرض ؟؟

يجيبه الممثل بعد قليل .. ثم يعود الممثل الى مقعد المحطة ويستمر بالحوار مع الممثل الآخر ..

استمر الحوار وبنفس المواضيع حول الأسعار والعلاج الإيجار وهموم أخرى .. طال الحوار .. بنفس الإيقاع ..

صرخ الرجل المسن واقفا انتابه الغضب والانفعال ويداه ترتجفان مع عكازته .. أي مسرحية هذه إنها مسخرة ومهزلة لا دراما ولا نص للحوار ولا فكرة ولا موضوع ولا مضمون ولا هدف لها ... طلعت روحي حرام عليكم...  أنا رجل متعب وكبير بالعمر ..لم اعد احتمل أكثر من ذلك أرجوكم ..

يخرج علية الممثل وهو على خشبة المسرح .. موجها سؤاله إلى الرجل المسن لم يبقى  غير دقائق معدودة وننهي عرض المسرحية اصبر قليلا ..

يصرخ الرجل المسن لم اعد احتمل الصبر أكثر من ذلك لقد نفذ صبري ..

الممثل سال الرجل المسن .. كم عمرك ؟

أجابه الرجل الكبير بالعمر .. عمري تجاوز السبعين عاما يا بني

الممثل .. عمرك قد تجاوز السبعين أيها الرجل كيف إذن صبرت وتحملت كل هذا العمر (70) عاما  طيلة حياتك وأنت تعيش نفس هذه الحياة بتفاصيلها التي عرضناها في المسرحية وأنت تقول قد نفذ صبرك ولا تتحمل الدقائق المعدودة لما تبقى للمسرحية .. الان تحتج ..لماذا لم تحتج قبل ذلك على كل حياتك التي عشتها بنفس الطريقة ؟..  وعجبي !!!؟؟

 انتهت القصة ..

 

أنور الشيخ

20/11/2009

            

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"