فلسطينيو العراق والنفق المظلم - أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 2600
فلسطينيو العراق والنفق المظلم - أيمن الشعبان
فلسطينيو العراق والنفق المظلم - أيمن الشعبان

عبر التاريخ تتقلب أحوال الأمم والشعوب، بل قد يحصل ذلك في عقود متقاربة، وهذه سُنة كونية بتدافع القوى بعضها مع البعض الآخر لحِكَم ربانية علمها من علمها وجهلها من جهلها، يقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ( الدنيا يومان: يوم لك ويوم عليك، فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ).

المتأمل في حالنا نحن "فلسطينيو العراق " يجد أن العجلة دارت بأسرع من كل تصور، ولم نستطع دفع اليوم الذي علينا بكل الوسائل، ودخلنا في دوامة معقدة ونفق مظلم نهايته غير معلومة، أضف إلى ذلك ظلم ذوي القربى، وقلة الناصر والمعين، وتَنكُر أصحاب المسؤولية لواجباتهم ومهامهم ( ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) .

ويُذكرني انقلاب الموازين واختلاف الأحوال واضطراب المسالك، في طريقنا المظلم ونفقنا المخيف؛ بذاك الرجل حسن الحال من أهل الجاهلية وكان بنو عمه وأخواله يختلفون إليه فيعطيهم ويمونهم ويقوم بأمورهم، ثم اختلّ أمره فأتاهم فحرموه، فأتى أهله كئيباً، فقالت له امرأته: ما حالك؟ فقال: دعيني عنك، وأنشأ يقول:

دَعِي عنكِ عَذلي ما من العَذل أعجبُ ... ولا بُدّ حالٌ بعد حالٍ تَقلّبُ

وكانَ بنو عمي يقولون مرحباً ... فلما رأوني مُقتراً ماتَ مرحبُ

كأن مُقِلاً حينَ يغدو لحاجةٍ ... إلى كلّ من يلقى من الناس مُذنبُ[1]

فهل ذنبنا أننا أقلية ضاعت حقوقنا في الماضي، وتكالب علينا فئام من الناس في الحاضر؛ لنتأرجح في أنفاق مظلمة سوداوية لا خطام لها ولا زمام، ونغرد خارج السرب وننفخ في الهواء، ونحن من ذرية المجاهدين في فلسطين، وسلالة القرى الصامدة في مثلث الكرمل!!

حيرة ما بعدها من حيرة لمن تبقى من أهلنا في العراق؛ فهم بين القابض على الجمر، والعاجز عن اتخاذ القرار، والمتمني الهجرة على مضض دون أدنى حيلة، ناهيك عن الصراع النفسي والاضطراب المعيشي وتحديات الحياة الاجتماعية الجديدة، وازدواجية المفوضية بالتعامل دون رؤية موحدة للمجموع، مع رضا البعض بالواقع الجديد بعجره وبجره!!

ولو سرنا قليلا إلى الأمام في ذلك النفق المرعب، لاصطدمنا بمحطة لا تقل في الاضطراب والحيرة، والمستقبل المجهول والتلاعب بشتى مجالات الحياة؛ التعليمية والصحية والإنسانية وغيرها، حتى أصبح لسان حال أهلنا في سوريا " مكره أخاك لا بطل " وننتظر الفرج من الله الذي عز وجل، وما فتئوا ليستفيقوا من مطرقة " الأنروا " حتى وقعوا تحت سندان " المفوضية ".

ومن أراد الاستزادة فليبحر معنا في مياه البحر الأبيض المتوسط من ميناء اللاذقية، لينتقل إلى جزيرة صغيرة كان لها النصيب الأكبر من مهجري فلسطينيي العراق؛ الذين فرحوا ببعض الامتيازات المؤقتة لاسيما المادية منها، إلا أنهم لا زالوا في إطار وحدود النفق المظلم لعدم وجود توصيف قانوني وحقوق مستقبلية واضحة، وبالتالي تستمر محنة القلق من المستقبل وهاجس الانتقال والتحول لبيئة جديدة، حتى لكأن لسان حالنا " أننا أصبحنا حقل تجارب بعيد الأمد".

يبدو أننا بكل المقاييس سنشُذ عن القاعدة " لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه"، لأن النفق الذي نسير فيه طويل وممتد ومتفرع، حتى وصل جزء منا إلى شبه القارة الهندية يعانون الأمرين، وآخرين بلاد الأمزون حُكِم عليهم بالنفي مع تحمل جميع المشاق، وقد يكون من في تشيلي أو الولايات المتحدة الأمريكية بل حتى إيطاليا أفضل حالا، لكن القاسم المشترك بين الجميع هو ذاك النفق المظلم مجهول النهاية!

حاولَت قلة قليلة من تلك القوافل التخلص من هذا النفق بأي وسيلة، فارتأوا أن ينفذوا ويسلكوا مسارات صغيرة ودهاليز ضيقة، فاختاروا بعض الدول العربية، عسى أن يجدوا ضالتهم، ويتخلصوا بالكلية من هذا المسار الموحش، فوجدوا تلك الدول تدفعهم دفعا وتعيدهم إلى المربع الأول وذات الطريق وكأنهم يستدلون عليهم ويستشهدون – بغير محله طبعا- بقوله عليه الصلاة والسلام ( يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار ) !! وهنالك البعض منا رجع القهقرة من حيث عاد من تلقاء نفسه دون أدنى صبر أو تحمل قبل أن يصل لذات النتيجة.

بقي أن نمر في طريقنا المتعرج بدول أوربا، التي قد تبدو للعيان أفضل حالا وأهدأ بالا وأكثر استقرارا، وهذا من عدة نواحي قد يكون صحيحا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هم خارج النفق أم داخله؟! فلو نظرنا من حيث البيئة الجديدة والتقاليد المتغيرة والأعراف المختلفة، لوجدنا تحديات ومعاناة من حيث القيم والمبادئ والعقائد والأخلاق، ستظهر جليا مع مرور الوقت، فلا تحكم على حالات شاذة وفردية وتعممها، فالحكم بالغالب الأعم لا بالنادر المنفرد.

إذا أدق وصف ينطبق على حالنا، لاسيما في تلك المراحل الحرجة من المأساة، في ظل قطع من الليل المظلم وتلاطم الأمواج العاتية؛ أننا نسير في نفق مظلم قاحل كئيب، غير واضح المعالم، ولا تحمد عقبى النتائج فيه، ويبقى السؤال المُلح في ظل تلك المعطيات مع اعتصار القلب: متى ستجتمع كلمتنا ويلتئم شملنا ونخرج من تلك الدوامة ونغادر ذلك النفق؟ أم أن هذه أمست في خبر كان، وصارت كالأحلام الوردية بعيدة المنال ، نعوذ بالله من الخذلان.

 

أيمن الشعبان

باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق

21/10/2010

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"



[1] كتاب المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي ( 1/213).