الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وجنده وبعد.. اعلموا أيها الأخوة أن للصيام آداب لا يتم إلا بها وهي على قسمين منها آداب واجبة والواجب في الشرع آثم تاركه ومنها آداب مستحبة والمستحب في الشرع يؤجر فاعله ولا يؤثم تاركه.
الآداب الواجبة: فمن الآداب الواجبة على الصائم الصلاة فعجبا نرى بعض المسلمين يفرقون بين الصلاة والصيام فأن الصلاة من آكد أركان الإسلام بعد أداء الشهادتين فلذلك واجب على كل مسلم عاقل بالغ أن يؤديها في أوقاتها وإلا فان الله تعالى توعده بالعذاب الشديد في نار جهنم قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، ومن الصائمين من يتهاون في صلاة الجماعة مع أن صلاة الجماعة من الواجبات إذا لم يكن عنده عذر شرعي وقد ذكر الله تعالى صلاة الجماعة في كتابه قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا}، تصور أخي هذا في وقت والمسلمين في ساحة القتال فكيف في الأوقات الأخرى فبالتأكيد تكون أوجب وأولى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فرخص له، فلما وَلَّى دعاه وقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب)، فلم يُرَخِّص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة مع أنه رجل أعمى ومن فوائد الصلاة في جماعه أنها تضاعف الحسنات فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادَى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف).
ومن الآداب الواجبة: أن يجتنب الصائم جميع ما حرم الله ورسوله من الأقوال والأفعال، فيجتنب الكذب وأعظمه أن يكذب على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك كأن يحلل حراماُ أو يحرم حلالاً، قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}، وعن أبي هريرة وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
ومن الآداب الواجبة التي يجب تجنبها الغيبة وهي ذكر أخاك المسلم بما يكره سواء في خلقته كأن تقول الأعرج أو الأعمى وغيره أو بما يكره من خُلقه مثل السفيه والأحمق والفاسد وغيره وسواء ما تقوله فيه حق أم لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف الغيبة فقال: (هي ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ)، وقد نهى الله تعالى في القرآن بل شبهها في أبشع صورة قال تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} فشبهها بالذي يأكل لحم أخيه وهو ميت، وكذلك أٌخبر النبي عن أٌناس في ليلة الإسراء والمعراج أنهم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم بها فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)، ومن آداب الصيام: عدم الخوض في النميمة وهي نقل كلام من شخص لأخر ليفسد بينهم وهي من كبائر الذنوب قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، لأن في النميمة فساد للفرد وللمجتمع وبتأكيد الذي يأتيك بنميمة نمك في وقت آخر ومن آداب الصيام اجتناب الغش لأنه من كبائر الذنوب ولكي تعرف كبائر الذنوب فهي من ثلاثة طرق:
1- ما ذكر فيها عقوبة الحد الشرعي مثل الزنا والقذف القتل والقذف وشرب الخمر وغيره قال تعالى {الزانية والزاني فاجلدوهم مائة جلدة} طبعا هذا لغير المتزوج.
2- ما ذكر فيها آيات الوعيد وذكرنا بعضها في بداية الكلمة.
3- ما ذكر فيها الغضب واللعن مثل حديث (لعن الله آكل الربا وموكله) وغيره من الأمثلة.
فبهذه الطرق تتعرف على الكبائر ومن آداب الصيام تجنب سماع الأغاني المحرمة والمصحوبة بآلات الطرب كالبيانو والكمان والعود وغيره وتكون أشد تحريماً إذا اقترنت بأصوات مثيرة قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}، صح عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء وقد وقع هذا في زمننا فكان كثير من الناس من يستعمل هذه المعازف أو يستمعها كأنها شيء حلال، وهذا مما نجح فيه أعداء الإسلام.
ومن آداب الصيام: أن يتجنب المسلم الغش في كل معاملاته لأنه من كبائر الذنوب لقوله عليه الصلاة والسلام: (من غشنا فليس منا)، والغش: خديعة وخيانة وضياع للأمانة وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام لا يزيد صاحبَه إلا بعدا من الله.
الآداب المستحبة في رمضان
السحور فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: (تسَحَّروا فإن في السحور بركة) وقال صلى الله عليه وسلم: (السحور كله بركة فلا تَدَعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يُصَلُّون على المتسحرين) وينبغي للمتسحر أن ينوي بقلبه الإقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام ليكون في سحوره عباده لله تعالى ومن السنة تأخير السحور إلا للذي يخشى أن ينام فبأماكنه أن يعجل بالسحور وتأخير السحور أرفق بالصائم وأسلم من النوم عن صلاة الفجر وللصائم أن يأكل ويشرب ولو بعد السحور ونية الصيام حتى يتيقن طلوع الفجر لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر}.
ومن آداب الصيام المستحبة تعجيل الفطور بعد التأكد من غروب الشمس أو سماع الأذان أو مدفع الإفطار، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الناس بخير ما عَجَّلوا الفطر)، والسنة أن يفطر على رطب، فإن عُدِم فتمر، فإن عدم فماء، لقول أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) ومن آداب الصيام ينبغي أن يدعو عند فطره بما أحب، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن للصائم عند فطره دعوة ما تُرَدُّ)، وعن معاذ بن زهرة مرسلا مرفوعا: كان إذا أفطر يقول: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر يقول: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)، ومن آداب الصيام المستحبة كثرة القراءة والذكر والدعاء والصلاة والصدقة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن)، وكان جوده صلى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود كلها من بذل العلم والنفس والمال لله عز وجل في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من تعليم جاهلهم وقضاء حوائجهم وإطعام جائعهم لأن في الصيام وإطعام الطعام من أسباب دخول الجنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ("من أصبح منكم صائما؟" فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟" قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضا؟" قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة"). ومن آداب الصيام المستحبة: أن يستحضر الصائم قدر نعمة الله عليه بالصيام حيث وفقه له ويسره عليه حتى أتم يومه وأكمل شهره، فإن كثيرا من الناس حُرِمُوا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه أو بعجزهم عنه أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هي سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ورفعة الدرجات في دار النعيم بجوار الرب الكريم. اللهم جَمِّل بواطننا بالإخلاص لك، وحَسِّن أعمالنا باتباع رسولك والتأدب بآدابه، اللهم أيقظنا من الغفلات، ونَجِّنَا من العذاب، وكفر عنا الذنوب والسيئات، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إعداد: ياسر الماضي
26-08-2009
"حقوق النشر محفوظة لموقع "فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
لا يعبر المقال بالضرورة عن رأي الموقع أو إدارته