في عام 1948 استقبل العراق نحو خمسة الاف من لاجئي الشعب الفلسطيني. عاش الفلسطينيون في العراق في ظل ظروف لم تكن تختلف عن اشقائهم العراقيين كثيرا. والى ان ازداد عديدهم منذ ذلك الحين حتى بلغ مجموعهم اكثر من ثلاثين الفا في 2002 - والى الاحتلال.
في الواقع السياسي تقاسم الفلسطينيون في العراق همين معا: الهم الوطني والقضية التي جعلتهم لاجئين ، والهم العراقي ايضا كونهم جزءا من النسيج العام للمكون الوطني في العراق ، مع احترامهم للشأن الداخلي العراقي. ففي الانتماءات السياسية كان الفلسطينيون في العراق ما بين مؤيد لفتح او منتم اليها او الى الشعبية او الديمقراطية ، وبقية الفصائل والتنظيمات الفلسطينية.
ومنهم من انتمى للبعث او للاحزاب العربية الاخرى. واقع الامر ان الانتماءات السياسية والحزبية الفلسطينية في العراق كانت بدافع وجهة نظر تقول بأن السبيل الى تحرير المحتل من الوطن هو ذاك او ذلك او هذا الحزب او التنظيم. المعنى ان الفلسطيني في العراق ، شأنه شأن اشقائه واخوته ، يبحث عن حل قضيته.
وقدم الفلسطينيون في العراق شهداء في فلسطين وفي لبنان ، بل وفي العراق ايضا. وحين وقع الاحتلال آثر بعضهم مغادرة العراق خشية من المتوقع في ظل الاحتلال.
فمنهم من توجه الى الاردن ومنهم من توجه الى سوريا تحديدا. اما حملة الوثائق او الجوازات غير العراقية فقد عادوا الى البلدان العربية التي كانوا اساسا فيها قبل نشدان العيش في العراق. لكن تفاقم الامور في العراق انعكس سلبا ايضا على الفلسطينيين في البلد. والتطاحن ومحاولات اشعال الفتنة المذهبية صنفت الفلسطينيين في العراق على مذهبهم كسنة. ولكن (الارهاب) صار لازمة لكل عربي آخر في العراق. هكذا بدأ الفلسطينيون في العراق يدفعون الثمن: ثمن كونهم فلسطينيين ، وثمن كونهم عربا غير عراقيين ، وثمن وجودهم في مناطق محدده حيث يسهل صيدهم. التقارير تقول ان اكثر من مائتين وتسعين فلسطينيا قتلوا في العراق منذ الاحتلال.
وان من غادر العراق بطريقة او بأخرى قد تجاوز العشرة الآف ، والباقي بحدود عشرين الفا. وهناك عدة مئات منهم عالقون على الحدود السورية العراقية في ظروف شديدة الوطأة ، ومنهم من استطاع الدخول الى بعض الدول العربية بجوازات غير فلسطينية وبوثائق سفر غير عراقية. العالقون ناشدوا واكثروا من المناشدات لكن دون جدوى. والمحبوسون في العراق - وان كانوا عشرين الفا - ناشدوا وطالبوا بالخلاص من التهديدات اليومية التي يتلقونها والهجومات المتلاحقة على تجمعاتهم ، دون ان يسمعوا من يجيب.
الاونروا ناشدت الدول العربية التحرك لانقاذ ارواح هؤلاء الفلسطينيين المهددين بالموت والخطف والاعتقال في كل لحظة ويبدو ان احدا لم يصغ لا الى نداءات المنظمات الانسانية ولا الى الاونروا ايضا. اذا كان الواجب الاخلاقي والانساني يقول بالسعي الى منع وقوع (الجريمة) قبل ان تقع فان الواجب العربي والانساني والاخلاقي ينادي جامعة الدول العربية والانظمة العربية السعي لمنع وقوع المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين في العراق.
والتساؤل المشروع هو: هل تعجز او عجزت (المعدة العربية الواسعة) عن هضم او استيعاب هذا العدد القليل من ابناء الامة المهددين بالموت دونما أي ذنب اقترفوه؟ لا نقول هذا ونستثني الدم الزكي العراقي الذي يسيل يوميا وفي عموم العراق هدرا وظلما ، فالدم العراقي عزيز كما الدم الفلسطيني والعربي والاسلامي والانساني ، ولكن ما دام يمكن انقاذ ارواح نحو عشرين الف انسان فما المانع من حركة نخوة عربية اصيلة وسريعة؟ الاردن استقبل المئات من الفلسطينيين الذين كانوا عالقين في الرويشد بمكرمة ملكية لذوي وازواج الاردنيات وهذه تسجل له ، السؤال المحير هو: الا تستطيع الدول العربية الاخرى استقبال المتبقين من ابناء فلسطين في العراق؟ لو كل دولة عربية استعدت لقبول الف منهم الا تنتهي بهذا المعاناة الفلسطينية في العراق؟ هؤلاء ابناء جلدتكم وابناء نكبة (عربية) في الصميم فلا تدعوهم نهبا للموت المجاني؟ ولا يعفي ايا منا ما يلاقيه ابناء الرافدين يوميا من موت ودمار وخوف وفزع وتهديد في ظل الاحتلال والاحتراب وألاعيب الفتنة والمخابرات المعادية.. الساعية الى تمزيق العراق وتقتيل ابنائه والغاء دوره القومي والاقليمي والدولي .
التاريخ : 5/02/2007