16 – 18 ايلول 1982
خلال هذه الايام تمر الذكرى ال28 على واحدة من أروع وأبشع الإبداعات في القتل والهمجية... على لوحة لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم يستطع التاريخ طمس معالمها. رغم القهر... رغم المعاناة... رغم الألم ما زالت صبرا وشاتيلا على قيد الحياة وها هي المجزرة رغم السنون ما زالت شاهدة لم تستطع النسيان. مجزرة صبرا وشاتيلا... الجرح النازف ... جرح شعب ما زال يجمع أشلاءه... جرح أرض مازالت تأن وتصرخ كما هي الحال في دير ياسين والمسجد الإبراهيمي ... وصولاً إلى جنين وشفا عمرو.
وتبدأ قصة المجزرة بعد ساعات قليلة من دخول جيش الإحتلال الإسرائيلي إلى مناطق بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية إبان الإجتياح الإسرائيلي للبنان برفقة الحليف الذي كان هذه المرة ليس كغيرها من المرات عربيا لبنانيا يتمثل بحزب الكتائب والقوات اللبنانية العميلة وبعض الاطراف الحاقدة على الفلسطينيين. وبعد إعلان الحلفاء ضرورة تطهير المخيمات من الإرهابيين (الفدائيين) وفق خطة وضعت مسبقاُ. بدءت عملية الإبادة يوم الخميس في 16 أيلول1982 لتنتهي يوم السبت في 18 أيلول 1982. والجدير بالذكر أن تسمية المجزرة بمجزرة مخيم صبرا وشاتيلا هو خاطئ ورغم أنها التسمية الوحيدة ولكنها لم تسمى هكذا عبثاُ. مخيم صبرا هي منطقة مجاورة خارج حدود المخيم ومتاخمة لمنطقة الطريق الجديدة. ذات غالبية سكان لبنانية عكس مخيم شاتيلا الذي تغلب فيه أكثرية اللاجئين الفلسطينيين.
والأرجح أنها سميت كذلك لامتزاج الدم اللبناني بالدم الفلسطيني الذي أبيح في هذه المجزرة ونظراُ أيضاٌ لفقر المنطقتين الشديد سميت كذلك. ولقد شملت المجزرة منطقة بئر حسن ومنطقة صبرا ومخيم شاتيلا وما يحيطه.
وبعد الإتفاق بين الحلفاء على مجريات الخطة أبقي على حصار المخيم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ومنع الدخول أو الخروج منه أي قام فعلياُ بعزله عن الجوار ومن ثم توقف القصف المدفعي على المخيم وتوقت أيضاُ رصاصات القناصة الإسرائيليين مفسحة المجال لرجال الكتائب بتنفيذ مهامهم.
وكان شعارهم كما صرح أحد ضباطهم "بدون عواطف وكانت كلمة السر -أخضر- وتعني أن طريق الدم مفتوح.
هذه تلخص مهام هؤلاء الرجال. لم يدخلوا المخيم بحثاُ عن إرهابيين (كما زعموا) وإن وجدوا فلماذا لم نسمع عن أي محاولة لردع هذا الهجوم ولو حتى رصاصة واحدة.دخلوا المخيم واستخدموا جميع أنواع الأسلحة: الرشاشات، البنادق والسلاح الأبيض مفترسين كل ما في طريقهم. فلم ينجوا لا الفلسطينيين ولا اللبنانيين من سخط وجنون العدو -لم يفرقوا بين رجل وامرأة أو شيخ وطفل... كل كان له نصيب من هذه المجزرة حتى الحوامل بقرت بطونهم وهدمت البيوت فوق رؤوس ساكنيها.
ثلاثة أيام والمجزرة مستمرة على مدى ساعات اليوم ال24 ولم تعلم وسائل الإعلام بخبر المجزرة إلا بعد انتهائها فرغم ما تسرب من أخبار عن مجزرة تدور في المنطقة لم يستطع أحد إستيعاب الأحداث وما يجري إلا بعد انهائها. ليدخل الصحافيين من بعدها إلى المخيم فوجدوة كومة رماد . كما صار لا يتفاجئ العالم عندما يعلن الجيش الكتائبي و يصرح أن "سيوف وبنادق المسيحيين ستلاحق الفلسطينيين في كل مكان وسنقضي عليهم نهائياُ. وتناقلت الصحافة صور أشلاء وأجزاء بشرية في الطرقات والزواريب.. شلالات الدماء تغطي المخيم فاضت فوق القبور الجماعية التي ضمت آلاف الفلسطينيين واللبنانيين. وحاول الجيش الإسرائيلي إخفاء آثار المذبحة ومعالم الحريمة مستخدماً الجرافات والآليات لكنه فشل.
وفي غمرة الأحداث وتسارعها دخل الصليب الأحمر إلى المخيم بعد صعوبات ومنوعات فرضها الجيش الإسرائيلي. لكن في النهاية كانت الحصيلة 3297 شهيدا من سكان مخيم شاتيلا ال20000 ومنهم 136 شهيداُ لبنانياُ موزعين على شوارع وزواريب مخيم شاتيلا (1800 شهيد), مستشفى عكا في بئر حسن (400 شهيد) ومستشفى غزة في أرض جلول (1097 شهيد).
وكما هي الحال في الماضي والحاضر سارع حكام العرب إلى إعراب أسفهم عما حدث واصفين ما حصل بجريمة حرب وهنا يقف خطابهم. ودعا المجتمع الدولي إلى تأليف لجان للتحقيق في الجريمة لكن هذه اللجان لم تصل لأي نتيجة أو حتى لم تدخل حيز الوجود أصلاُ لاصطدامها بحائط الردع الأميركي.
وتشكلت لجنة تحقيق إسرائيلية بقيادة القاضي كيهان التي سميت لاحقاُ هذه اللجنة بإسمه. وتوصلت هذه اللجنة إلى عدة أمور منها أن الجيش الإسرائيلي لا يتحمل المسؤولية المباشرة عن المجزرة وألقت المسؤولية كاملة على ضباط حزب الكتائب (إيلي حبيقة و فادي أفرام). وأيضا عزل شارون من منصبه بعد أن كان قائد الوحدة الخاصة 101 في جيش الإحتلال الإسرائيلي التي حاصرت المخيم.وفي نهاية المطاف خلصت اللجان والتحقيقات الشكلية الى انها جريمة شنعاء . أقيمت محكمة عسكرية كنتيجة أخرى للتحقيقات غرمت لواء الجيش الإسرائيلي ب10 قروش = 14 سنتاُ أميركياُ لانه أسيء فهم أوامره كما تم توبيخه وقد سمي الحكم بقرش شدمي لشدة ما به من سخف واستخفاف بمفهوم القضاء.هذه كانت ردة فعل المجتمع الدولي, فجريمة حرب تهز شعوب العالم أجمع لا تهز حكومات الغرب والشرق قيد أنملة. مع أن اتفاقية جنيف عام 1949 والبروتوكول المتعلق بها عام 1977 ينص على أن تقوم الدول بمحاكمة الأشخاص المرتكبين لهذه الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم.
بعدما غابت الحقيقة خلف الأفق كالشمس ولكن بلا عودة وبعدما كان كل مخيم وكل ساحة ملعب لتركيع وسفك دماء الشعب الفلسطيني أصبح من العار التخفي في تقاليد الجبن والرجعية. فها هي المجزرة تدخل عامها ال28 بلا إسم ... بلا عنوان... بلا قضية ...محت أمواج الصمت الألوان ومات صدى الدماء في جوف الأرض.
في عام 2000 ونتيجة لسنوات من الضغط من قبل المجتمعات والمؤسسات المدنية العربية والاوروبية لملاحقة مخططين ومنفذيين هذة المجزرة قررت بلجيكا تشكيل محكمة لمحاكمة المجرم شارون ( الذي كان انذاك وزيرا للدفاع والذي اشرف بنفسه على الجريمة ابان محاصرة بيروت وكان يشرف بمنظاره العسكري من قصر ال الجميل ) قرر المجرم ايلي حبيقة ادلاء بشهادتة امام هذه المحكمة وصرح بذلك على وسائل الاعلام ولكن تفاجئ العالم في صبيحة يوم الخميس 24/1/2002 باغتيال ايلي حبيقة في سيارة ملغومة في منطقة الحازمية ( اشارة بالذكر ان حبيقة كان اثناء المجزرة قائد القوات اللبنانية التابعة لحزب الكتائب ) .
صورة اشلاء السيارة الملغومة
وبدون مقدمات وبدون عناء اقفل باب المحاكمة ولا احد يعرف لماذا . ومع اغلاق هذا الباب عادت المجزرة الى ادراج التعتيم والنسيان .
هذه المجزرة التي لفها النسيان مثل باقي المجازر التي قام ويقوم بها العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني ضاربا عرض الحائط كل معاني الانسانية ومستهترا بمشاعر الشعوب العربية والاسلامية لمعرفته المسبقه بان الحكام العرب سوف يكتفون بالادانة وكان الله بالسر عليم . لهذا ومن هنا يجب على الفلسطينيين كلا من موقعه ان يسجل كل الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد شعبنا وبكل الوسائل وفي كل المحافل وان لا يفوت اي مناسبة او ذكرى جريمة الا وذكر العالم العربي والاسلامي قبل الامريكي والاوربي .
أحمد شعبان زامل
12/9/2010
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"