التآمر على حق العودة يبدأ من العراق ؟! – عماد صلاح الدين

بواسطة قراءة 2180
التآمر على حق العودة يبدأ من العراق ؟! – عماد صلاح الدين
التآمر على حق العودة يبدأ من العراق ؟! – عماد صلاح الدين

يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في العراق إلى حرب شعواء من قتل وتشريد وطرد ونهب للأموال والممتلكات إلى غيرها من أعمال التضييق والملاحقة التي تخطط لها وتنفذها جهات عدة منها الاحتلال الأمريكي والموساد الإسرائيلي وأخرى مشبوهة تابعة للاحتلال وأعوانه للأسف، ونحن في هذا الصدد لا نشير ولا نتهم ما يحدث للاجئين الفلسطينيين في العراق على أساس مذهبي أو طائفي كما يروق للبعض تسميته بناء على التوجهات الأمريكية والصهيونية التي تريد تكريس هكذا نوع من الصراعات لضرب وحدة الشعب العراقي والأمة العربية والإسلامية التي يعتبر الشعب الفلسطيني في الداخل والمهجر جزءا أصيلا منها، بغض النظر شيعة أو سنة أو غيرهما فهذه تقسيمات زائفة لا محل لها من تراث الأمة وعقيدتها الأساس فنحن نؤمن بالعقيدة الحق ولا نؤمن بالأحداث التاريخية التي قد تكون أطرافها في مرحلة معينة من التاريخ على حق أو على باطل في سياق المرحلة والظرف العابرين نفسيهما.

فالتقسيم الحقيقي للذي يحدث في المنطقة كما هو واضح هو بين أهل المقاومة والصمود والحفاظ على وحدة الأمة وثوابتها وبين الاحتلال المستعمر في جسد الأمة وأعوانه وأذنابه،  والكل يعرف تماما حالة التلازم ما بين الكيان الصهيوني واستمرار سيطرة الغرب الاستعماري الذي تقوده أمريكا في الوقت الحاضر، فتمكين الاحتلال الصهيوني في فلسطين والحفاظ على مصالحه يعني تلقائيا وجدليا تمكين الطموح والجشع الأمريكي من إمعان السيطرة على ثروات المنطقة ومقدراتها بحيث يكون الأمر مزيد من الإمعان في تكريس الاحتلال في فلسطين ليكون مقابله مزيد من الإمعان في السيطرة الأمريكية والغربية في المنطقة، وفي كل الأحوال هناك للاحتلال أدوات منفذة في المنطقة سواء من العرب أو المسلمين هذا هو الموضوع باختصار شديد. يبدو أن ما عجزت عنه أمريكا وإسرائيل ومعها كثير من الدول المتواطئة أوروبيا وعربيا لتوطئين اللاجئين في بلدان اللجوء والشتات عبر أكثر من نصف قرن من الزمان من خلال العديد من مشاريع التوطين العديدة التي لاقت الفشل بفعل وعي اللاجئين الفلسطينيين وصمودهم ومواجهتهم لمثل هذه المشاريع، تحاول الآن فرضه من خلال الوضع القائم في العراق الذي كرسته الولايات المتحدة الأمريكية وبتوجيهات صهيونية تسيطر على القرار الأمريكي الخارجي، هذا الوضع الدموي والفتنة الطائفية والمذهبية يتعرض من خلالها الفلسطينيين لحالات قاسية من الملاحقة والتضييق التي تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين إلى دول خارج الناطق العربي إلى حيث كندا والنرويج وغيرها ليكون الأمر كسنة وسابقة خطيرة في سياق العمل على توطين اللاجئين وشطب حقهم في العودة والتعويض, وللأسف يبدو أن هذا المشروع يلقى حالة من التماشي والتساوق معه ففي الوقت الذي يتسع فيه الأردن لمئات الألوف من العراقيين نراه اليوم يضيق عن استيعاب بضع مئات قليلة من اللاجئين الملاحقين والمطرودين المشردين من ارض الرافدين، وكلنا سمعنا فيما مضى عن الاتفاق الأردني الكندي الذي رعته مفوضية اللاجئين السامية لنقل اللاجئين إلى كندا التي تبعد عن العراق آلاف الأميال بدلا من إدخالهم إلى الأردن التي يعلقون على حدودها مع العراق في مخيم الرويشد الذائع الصيت.

إن ما حدث في الفترة الأخيرة من أعمال خطف وقتل لثلاثة من اللاجئين الفلسطينيين في بغداد لنراه يصب في دائرة العمل على تهجير اللاجئين إلى أماكن نائية عن محيطهم العربي ليجري بعد ذلك العمل على توطينهم إلى حيث يرحلون بعد العمل المسبق على تيئيسهم وتثبيطهم من خلال تعليقهم وإبقائهم على الحدود مابين العراق والبلدان العربية المجاورة لهم حيث لا تتوفر هناك الحدود الدنيا للعيش الإنساني المطلوب من اجل البقاء.في غمرة المصائب والفظائع والمؤامرات التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في العراق فإننا نهيب بالجميع لتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية تجاههم وبالتحديد هيئة الأمم المتحدة التي أصدرت قرار حق العودة 194 وكذلك جامعة الدول العربية، ومن الغريب جدا في هذا السياق أن نرى حالة الاختلاف الفلسطيني الفلسطيني هي الشاغل الوحيد من اجل التنازع على سلطة وهمية لا يمكن تصنيفها لا في خانة المشروع الوطني لمقاومة الاحتلال ولا في خانة كونها نواه لدولة مستقبلية, بل إنها كما ثبت للجميع عبء على المشروع الوطني التحرري الفلسطيني وأداته الإستراتيجية المقاومة، ومن الغريب أيضا أن ينصب جهد بعض الفرقاء في الساحة الفلسطينية نحو السعي للالتقاء بالإسرائيليين من اجل التعويل على سراب لا يمكن تحقيقه بالتفاوض المعتاد أو قي  أو في أعلى تقدير التعويل على فتات لا يغني ولا يسمن من جوع ، في حين إن قضية الفلسطينيين الأولى وهي اللاجئين الذين يشكلون ثلثي الشعب الفلسطيني تتعرض لمحاولات سن وتكريس شطبها من خلال ما يتعرض له اللاجئين الفلسطينيين في العراق ، لذلك تتحمل الرئاسة ومنظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الفلسطينية وكل الجهات المعنية بإيجاد حل لما يتعرض له الفلسطينيون في العراق وفي هذا السياق يمكن اقتراح ما يلي : 

1- من المعروف أن الجهة الدولية ذات الاختصاص العالمي بشؤون اللاجئين أينما كانوا وحيث وجدوا " باستثناء اللاجئين الفلسطينيين اللذين تختص بهم وكالة الغوث فقط في مناطق عملياتها الأربعة في الأراضي المحتلة، الأردن، سوريا، لبنان " هي من اختصاص المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي أصبح اختصاصها عالميا ودوليا بعد عام 1951 حيث كانت قبل ذلك محصورة من حيث الاختصاص في الجغرافيا الأوروبية وبالفترة الزمنية المتعلقة بلاجئي الحرب العالمية الثانية، وحيث أن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التي أسست سنة1949 تختص فقط بالإطار الجغرافي في مناطق عملياتها الأربعة المذكورة سابقا، لذلك نرى بناء على ما سبق ما يلي:

أ‌- إن صاحبة الاختصاص لمعالجة الوضع الذي يلاقيه الفلسطينيون في العراق هي المفوضية السامية للاجئين بحكم اختصاصها الدولي والشمولي طالما أن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين محدد اختصاصها في دائرة عملياتها، ولان مفوضية اللاجئين بالإضافة إلى الأعمال المدنية والإنسانية التي تقوم بها لها دور قانوني وحقوقي واضح في العمل على تحقيق عودة اللاجئين والمهجرين إلى بلدانهم وديارهم كما هي في سوابق كثيرة للمفوضية في رواندا ويوغسلافيا السابقة وغيرها، فن المفوضية السامية يصبح من اختصاصها الأصيل العمل على عودة اللاجئين الفلسطينيين خارج نطاق مناطق العمليات الأربعة إلى ديارهم وأراضيهم التي هجروا قسرا عنها بموجب القرار 194.

ب‌- من الممكن أن يحال الاختصاص بشأن اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وذلك من خلال توسيع النطاق الجغرافي لصلاحياتها. ت‌- في كل الأحوال فانه مطلوب قانونياً وأخلاقياً وإنسانيا من جميع الدول و الهيئات والمؤسسات الدولية لحقوق الإنسان وعلى رأسها المفوضية السامية ووكالة الغوث في حال تعذر تحقيق العودة للاجئين الفلسطينيين في العراق إلى ديارهم وممتلكاتهم أن تعمل على إيجاد حل مؤقت لمأساة هؤلاء بما لا يؤثر على حق الفلسطينيين في العراق بالعودة مستقبلا وفي هذا نقترح أن يتم نقل هؤلاء اللاجئين إلى مناطق قريبة من فلسطين المحتلة وهي على وجه التحديد: الأردن وسوريا، وهذا ممكن جدل ومستطاع عليه من قبل البلدين المذكورين، أما أن يتم نقل هؤلاء الفلسطينيين إلى مناطق نائية تبعد آلاف الأميال إلى كندا وغيرها فنحن نقرأه كما يقرأه اللاجئون على انه التفاف على حق العودة بل تآمر عليه في سياق عملية التوطين.

أخيرا، لا يعني ذكرنا لاختصاص المفوضية السامية للاجئين أو وكالة غوث اللاجئين عن طريق توسيع صلاحياتها انه لا مسؤولية على الهيئات والمؤسسات الأخرى بحكم الاختصاص القانوني، بل إن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والمدنية تتطلب من كل هيئات حقوق الإنسان المختلفة العمل على إغاثة وفك كرب هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون اشد المعاناة في صحراء الحدود بين العراق ودول الجوار الأردن وسوريا، فهل من مغيث لهم !! .

26/12/2006

عماد صلاح الدين

كاتب وباحث في الشؤون القانونية والسياسية - مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان