هل من حل لمشكلة الفلسطينيين في العراق؟؟ - عماد صلاح الدين

بواسطة قراءة 2000
هل من حل لمشكلة الفلسطينيين في العراق؟؟ - عماد صلاح الدين
هل من حل لمشكلة الفلسطينيين في العراق؟؟ - عماد صلاح الدين

اختلف الوضع كليا على اللاجئين الفلسطينيين في العراق بعدما تعرض الأخير للغزو والاحتلال من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها مع مطلع عام ،2003 ، فبعد أن كان الفلسطينيون يعيشون كما إخوانهم العراقيون ويتمتعون بحقوقهم الإنسانية والمدنية التي كفلتها المواثيق والتشريعات الدولية، أصبح اللاجئون معرضين لحملات متتالية ازدادت وتيرتها في العامين الأخيرين، فمن عمليات قتل واختطاف واعتقال إلى أعمال مشينة أخرى غريبة عن بيئة المجتمع العراقي ، تمثلت بنهب وسرقة أموال وممتلكات هؤلاء اللاجئين ، هذه الأعمال العدائية والوحشية تأتي في سياقات طائفية ومذهبية حاقدة افتعلها الاحتلال وعمل على تغذيتها، هذا بالإضافة إلى دور "الموساد" الإسرائيلي الفاعل في هذا الاتجاه .

ما تعرض له الفلسطينيون أودى بحياة المئات منهم، وإصابة واعتقال وتعذيب أعداد كبيرة منهم أيضا ، التقارير والوثائق تؤكد ذلك وتكشفه ، أما من تم تهجيرهم ، فان العالقين في مخيم الرويشد على الحدود مع الأردن، وكذلك الموجودين في مخيم النتف على الحدود مع سوريا ، يشهد حالهم هذا على ما آل إليه وضع الفلسطينيين في العراق ، ولاشك أن وضع الفلسطينيين في المخيمين المذكورين مزري وصعب للغاية حيث العيش في العراء مع انعدام وعدم توفر الخدمات الإنسانية الضرورية والمطلوبة ، وهناك يعيش الفلسطينيون جنبا إلى جنب مع مختلف أنواع الزواحف السامة منها والضارة على وجه العموم ، ومن يشك في ذلك عليه أن يتابع ويراجع آخر التقارير والإنباء التي تصف حالهم ، ومن بينها التقرير الذي أعده الدكتور إبراهيم حمامي قبل أشهر عن مخيم النتف في الحدود مع سوريا ، حيث شارك الأستاذ حمامي في وفد طبي وصحي لتقديم العلاج والخدمات الصحية للفلسطينيين هناك وأيضا لاستقصاء أوضاعهم وأحوالهم المعاشة والملموسة على الأرض .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، لماذا يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في العراق إلى كل هذا الذي اشرنا إليه سابقا ؟.

الإجابة عن هذا السؤال تتعلق بعدة جوانب لتوضيح الذي يجري للفلسطينيين في العراق منذ الاحتلال ، فمن جهة أن الاحتلال أصلا جاء للعراق لتحقيق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية المتزاوجة والمرتبطة ببعضها البعض ، فالإدارة الأمريكية الحالية أرادت من الاحتلال للعراق أن يكون فاتح مشروعها في الشرق الأوسط بتقسيم المنطقة برمتها إلى كانتونات طائفية يسهل السيطرة عليها وعلى ثرواتها ومقدراتها، هذا ما كانت ولازالت الإدارة الأمريكية تروج له، وأما بالنسبة لإسرائيل، فهذا يعني ضمان عدم وجود خطر يهدد كيانها العنصري القائمة على مفهوم الدولة النقية والتي جاءت على أنقاض وتهجير شعب آخر، ومن جهة أخرى تكون إسرائيل هي الأداة القوية والموحدة في لجم الكانتونات المذهبية والطائفية التي تخرج عن عصا الطاعة لأمريكا والغرب ، ولكن يبدو أن المشروع شرق أوسطي تلقى الفشل في العراق وفي لبنان وفي فلسطين ، لان إرادة الشعوب أقوى من مشاريع الاستعماريين ، ولذلك فان ما يتعرض له الفلسطينيون هي نتيجة لخط الاحتلال وسياسته، ومبتغاة في محاولة العمل على تشتيت شتات الفلسطينيين وإخضاعهم بالقوة والإرهاب من جديد لقبول مشاريع التوطين التي رفضوها عبر الستين سنة الماضية ، ولهذا وللأسف تساوقت بعض الأطراف العربية وعقدت الاتفاق مع بعض الحكومات الأجنبية وبوساطة المفوضية السامية للاجئين لنقل هؤلاء اللاجئين والعمل على توطينهم في كندا والنرويج وغيرها من الدول الأوروبية لتكون سابقة خطيرة في مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين ، لو لم تكن نية الاحتلال الأمريكي وأدواته عدم توطين اللاجئين المهجرين من العراق ، فلماذا لا يسمح لهم بالدخول إلى الأردن وسوريا مؤقتا إلى أن يتم تحقق حقهم الطبيعي والقانوني بالعودة إلى الديار والممتلكات ، 280 لاجئ فلسطيني في مخيم الرويشد لازالوا عالقين على الحدود مع الأردن ولا تسمح السلطات الأردنية لهم بالدخول ، ربما تتحجج الحكومة الأردنية بأنها لا تستطيع استيعابهم ، وهذا تبرير غير مقبول للأسف ، فالذي يستطيع استيعاب 600000 عراقي يستطيع ولاشك استيعاب هذا الرقم المتواضع البسيط ، الموقف السوري كان أفضل في كل الأحوال حينما سمح لأعداد من الفلسطينيين القادمين من العراق بدخول أراضية، بل وإعداد مخيم وتجمع لهم، فالفلسطينيون فعلا يتعرضون لمؤامرة كبيرة على طريق توطينهم وشطب حقهم بالعودة، وأراها للأسف تخط بدايتها من العراق، وهذا ماحذرت منه سابقا في مقالة بعنوان: " التآمر على حق العودة يبدأ من العراق " .

ليكن المرء واضحا وعلميا وواقعيا فيما يطرح ، إن جزءا مما يحدث للفلسطينيين في العراق يعود إلى حالة الحقد الطائفي لبعض جماعات الشيعة ، والتي بفعل غبائها أصبحت أدوات خبيثة لخدمة الاحتلال وتحقيق أهدافه ، لا ننكر نحن الفلسطينيون أن جماعات منا في عهد الرئيس الراحل صدام حسين كانت تقوم ببعض الأعمال المخابراتية للنظام ، ويبدو أن أخواننا في الشيعة يريدون أن يأخذوا الجميع بجريرة البعض وهذا مما لا يجوز أبدا ومطلقا ، الاحتلال الأمريكي والصهيوني لايفرق ما بين سني وشيعة، فهم في نظره مسلمون يجب إخضاعهم والسيطرة عليهم وعلى ما يملكون من ثروات ومقدرات ، هذه الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع ، ولذلك مطلوب من إيران ومن المرجعيات الشيعية أن تضبط عناصرها ومؤيديها وان تبين لهم أن الخلافات ما بين الشيعة والسنة هي خلافات مفتعلة ومرجعيتها أحداث تاريخية فيها الصواب والخطأ في الآن نفسه ، وبالتالي وحدة المسلمين تقدم على هكذا تفاهات وترهات.

كنت فيما مضى قد دعوت إلى إيجاد حل مؤقت لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وأولئك العالقين منهم على الحدود مع الأردن وسوريا، وذلك بالعمل على السماح لهم بالدخول إلى الأردن أو سوريا لتلافي ما يخطط له من محاولات توطين هؤلاء في أماكن نائية وخارجة عن الإطار الإقليمي للمنطقة حتى لا تكون سابقة خطيرة تحقق مشاريع التوطين الأمريكية والغربية والإسرائيلية التي فشلت منذ شرع بها مع بداية النكبة وتحققها بفعل وعي وصمود اللاجئين ونضالاتهم المديدة والمريرة مع الغاصب والمحتل ، أو أن يسمح لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين بالدخول إلى الأراضي المحتلة، وهذا ما كشف عنه وزير شؤون اللاجئين اليوم أ.د عاطف علاونة. حيث أشار إلى أن هناك اقتراح لوزارة اللاجئين بالعمل على إدخال اللاجئين في العراق إلى الضفة والقطاع ، ولكن هذا الاقتراح لم يعرض بعد على المجلس التشريعي .

في كل الأحوال ، إذا لم ينح اقتراح وزارة شؤون اللاجئين في إدخال اللاجئين إلى الأراضي المحتلة ، فالحل التالي، وهو أن يسمح للفلسطينيين في العراق بدخول الأردن أو سوريا، أو أي من الدول العربية مؤقتا، إلى أن يتم التوصل إلى حل بشان قضيتهم بالاستناد إلى القرار 194 المتعلق بحقهم في العودة إلى الديار والممتلكات .

عملية إدخال اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلى أراضي الضفة والقطاع ليس أمرا سهلا، حتى وإن وافق المجلس التشريعي عليها ، تبقى العقبة الأولى والأخيرة إسرائيل ، فهي أصلا لا تسمح وحسب اتفاقية المعابر بدخول الفلسطينيين اللذين لا يحملون هوية ، وهي من قبل كانت تعترض على عودة نازحي سنة 67 بحجة عدم قدرة الأراضي المحتلة على استيعاب هؤلاء اللاجئين اقتصاديا واجتماعيا ، فما بالنا بلاجئي العراق الذين هجروا سنة48؟؟، لكن لابد أن تكون هنالك مساع حثيثة وجدية من اجل الضغط على إسرائيل بإدخال لاجئي العراق إلى الضفة والقطاع، نظرا لمعاناتهم الشديدة والتي تتطلب حلا إنسانيا عاجلا ، مطلوب من الرئاسة ، الحكومة ،الأطراف الإقليمية ،اللجنة الرباعية ، وكالة الغوث ومفوضية اللاجئين السامية العمل على إيجاد الحل المناسب لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في العراق بما لا يؤثر مطلقا على حقهم في العودة الذي كفلته الشرعية الدولية وقوانين حقوق الإنسان.

2/2/2007