بسم الله الرحمن الرحيم
في ألف ليلة وليلة كانت الرحلة السندبادية مغامرة فُرجة مبنيّة على امتلاء وتخمة بالبلد إذ لم تكن تعبيراً عن مغادرة قسرية فالمغادرة والعودة كانتا قراراً شخصياً لأنّ الوطن ثابت بظروفه وأحواله والمتغيّر هو الرحّالة الذي سيعود حاملاً في جعبته السردية حكايات عمّا رأى وشاهد من غرائب جمعها من مختلف الأمصار والأصقاع حكايات سردُها وتناقُلها والافتتان بها غاية للسارد وللقارئ .
ولكن ما هو حال الفلسطيني بشكل عام والفلسطيني من العراق بشكل خاص أمام الرحلات هل هي سندباد ام إجبار وعدم عودة معاً .
يعرف العلماء الهجرة بأنها الإنتقال من بلد الشرك والخوف إلى بلد الإسلام والآمان ... أو هى الإنتقال من حال إلى حال ... ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالهجرة إلى الحبشة فى أول البعثة المحمدية حيث قال لهم " إذهبوا إلى الحبشة فإن هناك ملكا لايظلم عنده أحد " فكانت هذه هجرة إلى دار أمن أما الهجرة إلى المدينة فكانت هجرة إلى دار إيمان .
قال ابن حجر والهجرة ضربان ظاهرة وباطنة فالباطنة هى ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء و الشيطان وأما الظاهرة فهى الفرار بالدين من الفتن .
ولعل قمة العجز أن يشعر المرء بعدم القدرة على تغيير نفسه أو ما بنفسه إذا وصل بها أو معها إلى طريق مسدود، هناك عند حائط الصد الأخير يقف العاجز متجمدا مكتئبا محبطا وربما في لحظة تهور يقفز فوق الحائط نحو المجهول وهو ما بدأ يحدث لفلسطينيي العراق، والعجز قد يكون ذاتيا يتولد داخل الفرد، نتيجة افتقاده مقومات القوة الداخلية وقد يكون عجزا خارجيا يكتسب من المجتمع المحيط متمثلا في قوى القمع والتسلط الممارس ضد الأفراد.
تأريخ الشعب الفلسطيني منذ نشوء البشرية وصيرورتها والى حد هذه الساعة مليىء بقصص غريبة حزينة قاسية ناتجة عن تسلّط بعض قوى الشر على أمور هذا الشعب، هذه القوى الشيطانية سلبت حقوق شعبنا وجردتهم من مقومات العيش الكريم فتنكل فيهم وتبطش بهم وتحرمهم مما وهبهم الله وأعطاهم ، الأمثلة كثيرة في التأريخ القديم والحديث والجميع قد سمع وعرف بها أو ببعض منها، بل ربما عانى وقاسى من تأثيرات هذه القوى الغاشمة بشكل مباشر أو غير مباشر.
ان ما حصل لفلسطينيي العراق وبقية شعبنا في الدول العربية هو أقرب مثال على الظلم والأذى والعذاب الذي عانى منه شعبنا إضطهاد الحاكم العربي لشعبنا له صور كثيرة وأشكال متعددة تتباين في طبيعتها وشدتها وطريقتها إبتداءا من حرمان الفلسطيني من مقومات وجوده في المأكل والمشرب والمسكن والعمل وعذاباتها أو التهجير القسري ومصادرة الممتلكات والأموال بل حتى الأرواح أيضا فهنا ماذا نقول عن هجرتنا أهي ظاهرة ام باطنة قال تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا: فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ". النساءـ97.
و لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ، و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " أخرجه البخارى .
الهجرة لا تعني أن ننسلخ من جلدنا ونلبس جلدا آخر لأن هذا سيكون مسخا، وعلى الفلسطيني المسلم المهاجر أن يحتفظ بملامحه الأصيلة الاسلامية التي تميّزه عن غيره ولتكن هناك عودة بزوال المؤثر الى الاصل وأن المخاض الصعب الذي تعيشه الأمة العربية والاسلامية لابد سيولد بعده فجر جديد بإذنه تعالى وبعملنا نحن العرب وفعلنا وان هذا النفق الدامس الظلام الموحش الغربة لابد وأن حزمة ضوء تكمن في نهايته والأمة العربية ومعها الإسلامية ندعو الله مع فجر هذا العام الجديد ككل عام أن يلهم قادتها الصواب فيختصروا لها مسافات الإصلاح وأن يرزق بطانتهم القناعة والفطانة والفلاح إنه القادر وحده سبحانه على اجتراح المعجزات وهو الهادي إلى سواء السبيل.
كل عام وانتم وكل المسلمين فى كل مكان بخير وسلام بقدوم شهر الخير والبركة شهر رمضان المبارك.
يا هجرة المصطفى والعين باكيـة والدمـع يجري غزيراً من مآقيها
يا هجرة المصطفى هيّجت ساكنةً من الجوارح كاد اليأس يطويهـا
هيجـت أشجاننا والله فانطلقت منا حناجرنا بالحـزن تأويهــا
هاجرت يا خيرخلق الله قاطبــةً من مكةً بعد ما زاد الأذى فيها
هاجرت لما رأيت الناس في ظلـم وكنت بدرا منيراً في دياجيهـا
19/8/2009
بقلم : محرر
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"