نصيحة محب - ياسر الماضي

بواسطة قراءة 2047
نصيحة محب - ياسر الماضي
نصيحة محب - ياسر الماضي

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :-

فإن اصدق النصيحة عندما تكون من شخص تشعر فعلا ً انه يحبك ويريد لك الخير فكيف إذا كانت هذه النصيحة من كلام الصادق الأمين النبي صلى الله عليه وسلم لشخص يحبه وإذا أحب الرسول شخصاً فهذا بالتأكيد دلالة على أن الله تعالى أيضاً يحبه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله , فهذه النصيحة قالها النبي صلى الله عليه وسلم  للصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه ذات يوم قال عليه الصلاة والسلام ( يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك : أوصيك يا معاذ لا تدعنَ في دبر صلاة أن تقول أللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" ، فهذه والله لمن أعظم المناقب أن يحوزها إنسان وهي تصريح النبي صلى الله عليه وسلم له بالحب فهنيئا لك يا معاذ بحب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فلنقف ولنتأمل معاني هذه النصيحة من أصدق المحبين صلى الله عليه وسلم فعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( والله أني لأحبك ) فهذا قسم من النبي صلى الله عليه وسلم وبيان مشاعره لأحد صحابته وبهذا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلم عليه أن يبدي مشاعره للشخص أذا أحبه  يقول عليه الصلاة والسلام ( إذا أحب أحدكم  أخاه فليعلمه أنه يحبه ) صححه الألباني في صحيح الجامع برقم : 379 .

فأين نحن من هذه الثقافة الطيبة التي تزرع الأخوة والمحبة بين المسلمين أم أصبحت هذه الكلمة غريبة على قاموس كلامنا !!! ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( لا تدعن في دبر صلاة أن تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) فهذا الحديث من جوامع الكلم حيث يحمل معاني عديدة بكلمات قليلة , فبالبداية عليك بالاستعانة بحول الله وقوته لأنه أساس توفيقك في عبادة الله هو بعناية الله لك أي لا تظن يا عبد الله أن ما حصلت عليه من طاعات هو بذكائك ونشاطاك وقوة إيمانك بل هو برعاية وتوفيق الله لك نعم فإذا لم يعنك الله على ذكره وشكره وحسن عبادته فمن ذا الذي يعينك وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُم ) (صحيح مسلم) .

ومعنى دبر الصلاة  أي في آخرها سواء كان قبل التسليم أو بعد التسليم والأفضل هذا الدعاء قبل التسليم (فتاوى ابن باز رحمه الله) ، فأول وصية كانت كثرة (ذكر الله تعالى) - فهذه العبادة العظيمة لا تحتاج إلى قوة بدنية ولا قوة عقلية ولكنها تحتاج إلى قلب متعلق بالله , وهي أفضل ما عبد الله به يقول عليه الصلاة والسلام ( خير ما قلت أنا و الأنبياء من قبلي لا اله إلا الله ) فذكر الله تعالى خير ما عبد به الله تعالى والذكر ليس مختص بالملائكة والإنس والجن  بل حتى الحيوان والجماد يذكرون الله تعالى قال تعالى ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورً ) (الإسراء 44) ، ويخبر الله تعالى في الآية أننا نسمع أصواتهم  ولكننا لا نفقه ما يقولون , وذكر العلماء أن للذكر أكثر من مائة فائدة على العبد في الدنيا والآخرة قال تعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) وقد ذكر شيخ الإسلام أبن تيمية في كتابه (الوابل الصيب من الكلم الطيب) فوائد عظيمة لذكر الله تعالى لمن أراد التعرف عليها جميعاً , ووصى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حبيبه معاذ رضي الله عنه أيضا (على شكر الله) فإن شكر الله تعالى أساس بقاء النعم على البلاد والعباد فكم من بلاد وبيوت كانت آمنه مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بنعمة الله ولم تشكر الله تعالى على هذه النعم فأبدلها الله تعالى بدل هذه النعم لباس الخوف والجوع وذكر الله تعالى ورسوله  صلى الله عليه وسلم عدة أمثله على هؤلاء الناس نذكر مثال من القرآن الكريم قوله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْناَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ : 15-) .

فكما تشير الآية أن السبأيين كانوا في حياة رغيدة جنتان عن يمين وشمال فطلب الله تعالى منهم أن يشكروه على هذه النعمة لكنهم اعرضوا كما قال تعالى ونسبوا هذه النعم لذكائهم وجهدهم فأرسل الله تعالى عليهم نقمته وعذابه ، وكثيرة هي الأمثال التي ضربها الله تعالى عن أمثال هذه القرى ولكن الناس لا يعتبرون قال تعالى ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) وكذلك القصة العظيمة التي وردت عن نبي الله إبراهيم عليه السلام حين مر على بيت ولده إسماعيل عليه السلام بعد ما تركهم فترة طويلة فوجده خارج البيت ووجد زوجته فسألها كيف هو حالكم  فشكت وبكت عن سوء حالهم وضيق عيشهم فقال لها إبراهيم عليه السلام إذا أتى زوجك اقرئيه مني السلام وبلغيه أن يغير عتبة داره فلما جاء إسماعيل عليه السلام وقصت عليه الخبر قال هذا أبي وهو يوصيني أن أطلقك إلحقي بأهلك , فجاء نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد مدة على دار ابنه فوجد زوجته فأخبرته أن زوجها في الصيد فسأل عن حالهم فشكرت الله تعالى على نعمه فقال لها عليه السلام اقرئي إسماعيل من السلام وبلغيه أن يثبت عتبة بابه , يا سبحان الله ما لهذه القصة من معاني عظيمة في فوائد شكر الله تعالى في جلب الخير والبركة والسعادة على البلاد والعباد وما من نقمة وبلاء نعاني منه في زماننا هذا إلا من قلة شكر الله تعالى وجحود نعمته علينا فأصبحنا نقابل نعم الله تعالى بالذنوب والمعاصي والجحود فكانت هذه النتيجة قال تعالى ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ (‏ ‏إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة،فيحمده عليها‏ ) ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏‏ ، فإن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى ولكن كثير من الناس عن آيات ربهم غافلون جاحدون , هل يرضى أحدنا أن يحمل يوميا ً لزوجه وأولاده ما لذ وطاب من كده وتعبه ثم لا يجد منهم إلا العصيان والجحود جزاءاً على هذا التعب  هل يقبل بهذا رجل فكيف بالمنتقم العزيز الجبار ولله المثل الأعلى , وهنا نوصي أخواتنا من فلسطينيات العراق أن يتعظن من قصة إسماعيل عليه السلام وزوجته الأولى والثانية وأن يصبرن على هذه الظروف والمحنة التي يمر بها رب البيت وان يظهرن نعمة الله عليهن والإنسان المؤمن دائما ينظر إلا من هو أسفل منه ولا ينظر إلا من هو فوقه كما قال عليه الصلاة والسلام ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) متفق عليه .

مهما كانت الظروف التي نمر بها صعبة فلن تكون أصعب مما مرت به زوجات النبي صلى الله عليه وسلم تقول عائشة رضي الله عنها انه كان يمر الهلال والهلالان ولا توقد نار في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئلت فما كان طعامكم قالت الأسودان وتقصد التمر والماء وتعني بالهلالان أي الشهر والشهران فأين نحن من هذا الأمر , ثم وصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ (بحسن عبادته) وهنا عليه الصلاة والسلام لم يطلب من معاذ كثرة العبادة بل طلب منه حسن العبادة , فمثلا ً النفر الثلاثة الذي جاءوا ليسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم وجودوها قليلة  فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , فقال الأول أنا سوف أصوم ولا افطر وقال الثاني أنا أقوم الليل ولا أنام وقال الثالث أنا لا أتزوج النساء فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهم قال ( لكنني أنا أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فبين النبي صلى الله عليه وسلم ليس الأساس هو كثرة العبادة بقدر ما هو الإخلاص لله تعالى في الأعمال والسير في متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فهذا هو الأساس في قبول الأعمال عند الله تعالى وكذلك لنا عبرة في قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار ثم سدت باب الغار صخرة عظيمة فقد سألوا الله تعالى بعمل خالص قاموا فيه بحياتهم  ففرج الله عنهم هذا الهلاك المحتم .

نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا وأقوالنا خالصة في سبيله اللهم يا مقلب القلوب ثبتت قلوبنا على دينك اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

ياسر الماضي

5/7/2011

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"