وقال الكاتب ديفد هيرست في تقرير نشره الموقع إن اللعبة
الكبرى انتقلت إلى العراق، حيث تواجه هذه الدولة التي كانت قوية وذات شأن ذات يوم،
مخاطر كبيرة، مشيرا إلى أن الحقائق التالية مأخوذة من ثلاثة مصادر عراقية رفيعة
المستوى كانت على دراية بالمعلومات الاستخباراتية التي تلقاها رئيس الوزراء عادل
"عبد المهدي" والإجراءات التي اتخذها والمحادثات التي جرت.
تفاصيل
الخطة
وأوضح
أنه قبل تسعة أشهر، دُعيت مجموعة من السياسيين ورجال الأعمال العراقيين من محافظات
الأنبار وصلاح الدين ونينوى إلى مقر الإقامة الخاص بالسفير السعودي لدى الأردن في
عمان. وكان مضيفهم الوزير السعودي للشؤون الخليجية ثامر السبهان، ولا يُعرف ما إذا
حضر "رئيس البرلمان" محمد الحلبوسي -الذي له علاقات مع كل من إيران
والسعودية- هذا المؤتمر السري، ولكن قيل إنه أُبلغ بالتفاصيل. وكان على جدول
الأعمال خطة للدفع باتجاه إنشاء منطقة سنية تتمتع بحكم ذاتي، على غرار كردستان
العراق.
وأورد
الكاتب أن الخطة ليست جديدة، غير أن الفكرة التي لطالما استهانت بها الولايات
المتحدة أعيد إحياؤها، بينما تتنافس السعودية وإيران على النفوذ والهيمنة. وفي
الحقيقة، تشكل محافظة الأنبار 31% من مساحة العراق، كما أن لديها احتياطات كبيرة
من النفط والغاز والمعادن غير المستغلة، وهي تحُدّ سوريا. إذا اضطرت الحكومة
العراقية القادمة إلى إجبار القوات الأميركية على مغادرة البلاد، فسيتعيّن عليها
مغادرة حقول النفط في شمال سوريا أيضًا، لأن محافظة الأنبار هي التي تموّل هذه
العملية. من جهتها، كثّفت واشنطن جهودها لتقسيم العراق قصد مواجهة النفوذ الإيراني.
وأوضح
الكاتب أن غرب العراق منطقة صحراوية إلى حد كبير، ويبلغ عدد سكانها ما يزيد قليلا
عن مليوني نسمة. وباعتبارها منطقة ستتمتع بالحكم الذاتي، فإنها تحتاج إلى قوة
عاملة ستتوفّر عن طريق اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يتلاءم بدقة مع خطة
الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسماة "صفقة القرن" لإنقاذ
"إسرائيل" من مشكلتها.
ويشير
إلى أن محافظة الأنبار ذات غالبية سنية، لكن محافظتي صلاح الدين ونينوى ليستا
كذلك. إذا نجحت الفكرة في الأنبار، فستكون المحافظات الأخرى التي يهيمن عليها
السنة هي التالية.
وذكر
الكاتب أن الاجتماع انتهى باتفاق قوي، ومع ذلك، لم يكن المشاركون العراقيون
والسعوديون هم الوحيدين الذين استمعوا لتلك المعطيات، إذ انزعجت المخابرات
الأردنية من استخدام السبهان للسفارة في بلادها كقاعدة للتخطيط للتحركات في
العراق. من جهة أخرى، يتمتع الأردن بعلاقات وثيقة مع بغداد، خاصة بعد أن بدأ
"عبد المهدي" في تزويد المملكة الهاشمية بإمدادات النفط التي تحتاجها.
وقال
الكاتب إن العلاقات بين "عبد المهدي" والسعودية كانت جيدة في ذلك الوقت.
وقد "فتح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أبواب الكعبة المشرفة في مكة
المكرمة للشخصيات العراقية الزائرة واختارها وسيطا مع إيران". من جهته، كان
رئيس الوزراء العراقي منزعجًا، لكنه لم يكن يعلم في ذلك الوقت بمدى جدية هذا
المشروع وما إذا كان بالفعل يحظى بدعم بن سلمان. بعد ذلك بفترة وجيزة، أثار
"عبد المهدي" مسألة اجتماع عمان مع ولي العهد السعودي.
خلال
مدّة رئاسته للوزراء، تراجعت التوترات الطائفية، حيث سحب قوات "الحشد
الشعبي" من معظم البلدات السنية، وتفاخر بأنه لم يُقبَض عليهم بشكل غير
قانوني من قبل القوات الحكومية. ولكن كانت هناك خطّة توضع دون علمه، من شأنها أن
تؤجج التوترات الطائفية. في المقابل، كذّب محمد بن سلمان الأمر، وأخبر "عبد
المهدي" أن الخطة "تافهة" وأنه سيأمر بوقفها.
وكشف
الكاتب أن الاجتماعات تواصلت، فبعد بضعة أسابيع عُقد اجتماع أكبر في عمان حضره
مندوب أميركي وآخر "إسرائيلي". لم يكن ممثل الولايات المتحدة داعمًا
صريحًا وبقي فقط لجزء من الاجتماع، لكنه قال لنظيره السعودي "إذا كنت تستطيع
القيام بذلك، فنحن نرحب به". والأهم من ذلك، كان مبعوث من الإمارات العربية
المتحدة حاضرا في الاجتماع الثاني في عمان. كانت هذه طريقة لإظهار
"النواب" العراقيين الحاليين أن ملف مشروع الأنبار قد نُقل من السعوديين
إلى حلفائهم الإماراتيين.
وأوضح
الكاتب أن الاجتماع الثاني في عمان وافق على تقديم الدعم الكامل للحلبوسي في جهوده
لإضعاف الحكومة وإثارة قضية السنّة الذين يختفون باستمرار عند نقاط التفتيش
الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، ناقشوا طرق "إعادة تعبئة" الرأي العام
السني ضد الحكومة العراقية.
أما الاجتماع الثالث فعُقد في دبي، ونُشرت قائمة
الأشخاص الذين حضروا على نطاق واسع. وكان الحلبوسي حاضًرا، إلى جانب
"نواب" سنة من العراق، وشخصية إعلامية معروفة. ورغم أن الحلبوسي نفى
مناقشة خطط إنشاء منطقة سنية أو الاتفاق عليها، فإن آخرين في المجموعة نفسها التي
حضرت بدؤوا في الكشف عن المستور. وقال "النائب" عن محافظة الأنبار فيصل
العيساوي إن "الخطوات العملية" بدأت بتشكيل محافظة تتمتع بالحكم الذاتي
على غرار إقليم كردستان العراق.
قوة
زخم
وأوضح
الكاتب أنه على الرغم من أن هذا المخطط اكتسب قوة دفع خلال الأسابيع الأخيرة، فإنه
يسبق اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني وأزمة الصواريخ مع
إيران. لكن طهران ردت بقوة على ذلك في الآونة الأخيرة. فبمجرد أن علمت طهران أن
الإماراتيين استولوا على ملف الترويج لمقاطعة سنيّة تتمتع بالحكم الذاتي في غربي
وشمالي العراق، أوضحت في الأيام التي تلت مقتل سليماني أن القواعد الأميركية على
الأراضي الإماراتية ستُعتبر أهدافًا مشروعة.
وأضاف
الكاتب أن الاجتماعين السريين اللذين عُقدا في عمان، والاجتماع المعترف به علناً
في دبي، تظهر كلها تصميم ولي العهد السعودي على الحكم والسيطرة على المنطقة مهما
كانت النتائج.
ويختتم
الكاتب مقاله بالقول إن من وصفه بملك السعودية المقبل سوف يسعى لفرض نفوذه مهما
كانت التكلفة ووسط الأنقاض، مشيرا إلى أنه إذا نجحت خطة بن سلمان في الأنبار، فلن
يكون العراق سوى نموذج آخر من الدول المفككة في المنطقة.
المصدر : ميدل إيست آي - الجزيرة
1/6/1441
26/1/2020