العرب الذين يعيشون في العراق منذ عقود عديدة يجدون الآن صعوبات بالغة في إلحاق أبنائهم بالمدارس العراقية".. هذه العبارة الوجيزة تلخص حال نحو مليون عربي لا يزالون يكافحون للإقامة في هذا البلد الذي كان لهم وطنا لسنوات طويلة.
وفي هذا يقول ريان محمد (34 عاما) لشبكة "إسلام أون لاين.نت": "عندما يرون أوراقنا الثبوتية، ويعلمون أننا لسنا عراقيين؛ فإنهم يقدمون لنا مئات الأعذار لعدم إمكانية قبول أبنائنا لديهم". ومحمد فلسطيني الأصل وأب لثلاثة أبناء، ويعيش في العاصمة العراقية بغداد.
ويضيف: "إنهم يطلبون منا المزيد من الأوراق والوثائق، ويطلبون أيضا بعض المنح المالية للمدرسة.. نحن أساسا عائلات بسيطة وفقيرة، ولا نستطيع تقديم مثل هذه المنح"، مضيفا أن ما يعرفه أن التعليم في العراق مجاني لجميع المقيمين في البلد.
وطبقا للإحصائيات والمعلومات التي تقدمها جمعية الفلسطينيين في العراق؛ فإن حوالي 60% من أبناء الفلسطينيين المقيمين هناك لا يدخلون المدارس أو الجامعات لأسباب مالية. ياسر أحمد مقيم لبناني (39 عاما) وأب لطفلين اضطر إلى إخراج طفليه من المدرسة الابتدائية بسبب مطالبة إدارة المدرسة له بمبلغ 2000 دولار عن الطفل الواحد، ويقول في مرارة: "أنا مقيم في هذا البلد منذ أن كنت طفلا، ولا أذكر أنني قد دفعت دولارا واحدا لتعليمنا"، واستطرد قائلا: "أنا لا أعلم كيف يمكنني أن أدفع آلاف الدولارات التي يطلبونها بينما اضطررت إلى أن أوقف أعمالي بسبب تهديدات المسلحين".
وأضاف أحمد: "في الكثير من المدارس تعطى الأولوية في القبول والتعليم للعراقيين، وفي ظل وجود أعداد ضخمة من المشردين، فإن بعضهم لا يتمكن حتى من الحصول على مقاعد في المدارس المحلية". الحكومة العراقية ممثلة في وزارة التعليم قالت إن الأولوية للعراقيين في الحصول على مقاعد في المدارس والجامعات، وهو أمر يضع شكوى هؤلاء موضع تأكيد، ويعبر عن حجم المعاناة التي يواجهونها.
الوزارة تبرر ذلك بالقول إنه سيكون أمرا مكلفا أن يتم منح خدمة تعليمية جيدة للعراقيين والمقيمين، وقال أحد مسئولي الوزارة لشبكة "إسلام أون لاين.نت" رافضا ذكر اسمه: "نحن نعاني نقصا حادا في الإمكانات، ولا نستطيع الوفاء باحتياجات العراقيين لكي نجد أماكن للأجانب".
وأضاف قائلا: "إننا نبذل أقصى ما بوسعنا لكي نلحقهم بالمدارس، ولكن الوضع أكثر صعوبة في الجامعات؛ ولذلك فإنه على المقيمين والأجانب دفع مبالغ مالية مقابل الحصول على الخدمة التعليمية في الجامعات العراقية، البديل الآخر أمامهم هو العودة إلى بلدانهم الأصلية والحصول على خدمات التعليم العام المجاني هناك". هذا الكلام يفنده الواقع القائم في كثير من مدارس بغداد؛ حيث توجد أماكن عديدة فارغة في هذه المدارس، لكن مسئولي هذه المدارس يقولون إنه لا يوجد فيها أماكن فارغة "ولا يمكننا قبول الطلبة العرب".
تقول فاطمة محمد -وهي تلميذة في العاشرة من عمرها- وتدرس في إحدى المدارس الابتدائية في حي المنصور في العاصمة العراقية بغداد: "لقد وجدت مكانا في هذه المدرسة؛ لأن أمي عراقية، على الرغم من أنني أحمل الجنسية الفلسطينية، وقد استطعت عن طريق وساطة أحد الأشخاص تعرفه أمي أن أدرس في هذه المدرسة بدءا من هذا العام"، وأضافت فاطمة تقول: "يوميا أجد العديد من المقاعد الفارغة في المدرسة".
غير مرغوب فيهم!!
سلوى عبد الرحمن، وهي طالبة اقتصاد مغربية اضطرت إلى ترك الكلية التي تدرس فيها بسبب مطالبتهم لها بدفع مبالغ مالية مقابل دراستها، وتقول هذه الطالبة البالغة من العمر 19 عاما وهي تغالب دموعها: "لقد ولدت هنا، والآن أعامل على أني أجنبية"!! وشرحت مشكلتها بالقول: "لقد اضطررت لترك كليتي، وأبكي كل يوم عندما أرى أن الديمقراطية التي من المفترض أن أتى بها الأمريكيون إلى هذا البلد اقتصرت على مجرد دعم الأثرياء فقط دون الناس الفقراء".
وسلوى ليست هي الحالة الوحيدة في هذا الإطار، وتقول: إنها في غضون العام الأخير قد رأت العشرات من الحالات المشابهة، وتضيف: "لقد حاولنا أن نجد مساعدة، ولكننا فشلنا في النهاية، وقال لنا بعض المسئولين إننا يجب أن نكون شاكرين الظروف أننا لا نزال قادرين على العيش هنا من الأساس".
الكثير من المقيمين العرب يشكون من أن الحكومة العراقية تقف على الحياد، وتراقب فقط معاناتهم من التهميش والتمييز. يقول محمد ذلك الأب الفلسطيني: "نحن نعيش هنا منذ سنوات طويلة"، واستطرد في مرارة: "لكننا الآن ينظر إلينا على أننا أجانب، فاقدين بذلك كل حقوقنا السابقة، ونعاني معظم الوقت من التهميش المضاد". ويشكو محمد فلاح المتحدث الرسمي باسم جمعية الفلسطينيين في العراق من موقف الحكومة العراقية في هذا الإطار، وصرح لشبكة "إسلام أون لاين.نت" قائلا: "إن الحكومة هنا تغلق عينيها عن مشكلاتنا، وتعلن بكل وضوح أنها ترغب في أن نترك هذا البلد"، موضحا: "لقد كان لأولادنا كافة الحقوق الممنوحة للعراقيين في التعليم، وخلال حكم (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين كانت هناك أماكن منشأة خصيصا للعرب".
وأضاف قائلا: "نحن لا نطلب الكثير، ولكن فقط الاعتراف بوضعيتنا هنا، وبأحقيتنا في أن يحصل أبناؤنا على التعليم". يذكر أن ملايين العرب قد عاشوا في العراق لسنوات طويلة، ولم يعانوا من التمييز إلا في السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003م؛ حيث عانوا من ألوان عديدة من التمييز والتهميش، ومنذ الغزو الأمريكي للبلاد تم تعبئة المجتمع العراقي للقتال ضد القوات الأجنبية في العراق ومن يواليهم من العراقيين، ولكن العديد من العائلات العربية المقيمة لا تستطيع الفرار من هذه الأوضاع لأسباب اقتصادية، تاركين حياتهم تمضي بالرغم من المخاطر.
البعض منهم فكر في أنه قد يجد ملاذا آمنا في المناطق الشمالية الأكثر استقرارا وأمنا؛ حيث إقليم كردستان العراق الخاضع للحكم الذاتي، ولا توجد الآن إحصائيات دقيقة بعدد العرب الذين لا يزالون يقيمون في العراق، لكن بعض الجمعيات العراقية قدرت عددهم بنحو 900 ألف، وقد انخفضت أعدادهم إلى النصف تقريبا منذ الغزو؛ حيث قتل عدد كبير منهم ورحل البعض الآخر من البلد طلبا للأمان. وفي النهاية يرثي اللبناني ياسر أحمد أوضاع العرب في العراق ويقول ملخصا الحالة الراهنة لهم: "لقد بتنا الآن ينظر إلينا على أننا محتلون، ونعاني كثيرا من التمييز المضاد، حتى ونحن ندفع ما علينا من فواتير .
10/9/2008