في العام 1948، عام النكبة والمأساة الفلسطينية ، كان نصيب العراق الملكي آنذاك من اللجوء الفلسطيني قليل جداً، اقتصر على جزء من أهالي ثلاث قرى فقط، قريبة من مدينة جنين التي وصلتها قوات محددة من الجيش العراقي في ذلك الوقت، وهي قرى إجزم وعين غزال وجبع، وبالكاد كان عددهم يصل إلى خمسة آلاف، وفي ذلك الزمن تم لجوء ذلك العدد الصغير إلى العراق لبعض الوقت ـ كما كان يقال ـ فلقد كانت الضفة قليلة السكان !!! وعلى العموم فإن حكاية اللجوء الفلسطيني في عام 1948م تحتاج إلى أبحاث جديدة برؤية جديدة !!! ولكن حتى في السنوات التي تلت مثقلة بأحمالها الرديئة لم ترفع عدد الفلسطينيين في العراق كثيراً، بما في ذلك حرب عام 1967م، وحرب الخليج الأولى التي أدت إلى طرد قرابة نصف مليون فلسطيني من الكويت !!!
وبعد أن كان ذلك العدد الصغير من الفلسطينيين في العراق قد توزعوا على مناطق متباعدة في الجنوب والوسط والشمال، فإنهم عادوا لكي يتجمعوا في بغداد العاصمة في حي الطوبجي، وحي البلديات، وبعض الأحياء الأخرى، ولم تكن الجالية الفلسطينية في العراق في أي وقت من الأوقات طرفاً في أي مشكلة على الصعيد الوطني العراقي، ولم يلعبوا في العراق سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري أي دور يمكن أن يلفت الانتباه، وقد زادت فعالية الجالية الفلسطينية في العراق في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وفي إطار الثورة الفلسطينية وفصائلها، ولكن دون أدنى احتكاك سلبي مع القضايا الداخلية العراقية.
والغريب في الأمر، إن الجالية الفلسطينية في العراق، تعرضت منذ اليوم الأول للاحتلال الأميركي إلى استهداف خطير على يد الطائفيين، الذين يلعب معظمهم في الملعب الأميركي، والذين اعتبروا سقوط نظام صدام حسين ذريعة للتنكيل بالجالية الفلسطينية، فتعرضت عائلات كثيرة من هذه الجالية إلى الطرد من بيوتها بحجة أن تلك البيوت أعطيت لهم من قبل النظام السابق دون وجه حق !!! ثم تضاعفت الأخطار إلى حد الدعاية السوداء، وتلفيق التهم، ثم الاعتقالات والاعتداءات وعمليات الاختطاف والقتل، بل إن المساجد الواقعة في الأحياء الفلسطينية مثل مسجد القدس في حي البلديات لم تسلم من الاعتداء والتخريب!!!
بطبيعة الحال، فان الوضع العراقي الغارق كله في المأساة الطائفية، والطائفيون في الميليشيات المسلحة، وفي الأجهزة الأمنية والعسكرية الحكومية هم الذين أوصلوا العراق إلى هذه الحالة المخزية، وهم أدوات عمياء تحركها استراتيجيات الآخرين، بالتالي فإنه من الصعب على المرء أن يتخيل أن الفلسطينيين يمكن أن يسلموا من هذا التفجير الطائفي المتسلسل ذلك أن الفلسطينيين في العراق هم من أهل السنة أولاً، وهذا يجعلهم مستهدفين ضمن الاستهداف السني !!! وهم فلسطينيون يسهل تفجير الأحقاد والسلوكيات الهابطة في وجوههم، وبالتالي فإنهم بحاجة إلى حماية حقيقية، وأول خطوة في هذه الحماية يجب أن تأتي من الرئيس العراقي نفسه جلال الطالباني، الذي يتوجب عليه أن يتحدث بصراحة عن قضية الفلسطينيين، وأن يطلب صراحة من هذه الميليشيات الطائفية المتكالبة أن تكف عن إيذائهم !!!
ولكن جانب الحماية العملي، يجب أن يتوفر من قبل الأميركيين وقواتهم الضخمة الموجودة في العراق، حيث إن الكثير من الميليشيات المتكالبة التي تؤذي الفلسطينيين ما كان لها أن تسرح وتمرح على هذا النحو الشائن لو أنها وجدت العين الحمراء من القوات الأميركية.
وثمة واجب رئيسي، ملقى على كاهل المرجعيات الشيعية في العراق وإيران وفي بقية المناطق، بأن تتصدى لحماية الفلسطينيين في العراق، وأن تحرم الاعتداء عليهم، ذلك أنه من العار على الرابحين أو الخاسرين في اللعبة العراقية أن يصفوا حساباتهم على دماء وأمن ومصالح هذه الجالية الفلسطينية في العراق.
وساعد الله الفلسطينيين على مكابدتهم القاسية، حيث لا يعرفون من أين يتلقون الضربات، هل من الإسرائيليين أم من الطائفيين ؟؟! وكلهم في الجريمة سواء.