اعتاد أشقائنا وإخوتنا اليمانيون على مقولة " جمعة مباركة " يوم الجمعة فيما بينهم، ويأتي عيد الأضحى هذا العام يوم جمعة فتكون جمعة مباركة وعيد سعيد، ونرى هنا في صنعاء تعارف الناس على نزولهم إلى البلاد ( المدن والقرى التي ينحدرون منها ) في الأعياد، حتى تكتمل الفرحة ويُسر الجميع ويَهنئون بزيارات وعلاقات اجتماعية، رغم الظروف المعيشية الصعبة لأهلنا في اليمن.
فشوارع صنعاء العاصمة تكاد تفرغ أيام الأعياد، لأن الكثير ممن يعملون فيها هم من محافظات وقرى جنوبية وشمالية متعددة، وفي ذات يوم وأنا أتجول في صنعاء أتحدث مع سائق سيارة أجرة كان حديثه عن النزول إلى البلاد فهو أشبه بحديث الساعة، فسألني كعادة معظم اليمانيين في محاولة معرفة الكثير من الأمور وأنت ؟ فقلت له: ليس لدينا بلاد لأن أهل الحرام اغتصبوها! فسكت قليلا وبدأ بالدعاء لنا فور معرفته بأنني فلسطيني وهذا حال أكثر اليمانيين فهم متعاطفون بشكل كبير جدا مع قضيتنا.
هذا اليوم هو يوم عيد الأضحى ويوم الحج الأكبر ويوم الجمعة العيد الأسبوعي للمسلمين، يوم كله أعياد ومسرات، بل يكاد يكون من أفضل الأيام كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر ) ويوم القر هو ثاني يوم النحر لما يقر فيه الحجيج بعد تعب أيام التروية وعرفة والنحر.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هنالك أناس عيدهم غير سعيد ولا جمعتهم مباركة؟! الجواب: يوجد.. فالجميع لهم بلاد ينعمون بها ويحسون طعم العيد، ونحن ليس لنا بلاد ! كلا .. لنا بلاد لكن مغتصبة محتلة مسلوبة، وكم كنا نتمنى أن تخفف علينا تلك الفاجعة والنكبة بصدق النشيد القائل( بلاد العرب أوطاني!) فهل حقا بلاد العرب أوطاني أم ذهب ذلك الزمان وأصبحت كسائر الشعارات التي تقال هنا وهناك، بل الواقع يظهر عكس ما يقال!!
العديد من المسلمين الآن ليس لديهم مأوى، يبيتون جوعى، ولا يقدرون على علاج المرضى، وبالمقابل هنالك أناس يموتون بسبب التخمة، ويتبارون بالأبراج والمباني الشاهقة، يتنافسون بكثرة العقارات والتجارات والسيارات بل كثير من الأشياء التافهات، ولازال أخوة لنا يفترشون الصحراء ببردها وحرها، ينفون إلى ما وراء المحيط وبلاد الأمازون وغيرها، لأن: بلاد العرب أوطاني!!
من معاني هذه الأيام تعظيم الله عز وجل بكثرة ذكره لاسيما التكبير والتهليل، فالله أكبر على كل من طغى وظلم وتكبر، والله أكبر على من هجّرنا وشتتنا وتجبر، والله أكبر على من فرق شملنا وادعى الإسلام وللعروبة تنكر، والله أكبر على كل من ظلمنا أو سكت عن مأساتنا وجامل وقصر، والله أكبر على من تسبب بتهجيرنا وشعب بأكمله دمر، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
كنا فيما مضى من سنوات أشبه بكتلة واحد في مثل هذه المناسبات، تزاور وتعارف لقاءات ومعايدات، إلا أن الأمر الآن انقلب رأسا على عقب، فالأسرة تفرقت لعدة دول، والعائلة تشرذمت لشتى بقاع الأرض، أواصر تفككت، روابط تكسرت، علاقات ضعفت، وهذه نتيجة طبيعية لشعب حكم عليه بالنفي وعوقب بعدم رؤية الولد لوالده والشقيق لأخيه، والصديق لخليله، ناهيك عن أقارب وأخوة ومعارف وأصحاب لازالوا في الصحراء فهل يسعدون بهذا العيد؟! وهم يشاهدون الحجيج في أرض واحد متآلفون متحابون، وبقية المسلمون يصلون العيد ويتبادلون التهاني والمسرات، فبالله عليكم هل عيدنا سعيد في ظل هذه المصائب والابتلاءات نسأل الله العافية والصبر.
من معاني العيد أيضا التضحية والفداء، فإبراهيم عليه السلام قد استجاب وانقاد لأمر ربه عز وجل عندما رأى في المنان أنه يذبح ولده وفلذة كبده، لأن الذي أعطى وأخذ هو الله، فسطر أعلى درجات التضحية فعوضه الله خيرا بذبح عظيم، ولنتأسى به فلا نخلد إلى الأرض ونتعامل بأنانية مع قضايانا المصيرية، لاسيما ونحن نمر بأزمة حقيقية دينية وأخلاقية بل وإنسانية، فأين نحن من معاني التضحية ومعايداتنا أصبحت عبر رسائل الجوال أو الماسنجر والإيميل، بسبب بعدنا بمسافات تفصلها دول وقارات ومحيطات وبحار ومساحات شاسعة، وكل ذلك بمرأى ومسمع من العرب والمسلمين.
فعوائل فلسطينية ينتظرون النوم على أرصفة برازيليا بعد إنذارهم بالطرد من الفندق الذي يسكنون فيه، وآخرون أيضا عرضة لمعاناة جديدة في مخيم الهول، وينتظر مئات من اللاجئين الفلسطينيين منفاهم الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية بعد عناء صحراء الوليد في المنطقة الغربية داخل العراق، وآخرون في شبه القارة الهندية لا يعلمون ما الذي ينتظرهم، وفتات من العوائل يهجرون إلى كندا واستراليا لإعادة توطينهم لأنهم بلا وطن وبلا إقامة وبلا مأوى والحدود العربية مغلقة بوجوههم لأن بلاد العرب أوطاني !!
ولن ننسى بقية باقية صابرة صامدة في العراق الجريح الذي تكالبت عليه قوى الشر وكأنه أًصبح مرتعا لكل من تقوى نفسه على النهش بلحوم الآخرين المستضعفين، وفي المقابل أعداد من الذين استجاروا بعد الله عز وجل بدول الإنسانية فمنحوا الرفض من الإقامة على أرضهم والسويد مثال لذلك، وهنالك عوائل ضاقت بها الأرض بما رحبت فقرروا المجازفة والوصول إلى ماليزيا عسى أن يجدوا مبتغاهم إلا أن مصيرهم مجهول، ناهيك عن محطات جديدة أشبه بالسجون المؤقتة في رومانيا وسلوفاكيا وتفريق عوائل واحدة وتشتيتهم في ولايات كبيرة يصعب التواصل فيما بينهم لاحقا.
لطالما حُرم أطفالنا من لذة العيد وسعادته إلا أن عزائنا وتسليتنا أن هذه الدنيا فانية وأن المسلم مبتلى فيها، كما قال تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه و إن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض و ما عليه خطيئة )، وأن هذه الدنيا مهما عظمت فهي حقيرة ومهما كبرت فهي صغيرة ومهما طالت فهي قصيرة .
منذ ست سنوات والعيد بواد ونحن بواد آخر، لكن لابد من التنبيه على أن العيد ليس لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن أطاع رب العبيد، وحافظ على الفرائض والعبادات، وأدى ما عليه من حقوق وواجبات، لله ولرسوله وعامة الناس، وثبت في المحن وصبر واحتسب، ولم يستبدل الأدنى بالذي هو خير، أو يشري نفسه بعرض من الدنيا قليل، لمجرد منصب أو جاه أو مركز مرموق أو شهرة أو حب محمدة الناس.
نسأل الله أن تكون جميع أيامنا مباركة، وأعيادنا مفرحة ، وأعمالنا صالحة متقبلة، ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والطاعات، وعيدكم مبارك، وأعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير والمسرات والبركة، وتحرير الأقصى من براثن اليهود الغاصبين، وكل عام وأنتم بخير.
أيمن الشعبان
باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق
10-ذي الحجة-1430هـ
27-11-2009
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"