ايهاب سليم-السويد-22-2-2010:
تعرض اللاجئون الفلسطينيون في العراق الى مراحل عصيبة قد تكون الاصعب من بين جميع المراحل التي مرت بتاريخ امتنا العربية والاسلامية خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين,بداية توالى على قراهم في قضاء حيفا (أجزم-جبع-عين غزال-الصرفند-كفرلام وغيرهن),المُستعمر البريطاني باستخدام وسائل التنكيل والاعتقالات والاحكام العُرفية,فما كان منهم سوى الدفاع عن اراضيهم وحرائرهم,فمن قرية عين غزال خرج القائد الشهيد (محمد قاسم ابو قاسم) ليسطر في التاريخ الفلسطيني ملاحم و بطولات خلال الثورة الفلسطينية الكبرى,فشن العديد من عمليات الاغتيالات ضد كبار قادة الانجليز بينهم اغتيال قائد الطيران الانجليزي في وادي المغارة قرب قرية جبع,فيما بعد اصيب ابو قاسم في معركة كبيرة ضد الانجليز في احراج اليامون بطلقات طائرة بريطانية اخترقت ظهره وخرجت من بطنه,فنُقل على اثرها الى مستشفى حيفا متلفظا انفاسه الاخيره امام قائد شرطة زمارين القادم اليه بشماته صهيونية (كوهين) في التاسع من اذار مارس عام 1938.
بعد ذلك,شاءت الاقدار ان تكون قرى جبع واجزم وعين غزال والصرفند وكفر لام في حيفا ضمن منطقة عمليات القوات العراقية التي كانت بقيادة (عمر علي) والتي شهدت الصمود الاسطوري لاهالي هذه القرى امام هجمات العصابات الصهيونية خصوصا بعد سقوط مدينة حيفا بيد العصابات الاجرامية في الثالث والعشرين من نيسان عام 1948 وذلك بعد انسحاب القوات البريطانية منها.
في هذا التاريخ تحديدا بدات قرى حيفا تسقط الواحدة بعد الاخري بيد العصابات الصهيونية التي كانت مسلحة ومنظمة بشكل جيد ,الا ان قرى جبع واجزم وعين غزال والصرفند وكفر لام كانت عصية على هذه العصابات وذلك بسبب المقاومة الشرسة التي ابداها الثوار حتى تمكنوا من قطع طريق (حيفا-تل ابيب) من خلال قنص الصهاينة بينهم اربعة سياح,الامر الذي دفع العصابات الى محاصرتها بشكل مُحكم وقطع اتصال هذه القرى ومن فيها عن العالم الخارجي فبادر الثوار الى تشكيل لجنة عسكرية تتولى المسؤولية عن تنظيم العمليات القتالية وتسيير الامور الحياتية للمواطنين .
وضمت هذه اللجنة التي كانت برئاسة المحامي محمود نايف الماضي كل من يوسف مفلح الفياس وتوفيق عبد القادر الحلاق وسليم عبد الرزاق الصعبي ومحمد خطاب النعسان, وبدات اللجنة عملها لتخفيف وطات الحصار وذلك من خلال إرسال مجاميع من الشبان إلى قيادة القوات العراقية التي كان مقرها جنين للتزود بالمؤن والسلاح والذخيرة الامر الذي وطد العلاقة بين اللجنة وقيادة القوات العراقية .
وفي احد المعارك التي كانت تديرها اللجنة العسكرية من مقرها في بيارة محمود الماضي في اجزم تمكن الثوار من اسر عدد من اليهود بينهم المهندس اتكس وزوجته التي كانت أصيبت بجروح في حين أسرت العصابات الصهيونية عدد من الثوار خلال هذه المعركة,وهنا بدأت مفاوضات بين الجانبين عن طريق القنصلية الاسبانية.
وبعد اسبوع من تنفيذ بند اطلاق سراح الاسرى فوجئ اهالي القرى بهجوم جوي اسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى , ولم يكن هذا الهجوم سوى بداية لعدة غارات رافقتها هجمات برية نفذتها العصابات الصهيونية على اطراف القرى والتي كانت تصطدم بدفاعات الثوار القوية المدعومة من قبل الجيش العراقي واحدى الضابط البريطانيين السابقين المُشرف على مضاد جوي كان بحوزته بعد ان فضل الانخراط بصفوف المقاومة الفلسطينية في هذه القرى ليطلق عليه اسم (محمد) بعد اعتناقه الاسلام.
وبعد تنفيذ بنود اتفاقية الهدنة الثانية بين العرب واليهود في الثامن عشر من تموز يوليو عام 1948 لم تتمكن قيادة القوات العراقية في جنين من مواصلة دعمها للثوار وتركت لهم تقدير موقف والتصرف على ضوئه,وهنا زادت هجمات العصابات الصهيونية على القرى ما اوقع العشرات من الشهداء,الامر الذي حدى بالقيادة العسكرية للثوار اصدار امر بالانسحاب الى جبال اجزم, واثر ذلك تقدمت العصابات الصهيونية لتحتل قريتي حبع وعين غزال بعد تدميرهما بالقصف في الحادي والعشرين من تموز يوليو عام 1948, الا ان قتالا غير متكافئ استمر في جبال قرية اجزم بين الثوار والعصابات الصهيونية التي استخدمت الطيران والمدفية في حين لم يمتلك المقاتل الفلسطيني سوى بندقيته القديمة وعدة رصاصات.
وهكذا استطاعت العصابات الصهيونية من دخول قرية اجزم واحتلالها في الثالث والعشرين من تموز يوليو عام 48 أي بعد ثلاثة اشهر من سقوط مدينة حيفا بيد هذه العصابات وبعد خمسة ايام من توقيع اتفاقية الهدنة الثانية بين العرب واليهود, وهنا اعلن احد قادة العصابات الصهيونية لوسائل الاعلام ( لقد اسرنا الحمامة البيضاء وكسرنا جناحيها والحمامة البيضاء هي قرية اجزم التي كانت منازل اهلها مبنية بالحجر الابيض والجناحين هما جبع وعين غزال اللتان كانتا تشكلان وقرية اجزم مثلث جغرافيا كان الفلسطينيون يسمونه تندرا بمثلث الرعب.
وخلال زيارته لمدينة جنين لتفقد اوضاع قواته اطلع الوصي على العرش في العراق عبد الاله على الاوضاع الماساوية التي كان يعيشها اهالي القرى الثلاث الذين انتزعوا من مناولهم وافترشوا العراء في مدينة جنين وقراها عقد اجتماع مع عدد من اعضاء اللجنة العسكرية للقرى الثلاث وتم الاتفاق على نقل النساء والشيوخ والمرضى الى العراق على امل عودتهم الى قراهم بعد ايام وتشكيل (فوج الكرمل) تحت قيادة الرائد مصطفى عبد القادر الذي كان مقره سيلة الظهر حيث التحق بالفوج شباب القرى الثلاث وكل من استطاع حمل السلاح .
وفي نهاية عام 48 بدات قوات الجيش العراقي الانسحاب من الضفة الغربية لتحل محلها قوات الجيش العربي الاردني وضم فوج الكرمل الى قيادته التي اسمته الكتيبة ( 11) .
اما العائلات المتبقية التي تقرر ترحيلها الى العراق اثر بعضها البقاء في جنين وتوجه بعضها الى نابلس والاغوار في حين نزل بعضها من الحافلات في عمان ونزل بعضها في درعا السورية والبقية الباقية واصلت طريقها الى العراق.
بعد وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى العراق، أصبحوا تحت رعاية وزارة الدفاع العراقية ،بعدها تم توزيع سكنهم في المقرات الحكومية،وعلى مناطق بغداد والموصل والبصرة,والتي نشب في الاخيره اولى الاصطدامات اثر اعتراض اللاجئيين الفلسطينيين على طريقة المعاملة داخل المخيم العسكري,فيما بعد تغير النظام الملكي العراقي الى جمهوري في عهد الرئيس العراقي الراحل (عبد الكريم قاسم) عام 1958,نشب اصطدام اخر ما بين اللاجئيين الفلسطينيين الموالين للقومية العربية وقوات عبد الكريم قاسم والشيوعيين ادى الى اعتقال عدد من اللاجئيين حينها,وبعد اغتيال قاسم وتسلم الرئيس العراقي الراحل (عبد السلام عارف) مقاليد الحكم في العراق عام 1963,نشب اصطدام اخر ايضا ما بين القوميين العرب من اللاجئيين الفلسطينيين واشقاءهم العراقيين من جهة وقوات عارف الحكومية من جهة اخرى ولاسيما في منطقة الفضل وسط بغداد ما ادى الى تحول حياة اللاجئيين داخل العراق الى كابوس أمني بينما فضل عدد من ابناءهم الانظمام الى المقاومة الفلسطينية مع بداية تجدد شرارتها عام 1965,اغتيل عبد السلام عارف عام 1966 فيما بعد وتسلم شقيقه (عبد الرحمن عارف) مقاليد الحكم حتى بدءت الاوضاع المعيشية والامنية بالتحسن,وازداد التحسن بصورة عامة بعد تسلم الرئيس العراقي الراحل (احمد حسن البكر) مقاليد الحكم عام 1968 ,والذي كان تربطه علاقات وطيدة مع اللاجئيين الفلسطينيين حتى شهد في عهده تشييد التجمع السكني الفلسطيني في منطقة البلديات جنوب شرق بغداد وكذلك افتتاح العديد من المعسكرات الفلسطينية داخل العراق فنجح ابناءهم بالمشاركة تجاه قضيتهم الرئيسية الخ.
ومع نشوب الحرب العراقية-الايرانية خلال الاعوام (1980-1988),شارك اللاجئون الفلسطينيون فيها دفاعا عن عروبة العراق ولاسيما بعد تعدد الخطابات الرسمية الايرانية المتوعدة باحتلال بغداد,فأشترك ابناء اللاجئيين الفلسطينيين في معركة شرق البصرة جنوب العراق عام 1982 وسقط عدد من ابناءهم فيها وكذلك في معارك شمالية وشرقية اخرى,وبذات الوقت كان عدد اخر من ابناءهم يقاتلون الجيش الصهيوني في بيروت وسقط منهم ايضا عدد من الشهداء دفاعا عن عروبة بيروت.
في عام 2001,اصُدر قرار من ديوان الرئاسة يحمل الرقم (102) ينص على معاملة اللاجيء الفلسطيني المقيم إقامة دائمة في العراق،معاملة العراقيين في جميع الحقوق والواجبات، باستثناء الحق في الحصول على الجنسية العراقية,واحتفظ اللاجئون في العراق طيلة هذه المدة على وثيقة السفر الفلسطينية الصادرة من العراق ليتبعها فيما بعد جوازات السلطة الفلسطينية سمة الخارج.
لم يؤد الاحتلال الأميركي-الصهيوني للعراق في نيسان ابريل عام 2003 إلى نتائج سلبية بحق العراقيين فقط، الذين دمرت دولتهم وتباعدت طوائفهم، بل تعداهم وصولا الى اللاجئيين الفلسطينيين,فكانت السفارة الفلسطينية اول سفارة تقصف في بغداد,بل وتعداه بقصف المجمع السكني الفلسطيني في البلديات وانهيار اجزاء من عمارتين سكنيتين,لتبدأ فيما بعد مرحلة قاسية على اللاجئيين الفلسطينيين في العراق من حيث التنكيل و المطاردات والاعتقالات والاغتيالات والخطف والتعذيب والقتل على الهوية الفلسطينية والاستهداف بالقصف والمداهمات العشوائية,فتارة تتناوشهم قوات الاحتلال الامريكي,وتارة تتناوشهم ما تسمى (قوات تحرير العراق) برئاسة احمد الجلبي المدعومة من الموساد الصهيوني,وتارة تتناوشهم منظمة بدر المدعومة من ايران الصفوية,وتارة يتناوشهم (جيش المهدي) لاسباب طائفية صفوية,وتارة تتناوشهم قوات وزارتي الداخلية والدفاع,حتى اسفرت هذه المهاترات السياسية والامنية والعسكرية والطائفية خلال الفترة الممتدة من عام (2003-2010) عن مصرع 273 لاجيء فلسطيني واعتقال واصابة العشرات وتهجير الالاف صوب الصحاري على جانبي الحدود العراقية الاردنية-والعراقية السورية وبداخل الاخيره ايضا,وكذلك وفي ثلاثة وثلاثون بلدا اجنبيا,ليتبقى منهم سوى احدى عشر الف لاجيء تقريبا من اصل اربعة وثلاثون الف لاجيء عالقون ما بين بلطجة الاحتلال الامريكي-الصهيوني وما بين مافيات الداخلية والدفاع والمنظمات الصفوية السوداء المدعومة من ايران.
اللاجئون الفلسطينيون في العراق حالة نادرة وهم مُختبر تجارب ساري المفعول على بقية اللاجئيين الفلسطينيين في لبنان ام سوريا ام حتى الاردن,لكن المُعيب في هذه المعادلة هو عدم الاكتراث بدماء الشهداء الفلسطينيين في العراق ولا حتى باسرهم وعائلاتهم ولا حتى بتاريخهم او انسانيتهم كبشر,فتارة نرى تحالف فلسطيني مسؤول يرتمي في حضن البلطجة الامريكية الصهيونية وتارى نرى تحالف فلسطيني مسؤول يرتمي في حضن المافيات الايرانية الصفوية,والقطبين يضعان رأسهما تحت التراب كي لايرى شعبنا الفلسطيني الحقائق الدينية والتاريخية والسياسية,ويجنبهما كل عارض سياسي يتقاطع مع مصالحهم السياسية وتقاطع مخابراتهم وتحالفاتهم الخارجية,وبسابق الاصرار والترصد يتعمدان تجاهل محنة اللاجئون الفلسطينيون في العراق.
فالحقيقة الثابتة التي لا تنطلي الا على من يريد ان تنطلي عليه,اولها ان امريكا والصهيونية هما الافرنجة الحقيقيين ولايكترثا بدماء الفلسطيني او العربي او المُسلم ويسيران تحت يافطة (الخطوة بعد الخطوة) باتجاه تحقيق الحلم الكامل بالسيطرة (الصهيونية) من النيل الى الفرات,والثانية ان ايران لا تمتلك شهيد واحدا في فلسطين وأن أعجبتم بلسانهم,بل ولاتكترث حتى لو هُدم قبة الصخرة لاسامح الله لاسباب طائفية صفوية بحته تتعلق بالخلفاء الامويين ومن قبلهم الراشدين وصولا الى صلاح الدين الايوبي (رحمه الله) الذي لم يسلم هو الاخر من أنياب صفويتهم,بل بربكم كيف سياتي النصر بعد الحوز على رضاء الله ورسوله ان كان حلفاءنا شاتمي الرسول الكريم مُحمد صلى الله عليه وسلم من الافرنجة بالنسبة للقطب الاول وشاتمي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقطب الثاني؟
اما السياسة في العراق,فحدث بلا حرج,وهي تحمل ذات التحالفات الحاصلة من القطبين فالاول تحالف عراقي مسؤول في حضن البلطجة الامريكية الصهيونية والاخر تحالف عراقي مسؤول في حضن مافيات الصفوية الايرانية...الخ.
ما بين القطب الاول الذي يساوم على تراب فلسطين وشعبها ولاجئيها وما بين القطب الثاني الذي يساوم على تراب العراق وشعبه ولاجئيه نقول:لن تباع فلسطين للصهيونية ولا العراق للصفوية.
إيهاب سليم – السويد
22/2/2010
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"