الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد : -
فلقد هالني ما قرأت في موقع من مواقع فلسطيني العراق ولما في هذا الكلام من مخالفة عظيمة لمنهج الإسلام وما لهذا الكلام من خطورة بالغة على أهلنا خصوصاً في قبرص وكذلك وجدت بعض من يؤيد لهذا الفكر الضال في تعليقاتهم لذلك كتبت هذا الموضوع .
فإن الإسلام جاء رحمة للعالمين ينظم شؤون الناس في جوانبها المختلفة ويضع الأمور دائما في نصابها الصحيح من كتاب الله تعالى وسنة رسوله فيحمي المظلوم من الظالم ويعطي كل ذي حق حقه ويمنع الاعتداء وسفك الدماء بالباطل ويحقق حياة آمنة للناس يأمن فيها الراعي والرعية وتصان فيها مقاصد الشريعة الخمسة .
فإن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم لهداية البشر والجن وإخراجهم من الظلمات إلى النور , غير أن قوى الحيوانية في الإنسان تطغى كثيرا على قوى الخير والإنسانية فيحتاج إلى قوة رادعة له وترده إلى صوابه وتعيده إلى فطرته الخيرة ومن أجل ذلك وضع الإسلام الحدود الشرعية مثل حد الزنا وحد القتل وحد الحرابة والسرقة والخمر وحد التعزير وغيرها من الحدود , وهذا لحكم عظيمة من الشارع ومن هذه الحكم في تطبيق الحدود تطهير الناس من الذنوب في الحياة الدنيا قال عليه الصلاة والسلام : ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله , ولا تسرقوا ولاتزنوا فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو به كفارته , ومن أصاب من ذلك شيئأ فستره الله عليه إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه ) أخرجه البخاري - ، ومن فوائد الحدود أنها تحقق الأمن للناس وتحمي أعراضهم وأموالهم وأرواحهم ...الخ ، وكذلك هي سد ومنع لحالة الثأر التي كانت سائدة ومنتشرة بين الناس وكذلك الحصول على رضا الله تعالى في تطبيق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
ومن اجل كل هذه الأهداف والحكم فقد اشترط علماءنا الأجلاء في إقامة الحدود شروطا غاية في الأهمية منها :
1. أن يكون المذنب مختارا غير مكرها .
2. أن يكون بالغأ عاقلاً .
3. أن تثبت الجريمة أما بالأعتراف من المجرم أو بالشهود .
4. وجود أمام وقاضي شرعي في دولة الإسلام .
5. أن لا تكون هناك شبه تمنع من إقامة الحد .
لذلك فالحدود الشرعية تكتسب صفه مهمة وهي صفة الحق العام وليس صفة الحق الخاص أي بمعنى أن تطبيقها ليس من حق أي فرد من أفراد المجتمع لأن فتح هذا الباب للناس سيؤدي إلى فوضى وفتنة عظيمة لذلك فإن التشريع الإسلامي وكل تنفيذ الحدود بالحاكم أو من ينوب عنه فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد بنفسه كما جاء في الحد الذي وقع على ماعز والغامدية رضي الله عنهم وكذلك ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أحد الصحابة بتنفيذ الحد كما في حديث ( أغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها ) أخرجه البخاري- ، ولم يثبت أن أحد من الصحابة طبق تنفيذ حد على أحد من المسلمين أو من الكفار دون موافقة النبي صلى الله عليه وسلم وتصريح منه وإن حصل هذا من أحد من الصحابة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغضب غضباً شديدا وينكر عليه أشد الإنكار والأدلة مشهورة على هذا , وأقوال العلماء كثيرة في هذا الباب حيث إن جمهور علماء المسلمين يرى بأن تطبيق الحدود هو من حق الإمام الأعظم أومن ينوب عنه ومن يخالف هذا هو خارج عن منهج الإسلام يقام عليه حد الحرابة , وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين مراتب ووسائل الإنكار بقوله عليه الصلاة والسلام ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإ يمان ) رواه مسلم - ، وقد فهم هذا الحديث بعض من لا يفقه الدين أن التغيير باليد على أي منكر هو من حق أي فرد بالمجتمع وهذا غير صحيح فإن كثير من المنكرات لا يحق أن يغيرها إلا السلطان أو الأمير وخصوصاً ما يتعلق بها من حد أو تعزير القاضي أو من ينوب عنهم ويجوز للمدرس أو للزوج أن يربي من تحته بالمعروف إن عجز عن التغيير باللسان , أما الإنكار بالقلب فهذا يجب بكل حال من الأحوال قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( من لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من المنكر والفسوق والعصيان لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه ) ، لذلك فان ما ينجم من هذا المعتقد الخاطئ من إستباحة دماء الناس المعصومة وهتك لحرمة الأمن والاستقرار وأن يقيم الناس الحدود من تلقاء أنفسهم فهذا من أعظم الفساد في الأرض وان آخر مابلغنا ووصانا به صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ثم قال ألا هل بلغت اللهم فاشهد ) متفق عليه ، والحقيقة الموضوع قد كتبه جمع غفير من كبار علماء المسلمين الأفاضل كإبن باز وإبن عثيمين رحمهما الله وغيرهم كثير من علماء الأمة وبينوا هذا الإنحراف في المنهج والسلوك وفتاويهم واضحة بتحريم هذا الفكر والموضوع طويل ولكن أحببت الاختصار خشية الملل ، اللهم اهد شبابنا وبناتنا لمنهج أهل السنة والجماعة على فهم سلف الأمة اللهم ثبت قلوبنا على دينك ولا تخزنا يوم القيامة وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ياسر الماضي
18/6/2011
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"