ج2: هكذا سلم الانكليز حيفا الصهاينة
صرحت إدارة الانتداب البريطاني مراراً و تكراراً بأن انسحاب قواتها و جلائها عن فلسطين بشكل نهائي سيكون يوم 15 /5 /1948م اي بالتنسيق المبيت مع عصابات الصهاينة لإعلان كيانها الغاصب فوق التراب الفلسطيني ، بل الانكى من ذلك ليس ان بريطانيا اعلنت عزمها على الانسحاب يوم 15/5/1948م فحسب بل قررت الانسحاب من حيفا لاعتبارات عسكرية و سوقية و لمصالح دولية حيوية ..! كما ادعى الانكليز ذلك في حينها .. هكذا صرح الانكليز أنهم يريدون الانسحاب من فلسطين يوم 15/5/1948م اما بالنسبة لحيفا و لاعتبارات دولية سوف ينسحبون منها يوم 15/8/1948م .. و إذا بهؤلاء الانكليز المخادعون ينسحبون فجأة و على حين غفلة من حيفا يوم 22/4/1948م .. !؟
اي خيانة و كذب و غدر هذا ..؟ إنها المؤامرة ..!؟ إنها إعلان الحرب على الاسلام و على العرب ، جاء في مذكرات زعيم فلسطين الحاج امين الحسيني ( رحمه الله ) حول خيانة الانكليز و غدرهم و تسليم حيفا للصهاينة يوم 22/4/1948م .
( اما حيفا فقد كانت كارثتها من ابرز مظاهر تحيز الانكليز لليهود و تآمرهم معه . فقد اعلنت سلطة الانتداب البريطاني ان لبريطانيا مصالح حيوية في حيفا ، و إنها لن تتخلى عنها إلا بعد شهر آب – ( أغسطس ) 1948م اي بعد الانتداب بثلاثة اشهر و نصف ، و على هذا منعت العرب من إقامة المراكز المحصنة داخل المدينة ، و حضرت عليهم الوصول الى أماكن معينة ، في الحين الذي كان فيه اليهود يتحصنون و يتمركزون دون حظر ، و ظهر ان اليهود قد تسلموا ما كان بيد الانكليز من المعسكرات ذات الشأن و الأماكن المحصنة المشرفة على حيفا ..
و اضطرار اهلها للجلاء عنها بعد وقائع دامية تاركين ورائهم كل ما يملكون [1].. ان هذه الوثيقة التي ذكرها ابرز شخصية فلسطينية وطنية قيادية كافية لتدمغ الانكليز بالجريمة و المؤامرة إنها وثيقة تغني عن كل قول .. إنها شهادات التاريخ..
و جاء في يوميات و أسرار أحاديث محمد حسنين هيكل الأسبوعية عن مؤامرة تسليم حيفا حيث قال : لقد سلمت الإدارة البريطانية في فلسطين العديد من المعسكرات و المواقع و الاسلحة و المعدات .. لليهود في مدينة حيفا [2] ..
تصريحات إدارة الانكليز بفلسطين حول عملية الانسحاب كانت قد صدرت من اكثر من قائد عسكري وسياسي بريطاني في فلسطين و لندن مع علم الجامعة العربية في القاهرة و أمينها عبد الرحمن عزام باشا ، و غيرهم من المسئولين .. و القادة .. في المنطقة ..
ففي ظهر يوم 21/4/1948م قام الجيش البريطاني بتطويق مدينة حيفا من جهة البر ، و منع بقوة الحراب دخول اي مجاهد او سلاح او اي نجدة فلسطينية تدخل حيفا لمساعدة اهلها على البقاء و الصمود و المقاومة .. و خاصة من قرى الطيرة و اجزم و جبع و عين غزال ...
أكد هذه الحقيقة شهود عيان ثقاة يمتازون بالوطنية الحقة ، منهم المواطن ( حسن شبلاق ) هذا المواطن الغيور الذي استطاع ان يدخل مدينة حيفا مع إحدى مصفحات الجيش الأردني التابع للقيادة البريطانية و رأى بعينه ، و لمس بنفسه ، الطوق العسكري البريطاني المحكم على مداخل مدينة حيفا ، في حين ان هذه المداخل و هذه الطرق مفتوحة امام العصابات الصهيونية المسلحة . ثم يدخل المسلحون الصهاينة و معهم الاعتدة و الصناديق و السلاح دون عرقلة ..دون عائق ..!؟ بل يدخلون و يتحصنون بالتنسيق مع الانكليز ..
ان عملية حصار حيفا الصامدة و تطويقها حصراً على منع المقاومين الفلسطينيين من الدخول الذي هو جزء من مؤامرة تسليم حيفا لعصابات الصهاينة وفق آلية مدبرة و أجندة بريطانية ..!؟
ثم فتح الطريق لحيفا امام عصابات الصهاينة المسلحة المتدفقة هو جزء آخر متمم من مؤامرة تسليم حيفا لليهود .. !؟
هكذا تم تسليم مدينة حيفا بالكامل من قيادة الجيش الانكليزي الى عصابات الهاغاناه و شتيرن و الأرغون الإرهابية .. الصهيونية في فلسطين المقدسات و السلام و الأمان .. جهاراً نهاراً تآمراً...
لقد جعلت إدارة الانكليز الصهاينة يتمكنون و يتحصنون في أنحاء مدينة حيفا ثم يسيطرون على العمارات و الأماكن الحساسة ثم نقلوا مركز قيادتهم الى أعلى سفح جبل الكرمل و التي سلموها فيما بعد لعصابات الصهاينة المسلحين لتكون قرى حيفا تحت مرمى هذه القيادة المتمركزة في أعالي الجبل ..؟ و التي هي موقع استراتيجي هام للانكليز سلموه للصهاينة .. قالت الباحثة و الأديبة أسمى طوبى حول مؤامرة تسليم حيفا : ( " نقل الانكليز مركز حكومتهم من حيفا الى الكرمل ، و وقفوا يتفرجون على مجزرة حيفا ، فلما زار الحكومة و القيادة البريطانية وفد رسمي عربي و احتج قائلاً :
إنكم مسئولون عن حماية حيفا حتى 15 أيار و هو موعد جلائكم و لا يزال للموعد ثلاث أسابيع " فكان جواب الحاكم البريطاني ( المتآمر الخبيث ) هزّة من الكتفين مع جملة واحدة فقط هي :
" هذه أوامر لندن[3] .."
إن انسحاب الجيش البريطاني المفاجئ و السري و السريع و المبكر من مدينة حيفا ليلة 21 على 22 /4/1948م بدلاً من الموعد الرسمي المقرر المعلن 15/5/1948م هو الجزء او الفصل الأخير من مأساة و مؤامرة و صفقة تسليم حيفا الى عصابات الصهاينة .. و تنسحب هذه الحالة و المؤامرة على باقي أراضي و مدن فلسطين .. و إليك بعض الحقائق الأخرى .. و توثيق جريمة الانكليز بفلسطين ..
ذكر مواطن فلسطيني شاهد عيان على الحدث و عمليات التآمر قائلاً : ان السيارات و الآليات البريطانية كانت تنقل الجنود المسلحون الصهاينة من المستوطنات ( المستعمرات ) الصهيونية المجاورة لحيفا طول الليل بصمت و هدوء ، ليلة 21 على 22 /4/1948م و الهدف البريطاني من ذلك هو مجابهة المقاومة المسلحة المتزايدة في داخل حيفا و العمل على إضعافها لصالح كفة الصهاينة ..!؟ و منع دخول أية نجدات و مقاومة او تعزيزات عسكرية لها إنها شهادات التاريخ الدامغة على مسرح الجريمة و العدوان و الاغتصاب و الظلم ..!؟
رشيد جبر الأسعد
عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في العراق
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
[1] - راجع : الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين و رئيس الهيئة العربية العليا الفلسطينية : أسباب كارثة فلسطين – أسرار مجهولة و وثائق خطيرة ، قدم له هشام عوض ، نشر دار الفضيلة ، صفحة (79) . و مجلة فلسطين الصادرة عن الهيئة عدد 167 / بيروت صفر 1395هـ - شباط 1975م صفحات ( 4 – 10 ).
[2] - قناة الجزيرة القطرية : برنامج مع هيكل ، يوم السبت 19 رمضان المبارك 1426هـ الموافق 22 / 10 / 2005م حول حرب فلسطين عام 1948م ، الساعة 2:05 ظهراً الساعة 10:00 من توقيت الدوحة .
[3] - اسمى طوبي : عبير ومجد ، ص ( 323 ) ، الشيخ محمد نمر الخطيب : ن اثر النكبة ص ( 290 /295 ) ، و مجلة فلسطين الصادرة عن الهيئة عدد 167 / بيروت صفر 1395هـ - شباط 1975م صفحات ( 4 – 10 ). و نجيب الأحمد : فلسطين تاريخاً و نضالاً ، دار الجيل للنشر – عمان ، آذار 1985م ص ( 431 ).