قال تعالى (وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار) (إبراهيم 34 ) فإن
نعم الله مهما حاول العبد أن يحصيها فإنه لن يستطيع عدها إذا حاول أن يتدبرها
ويتمعن بها فلله نعم ظاهرة كنعمة الخلق بعد العدم ونعم الحواس
وما خلق لك من حولك ونعمة الأمن والصحة والشريك ....إلخ.
ونعم أخرى باطنة هي أعظم بكثير من الظاهرة
لمن ذاقها كنعمة الإيمان والاهتداء الى العقيدة الصحيحة فهذه والله لمن أعظم النعم
إن وفقك الله للعقيدة الصحيحة في إتباع كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم
على فهم خير القرون وهو القرن الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3 .
فكم من أناس حولك ضلوا الطريق وكم من أناس
يظنون أنهم يعبدون الله وانهم على الإسلام ودين التوحيد وهم في الحقيقة
يشركون بالله تعالى أو يتعبدون الله ببدع محدثة ما أنزل الله بها من سلطان فالحمد
لله على نعمه ظاهرة وباطنة كما قال تعالى (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة).
فإن بعض الناس للأسف لا ينظرون كما يقال إلا
الى نصف الكاس الفارغ ولا ينظرون إلى النصف المملوء منه فلا تسمع منهم غير الشكوى
والتذمر على الحال الذ ي صرنا إليه حتى ملت الأسماع من هذا الكلام , ولو نظر
الى تحته قليلاً لوجد أن هناك ملايين من الناس بل ربما مليارات هم أسوء منا حالاً
ظاهراً وباطنا .
لنعلم أيها الإخوة علم اليقين أن الله تعالى
لا يغير نعمة أنعمها على عبده حتى يغير ما بنفسه كما قال تعالى( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ
وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ {الرعد:11} يقول ابن القيم رحمه الله
وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته فإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة حفظها
عليه ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه, فكم من نعم زالت عنا
لهذا السبب وكما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها ***
فإن المعاصي تزيل النعم
فكم من أحداث مرت بنا من إحتلال و تهجير و حروب وحصار وإحتلال ثم تهجير حتى وصلنا الى فقدان الأمن واصبحنا
هدف للحاقدين الأنجاس وقتل منا من قتل وسلب من
سلب فلما فرج الله على كثير منا هل شكرنا الله على هذه النعمة حتى لا
تعود علينا النقم؟! وكيف كانت تصرفات
الكثير الجواب متروك لكم...
أيها الاخوة قبل أيام كنا نتقلب في نعم
الله في شهر رمضان الذي باركه الله لنا فكم منا حافظ على ما كان عليه من
طاعات وقربات !! وكم منا من شكر الله على هذه النعمة أن مد الله بعمره لهذا الشهر
وأعطاه الصحة والقوة على صيامه وقيامه من دون كثير من الناس ومن منا عزم على
التمسك بما هداه الله إليه من صلاة وزكاة وأذكار وقراءة قرآن وصلة أرحام وحفظ لسان
أم أن الله تعالى فقط في رمضان والعياذ بالله.
إن من أهم علامات قبول الطاعات في رمضان هي
الثبات والمداومة وشكر المنعم عليها أليس الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي
فما باله وحاله بعد رمضان هل نقص الإيمان بالله تعالى قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ
إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ[التوبة/124].
أيها الاخوة إن نعم الله تعالى علينا
كثيرة مهما حصل لنا فلا ننسى أن نذكرها ونشكر الله عليها دائما فان شكر الله
على نعمه يبقيها وينميها وأن لهذه النعم واجبات كثيرة كنعمة الصحة والقوة
والفراغ وشكرها يجب ان تصرف فيما يرضي الله تعالى وكذلك نعمة المال فلا نبذر
ولا تصرف فيما لا يرضي الله تعالى ونعمة الولد فهي نعمة عظيمة ومن واجب شكر الله
عليها الحفاظ عليهم ورعايتهم وتربيتهم كما أراد المنعم جل وعلا.
كذلك أيها الاخوة إن الله تعالى يحب أن يظهر
العبد النعم التي انعمها الله عليه فلا يجد منا غير التباكي والتشكي وهنا
أحب أن اذكر قصة فيها عبرة عظيمة لنبي الله ابراهيم عليه السلام عندما رجع لبيت
إبنه اسماعيل وكان إسماعيل غائبا عليه السلام ووجد زوجته فسألها عن حالهم
وعن طعامهم فبدأت بالبكاء والتشكي عن حالهم وعن طعامهم الرديء فقال لها ابراهيم
عليه السلام اذا جاء إسماعيل أبلغيه مني السلام وقولي له ان أباك يأمرك أن
تغير عتبة بابك وهذه إشارة لإسماعيل أن يطلق زوجته فلما رجع إسماعيل عليه السلام
وقصة عليه الخبر قال لها إلحقي بأهلك .
أيها الاخوة من الواجب علينا إظهار
النعم قال تعال (وأما بنعمة ربك فحدث) وقال صلى
الله عليه وسلم (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على
عبده) رواه البيهقي - فالمسلم قوي بربه وبدينه ويصبر على الالام ولا يكثر
من التشكي والجزع فالحقيقة كثر ما نقرأ من كتابات مملوءة بالشكوى مما
حل بنا والبكاء على الأطلال حتى سئمناها نعم مللناها فلا أحد ينكر ما
حل من بلاء وفرقة وشتات ولكن نريد شد الهمم نريد من يتكلم عن حلول بما ينفع
الناس نريد من يجمع الناس ولا يقنطهم من رحمة الله نريد من يزيد بنا الإيمان
وينقلنا الى بر الأمان نريد من يزرع فينا الصبر والقوة لا اللين والهزيمة
نريد الناصح الصادق من ينصح الناس من خبرته وتجربته على ما مر به لا ان يفكر
الإنسان بنفسه ويهلك من هلك.
أعجبني حقيقة كتابات بعض الاخوة في
الفترة الاخيرة انه أحدهم بدأ يكتب عن الهجرة في بعض البلدان حسب تجربته من جميع
جوانبها ليستفاد من يفكر في هذا الأمر وليحذر من يحذر من بعض الامور فيها فجزاه
الله خير على هذه البادرة .
أيها الاخوة من اراد ان يديم الله عليه نعمه
فليشكر الله عليها فينميها الله ويضاعفها له فهذا نبي الله سليمان عليه
السلام عندما أنعم الله تعالى عليه بملك بلقيس ملكة سبأ فذكر سليمان نعمة الله
عليه، وفضله بأن جعل من جنوده من هو قادر على إحضار عرش بلقيس من اليمن إلى الشام
في طرفة عين، فقال: {هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم
أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} [النمل:40]. هكذا
فهم نبي الله سليمان نعم الله عليه بانها اختبار وابتلاء من الله تعالى فبعض
الناس يرى النعم ظاهرة وافرة على من كفر وعصى الله تعالى.
وبعض ممن اطاع الله تعالى واقع في
البلاء فتتغير أفكاره فلتعلم يا إخي إن هذا استدراج من الله تعالى لهم فعن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا رأيت الله يعطي
العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا قوله تعالى{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم
بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ الأنعام44))السلسلة الصحيحة , فلا يغرنا
ما فيه هم من نعيم فوالله لنعمة الإيمان بالإسلام وإتباع منهج النبي صلى الله عليه
وسلم لهي من أعظم النعم لو تفكرنا به وتدبرناها فجميع تلك النعم سرعان ما
تزول فهذه الصحة عمرها قصير وهذه لذة الطعام والشراب فليس لها تذوق الا بطول
اللسان وغيرها كذلك – جاء حديث عن النبي يصف فيه أنعم أهل الارض واشقى
أهل الارض قال عليه الصلاة والسلام (يُؤتى بأنعم أهل
الأرض من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنّم صبغة .. ثم يقال له : يا ابن آدم
هل رأيت من خير قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ما رأيت من خير قط , ويُؤتى بأشدّ
أهل الأرض بؤساً في الدنيا من أهل الجنة ، فيُصبغ في الجنة صبغة .. فيقال له : يا
ابن آدم هل رأيت من بؤس قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ما مرّ بي من بؤس قط ، وما
رأيت شدة قط(أخرجه مسلم).
أيها الاخوة إن نعم الله علينا كثيرة جدا فما
علينا إلا ان نشكر الله على نعمه بالمداومة على طاعة الله وتجنب معصيته فإن
شكر النعم يديمها ويحفظها لنا من الزوال وان يجعل الانسان منا همه الاول
والأخير ما عند الله من نعيم الاخرة قال صلى الله عليه وسلم ( من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله
وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرّق
عليه شمله ، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما قُدّر له (صحيح الجامع).
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على
دينك اللهم ان نسالك ان تحفظ شبابنا وبناتنا وان تهديهم لاتباع هذا الدين العظيم
اللهم لك الحمد على نعمك ظاهرة وباطنة.
ياسر الماضي
25/8/2012