الدستور- العدد رقم 14911 الأربعاء 1 ذو الحجة 1430هـ الموافق 18تشرين الثاني 2009
استطيع أن أجزم أن لا أحد - سوى العراقيين المخلصين - يشتاق الى العراق ويحن للنهرين وشعب العراق ولبغداد وأهلها مثلما هي حال الفلسطينيين الذين عاشوا في العراق أو ولدوا وترعرعوا فيه منذ عام 1948 ، واضطر القسم الأعظم منهم الى ترك العراق على عجل والنجاة بالروح في ظل الاحتلال الأمريكي ونتائجه الوخيمة ، خاصة في العام ,2006 صبيحة يوم التاسع من نيسان من عام 2003 كان فلسطينيو العراق يعدون بنحو خمسة وثلاثين ألفا. ويمكن لنا بألم أن نقول أو نتساءل: كم منهم بقي في العراق حتى اليوم؟ ان الآلاف من فلسطينيي العراق غادروه "عنوة" الى شتات جديد ، فمنهم من قضى سنوات في مخيمات جديدة ومنهم من استطاع السفر "بجواز سفر عراقي وربما باسم غير اسمه".
فلسطينيو العراق اليوم موزعون بين المخيمات - ومن تشيلي الى السويد ومن ايطاليا الى كندا ومن النرويج الى كندا ومن ماليزيا الى قبرص.
باختصار شديد ، ما حاق ظلم بأحد كما حاق بفلسطينيي العراق. منهم من خدم ثلاثين عاما في العراق واضطر الى الخروج "بزمبوط رقبته - كما يقول المثل الشعبي" حامدا الله على أن يد "الخطف" ما وصلت اليه ومنهم من تم تسليبه داره وقذفه مع أطفاله الى الشوارع وهو يستمع الى من يقول له همسا "احمد ربك ما قتلوك ولا خطفوك".لقد تمت تصفية المفكرين والاعلاميين والمختصين بعدة طرق في العراق. وغادر العراق الكم الفلسطيني القليل فعلا من الكتاب والصحفيين والأدباء - الى اقطار عربية وأخرى أجنبية ، بعد أن تلقوا التهديدات بالتصفية الجسدية وقتل منهم فعلا عدد لابأس به.يقال أن هناك احتفالية للقدس في بغداد المحتلة يوم الثلاثاء القادم بتعاون بين وزارة الثقافة العراقية والسفارة الفلسطينية هناك.
وهنا - لا بد من الحزن الشديد "يكبس" على الصدر العربي. أين مبدعو فلسطين من فلسطينيي العراق؟ اين الشعراء على قلتهم هناك واين الروائيون او القاصون واين الرسامون؟ لقد اختطف - من داخل سفارة فلسطين في بغداد عدد منهم وطال الموت خطفا فنان تشكيلي موظف في الاعلام داخل السفارة الفلسطينية "وأظن أنهم يعرفون اسمة وهو الرسام حسن الحاج على" وثم ها أنذا أسال أين اصوات الشاعرين خالد على مصطفي واديب ناصر؟ ومن يحتل اليوم كراسي او مقاعد أعضاء اتحاد الأدباء التي كان يشغلها عدد معلوم "وقليل" من مبدعي فلسطين؟. ماذا بقي للقدس هناك في ظل الاحتلال ومن "شاط وباط" في ظلال المحتلين؟ بل اسأل لماذا لا يقدر أي فلسطيني خدم العراق أكثر من ربع قرن أن يطالب بحقوقه التقاعدية؟ فاما أن يقال (انت كنت من موظفي الدوائر المنحلة" او "اياك فبمجرد ان يعرفوا أنني أتابع قضية "فلسطيني) قد أتعرض للقتل"؟ الغريب أن "موظفي الدوائر المنحلة في العراق يبلغون عشرات الآلاف ، فلماذا حرمانهم من حقوقهم؟ لست أبالغ على الاطلاق.
وأعضاء السفارة في بغداد يعرفون هذه الحقائق وزملاؤنا في اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين في العراق يعرفون هذه الحقيقة ، وقوائم المطلوبين "للقتل والتصفية" من شعراء وكتاب وأدباء وفناني ومفكري العراق "ومن بينهم والعرب ولآخرون" يمكن لأي منا أن يعثر عليها "بالانترنيت" بنقرة بسيطة واحدة.
كنا نتمنى فعلا ان تتم الاحتفالية العراقية - الفلسطينية في بغداد وكل محافظات العراق والعراق حر والمحتل قد غاب وانحسرت نهائيا عن وادي الرافدين أسباب القتل الطائفي والعرقي والعنصري التي أشعل أوارها المحتلون ومن وما جاء معهم وبهم ، ولكن المؤسف أن ما بقي للقدس في العراق المحتل أقل من القليل وهو يخشى أن يعلن عن نفسه أيضا ، وان كنا على يقين أن مكانة القدس في النفوس العراقية أكبر من أن تختفي أو تتضاءل: لقد قدم العراقيون الشهداء لفلسطين منذ عام 1948 ، كما أن فلسطينيي العراق بذلوا وضحوا من أجل العراق: وقدموا الشهداء في الشمال وفي الحروب التي عايشوها في العراق وحتى اليوم.. وعانوا ما عاناه أشقاؤهم في ظروف الحصار المجرم وما بعد الاحتلال.السؤال هو: أي الأصوات الفلسطينية يمكن أن تدوي بطلاقة العنادل في سماء بغداد من دون ان تختطف او تحنق او تبتر بسيوف المحتلين وآفاتهم؟.