الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وجنده وبعد :
ليس هناك أدنى شك أن كل إنسان على وجه الأرض يبحث عن السعادة ويشقى ويفني وقته وعمره من أجل تحقيقها وهذا حق طبيعي لكل إنسان أن يحقق ما يسعده في هذه الدنيا من بيت واسع وأثاث وملبس جميل أو سيارة جيدة آو زوج آو زوجه ..الخ .
وهذا كله لا بأس به ولا يتنافى مع الإسلام قال تعالى: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)وقال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ) .
ومن الأمور الأساسية التي تحقق سعادة الإنسان أن يكون له وطن ينتمي إليه وخاصة ونحن ننتمي إلى زمن الأوطان والجوازات فتجعل الإنسان الذي حرم من هذه النعمة يعيش في هم وكبت لا يعلمه إلا الله تعالى ثم من يعاني من هذا الابتلاء وخاصة الذي هجر عن وطنه وأهله وأحبابه وخلانه ويعيش مر وألم الغربة في هذه الأرض؛ والحقيقة فقد قسم أهل العلم الغربة فجعلوا الغربة غربتان غربة عن الوطن والأحباب وغربة عن الدين ، فكانت الغربة عن الدين في أقوال العلماء أكثر تأثيراُ في تعاسة وشقاء الإنسان وزيادة حزنه وألمه ليس في الآخرة فحسب بل في الدنيا أيضاُ .
ومعلوم أن كل إنسان في هذه الأرض معرض للخوف آو الجوع والكرب كما قال تعالى ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) وخير دليل على هذا ما تعرض له النبي عليه الصلاة والسلام من أذى طيلة فترة رسالته فقد وقع على النبي عليه الصلاة والسلام من الأذى الجسدي والنفسي فقد وضعوا على ظهره أمعاء الحيوانات الميتة وطرد من وطنه التي هي أحب بقاع الأرض إليه و ضرب حتى ادمي وجهه في معركة أحد و طلب اللجوء من أهل الطائف فرفضوا أن يدخلوه أرضهم بل جعلوا صبيانهم يضربوه بالحجارة وكان هذا من أشد البلاء على الرسول عليه الصلاة والسلام و كانت فاطمة رضي الله عنها بجانبه في فترة المرض الذي توفي فيه وهو يعاني من سكرات الموت فتقول (وا كرب أبتاه) فقال لها عليه الصلاة والسلام ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) مما يدل على عظم ما كان يعانيه من الكرب في الدنيا وفي نفس الوقت كان من اسعد الناس فما هذا السر في سعادة النبي وهو قد عانى من الجوع والغربة وشتى أنواع الأذى بالتأكيد هو يقينه و معرفته بما عند الله تعالى من الجزاء على هذا الابتلاء لذلك عندما خيره الله تعالى بأن يحصل على زهرة الحياة الدنيا أو ما عند الله فاختار ما عند الله وقال( إلى الرفيق الأعلى ) ويقصد برفاقه من النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
فلذلك إن الحياة ليست ميسره وسهله دائما بل فيها من الابتلاءات والمنغصات فهي تدور بين يسر وعسر وشده ورخاء ، فليس هناك من أحد إلا وقد مر بحياته بفقدان عزيز ومرض شديد وخوف وفرح وهذه يحولها المسلم إلى عبادات وأجور بصبره وتحمله لها كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام ( عجباُ لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن إصابته ضراء صبر فكان خير له وإن أصابته سراء شكر فكان خير له) وهذه تكون من أسباب سعادة الإنسان وسكينه نفسه وراحتها في الشدائد وفي يسر الحال لذلك فان من أسباب سعادة الإنسان عدة أمور :
أولا: الإيمان بالله تعالى : فان الإيمان يبعث في نفس الإنسان الشعور بالراحة والاطمئنان لجميع الأسئلة التي تدور في مخيلته عن كل ما يدور في هذا الكون من حقائق وغيبيات فيكون الإيمان الجواب الشافي لكل هذه الأسئلة و الإيمان يجعل الإنسان صاحب مبدأ يسعى لتحقيقه فتكون حياته تحمل معنى ساميا نبيلا يدفعه إلى العمل والجهاد في سبيله وبذلك يبتعد عن حياة الأنانية الضيقة ، وتكون حياته لصالح أهله ومجتمعه وأمته التي يعيش فيها ونية مع استحضار إخلاص هذا العمل لله تعالى ، فالإنسان عندما يعيش لنفسه تصبح أيامه معدودة وغاياته محدودة أما عندما يعيش للفكرة التي يحملها فإن الحياة تبدو طويلة جميلة أما الذين تكون حياته كلها لهو ولعب ولا يأخذ ويتنور بالذكر الذي أنزله الله تعالى من القران الكريم والسنة النبوية فستكون حياة ضيقه مليئة بالهموم ولو كان يعيش في أفخم القصور كما قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) كما أن لذكر الله تعالى أثر كبير في اطمئنان النفوس وراحتها قال الله تعالى : ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) .
ثانيا : أداء الفرائض : عندما يتوجه الإنسان إلى خالقه بالعبادة الخالصة لله وحده مستحضرا الخشوع فأن لها فاعليه كبيرة في إزاحة الهموم من أعباء الدنيا ومشاكلها وان يلقي العبد كل همومه وأثقاله على الله تعالى فتكون سببا في سعادته وراحة نفسه وجسده فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لبلال رضي الله عنه (أرحنا بها يا بلال ) فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم يشعرون بالراحة والسعادة عندما يؤدون فرائض الله تعالى وجميع أنواع العبادات. هذه العبادات تربط الإنسان بربه وتعيده إليه كلما جرفته موجات الدنيا لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (وجعلت قرة عيني في الصلاة) .
ثالثا : الأدعية والأذكار : الأذكار والأدعية تجعل الإنسان دائم الصلة بالله ولها تأثير عظيم في التخفيف من ما يمر به الإنسان من هموم ومشكلات ، فهي تربط المؤمن بخالقه وقد علمنا رسول الله جمله من الأدعية والأذكار لا مجال لذكرها وهي ميسره وموجودة في كل مكان ، وقد أكد القرآن على أهمية الذكر في راحة واطمئنان النفس قال الله تعالى : ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) .
رابعا : التوكل : التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله تعالى في جميع ما يمر به المؤمن من جلب للمصالح أو دفع للأضرار ، والتوكل هو من الإيمان فإذا ثبت في قلب المؤمن أن الله هو وحده القادر في جلب المصالح ودفع الضرر فيتحرر المؤمن من عقدة الخوف والتي هي من اكبر واشد أنواع الابتلاءات ولذلك قدمها الله تعالى عن غيرها في آيات البلاء فان المؤمن إذا هم بعمل أمر يستخير الله تعالى ويستشير أصحاب الخبرة فإذا عزم فليمض متوكلا على الله كما قال تعالى ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) .
خامساُ :الأخذ بالأسباب : إن التوكل على الله لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب ، فقد قال العلماء إن التوكل من الإيمان والأخذ بالأسباب من السنة فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يلبس الحديد في المعارك و قال النبي عليه الصلاة والسلام ( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصاُ وترجع بطاناُ ) فالطير سعت وتحركت وأخذت بالأسباب حتى شبعت بطونها .
وهناك أسباب كثيرة تؤدي إلى سعادة الإنسان منها قوة الثقة بالله والالتزام بالأخلاق والابتعاد عن ما حرم الله فهي من أعظم أسباب السعادة للإنسان ، ولا يتسع المقام لذكرها هنا ولكن ندعو الله إن استطعنا أن نيسر البعض من أسباب سعادة الإنسان في هذه الدنيا خاصة ونحن نعيش ظروف صعبه من البعد عن الوطن والأهل والخلان .
واختم هذه الكلمة بالقول أن اللاجئ الفلسطيني في هذه الأرض الذي يعيش كمسلم بين المسلمين أو غير المسلمين وأكرر يعيش كمسلم وليس كفلسطيني فقط يجد أن كثير من الأمور التي يعاني منها من انعزاليه أو عنصريه وغير ذلك ، فيعيش في وطن الإسلام وليس معنى هذا أن ينسى فلسطينيته وواجبه تجاه أمته الإسلامية ووطنه فكثير من ألم الغربة يكون سببه عندما يكون مع أناس لا يفهمون معنى الإسلام وأن الأساس هو أن تكون مسلم وتجمعك الأخوة الإسلامية حيث جعل الإسلام رابطة الدين أقوى من رابطة النسب ، فجمع بين بلال من الحبشة وصهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وعمر القرشي ولم يجعل فضل احدهم على احد إلا بالتقوى وهو من أعلى مراتب حق الإنسان ، وهو حق المساواة كما قال عليه الصلاة والسلام ( كلكم من آدم وآدم من تراب ) .
هنا أيها الأخ المسلم سعادتك في الدنيا والآخرة فلا تفرط في سعادتك وسعادة أبنائك لأن كل إنسان مسئول عن رعيته وسوف يسأل كما قال عليه الصلاة والسلام ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) .
وآخر كلامنا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أدعو الله تعالى أن يجعلنا ويجعلكم من السعداء في الدنيا والآخرة
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم آتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب القبر والنار
7/5/2009
ياسر الماضي
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"