يوم موعود في الجمعية العمومية في نيويورك ، شاهدناه جميعنا بفرح وأمل وقلوبنا تخفق لكل كلمة قالها عباس على الملأ من عرب وعجم ، كلمات لتعبر عن حالنا وان لم تكن صورة كاملة فحالنا يحتاج وصفه لأيام وأيام ولن يستطيع إدراكه برمته إنسان ، ووحدها قضية فلسطينيي العراق لتحتاج إلى كتب ومجلدات لا تحتمل والى بحار من الحبر مدادا لنخط أحداثها المختلطة بالدماء وبدمع العيون ، أحداث جسام هي لا يستطيع تحملها أعتى الرجال فكيف بقضية فلسطين قضية الأمة المصيرية ، قضية لو قرأنا صفحة من تاريخها المثقل بالمجازر والدماء لسوف تؤرق منامنا لأيام ، فما جرى لنا نحن الفلسطينيون شيء لا يوصف وليعجز العقل اشد العجز عن تصوره ، وليعجز أمهر الكتاب والمؤرخين عن الإحاطة به ، والعالم كله شاهد وشهود كيف قتل أصحاب فلسطين ، كيف ذبحوا من الوريد إلى الوريد، كيف تآمر عليهم العرب والغرب ، تلك هي الحقيقة ، وجل المجتمعين والمصفقين اليوم في جمعية نيويورك ساهموا بشكل أو بآخر في نكبتنا وما زالوا إلى اليوم ، وقد عجزت بيوتهم ودولهم عن استقبال بضعة آلاف من فلسطينيي العراق ، وأخص جميع الدول العربية ، وضاقت الأرض عليهم بما رحبت ، وكأنهم أشخاص من الفضاء هبطوا ، وأرادوا بلادهم أن يحتلوا ، بلاد وسعت أرضها ملايين الهنود والأسيويين وضاقت على بضعة ألاف !! ، وأتوا اليوم ليصفقوا لطلبنا من العالم الاعتراف بنا ونسوا أو تناسوا أنهم ما اعترفوا بنا يوماً ، فهل فاقد الشيء يعطيه ؟! .
أما أمريكا والغرب فهم أصل مأساتنا ، ألم نفهم ونعي ذلك ، دروس تعلمناها لعقود من الزمن عن هؤلاء الأعجميين فهم سبب بلاءنا وسبب كل مصائبنا ، وكم صفقنا لمنقذ العرب أوباما يوم خطابه التاريخي قي القاهرة ، فكم سذجٌ نحن ، ذلك الزنجي ذو الديانتين الذي تأمر علينا وبات يعطي الشرعية لمن يريد ويسقطها عمن يريد ، أما (إسرائيل) الغاصبة لأرض فلسطين فهي خط أحمر الويل كل الويل لمن تجرأ عليها ولو بشق كلمة ، وهي الشرعية الوحيدة الثابتة في المنطقة! .
وعوداً على بدء في ما أراه مسرحية كمسرحيات شكسبير ، على مسرح الجمعية العمومية ، والحضور كلهم من المصفقين ، لهذا الطرف أو ذاك ، فلا فرق ، فالعبرة بالنتائج والأعمال بخواتيمها ، ومن باب العدل والإنصاف فقد أثلجت صدورنا عباس ، أثلجت صدورنا المشتعلة ناراً منذ ولدنا ، أثلجتها بكلام لم نكن نظن أن أحداً سوف يسمعه يوما ، ولم أكن اظن أني سأسمعه في أروقة السياسة المحتكمة إلى العقل لا إلى المشاعر ، مشاعر فياضة خرجت من لسانك لتجيش معها مشاعرنا وأحاسيسنا المرهفة ودقات قلبنا المرهقة ، ولسان حالنا يقول ، اهجهم عباس اهجهم ، وظننا كلامك سيكون المخلص لنا ولكل مشاكلنا ، وبدأت أحلامنا الجميلة تجول في الخاطر، أحلام دولتنا الحبيبة والعودة لها ، أحلام جداتنا بشم تراب الوطن ، أحلامنا بجواز سفر نطير به الى كل الدول ، هل معقول هذا؟، هل سنصيح بعال الصوت لمن قال لنا (نزل وتدبج فوق السطح) : لنا ارض تقلنا وسماء تظلنا فلا تتكبر علينا ، هل سنرفض التوطين لدول الغرب ، هل سنرفض معونات الــ UN فكرامتنا لم تعد تسمح ، وهل سنحرق خيامنا المهترئة المنصوبة في عراء الحدود المقفرة ، وهل وهل وهل؟! ... .
أحلام جميلة راودتنا تحطمت على وقع كلمات نتنياهو والتصفيق له ، كلمات وقعت كالصاعقة على رؤوسنا فقد وجدنا أنه أكثر دهاءا منا ، فتحول الذئب إلى حمل وديع ، فأتانا بثياب الوداعة والمظلومية والخوف على حياة شعبه ، كما تعودناهم دائماً ، (يقتلون القتيل ويمشون بجنازته) ، يحتل أرضنا ويطالب العالم بالوقوف إلى جانبه وحمايته ، وفلسطين الصغيرة طبعاً لا تكفيه لحماية نفسه ، فتطلعاته أوسع من ذلك .
أثلجت صدورنا عباس دغدغت مشاعرنا ، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة ، ولن يكون الكلام الذي نطقت به - وهو حق - سببا لتحرير فلسطين ، بل إن إعلان دولة فلسطين ما هو إلا تأكيد وترسيخ لوجود دولة (إسرائيل) التي لم تستطع حتى اليوم ، مع انها دولة عضو في الأمم المتحدة ترسيم حدودها ، وأنا متأكد ان الأمر ستعود نتائجه عكسية علينا وعلى قضيتنا ، فهو اعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب وشرعية وجوده على أرضنا ، وتنازل عن 80% من ارض فلسطين ، والتي سيقف العالم كله بمن فيهم المصفقين لخطاب عباس ضد أي محاولة أخرى لاسترجاع أكثر من حدود 67، إضافة إلى إسقاط حق العودة لفلسطينيي الـ48 وهذا ما يخالف العقل والمنطق والشرع الذي ندين به .
ففلسطين كلها أرضنا فكل أرض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفاءه الراشدين المهديين من بعده بفتحها وفتحوها من بعده وعاهدوا عليها أهلها بجزية أو ذمة واشترطوا على أهلها أن تكون السيادة لدولة الإسلام فيها ، وحررها سلاطين المسلمين ، كل هذه الأراضي هي من ديار الإسلام واجب استردادها .
وان الأصل والحق الذي شرعه الله وفرضه علينا ونتعبد وندين الله ونعمل به ، أن كل أرض فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، أو أمر بفتحها أو فتحها من بعده خلفاءه الراشدين المهديين ، أو فتحها سلاطين المسلمين أو عاهدوا عليها أهلها بجزية أو ذمة واشترطوا على أهلها أن تكون السيادة لدولة الإسلام فيها ، كل هذه الأراضي هي من ديار الإسلام واجب استردادها ، وقد فرض الله الجهاد والنفير العام على كل الأُمة في حال اغتصاب أي شبر من أرضها ، وان الصراع الذي هو دائر اليوم بيننا وبين الكيان الصهيوني إنما هو صراع دينٍ ووجود ، وليس صراع ثقافةٍ وحدود ، وليس للكيان الصهيوني أي حق تاريخي أو شرعي في أرضنا .
وفلسطين حرم الله للمسلمين لا يحق لأي أحدٍ أن يضحي أو يفرط بشبر منها ، أو يغير من هذا الوقف .
ولكي لا نكون من جملة المصفقين وجوقة المطبلين، لاي كان، علينا أن نحتكم إلى الشرع والعقل لا إلى الهوى والقلب ، وأن لا تكون الكلمات الطنانة الرنانة التي تربينا عليها وتغنينا بها في كل محفل هي سبب محنتنا وابتلاءنا ، لنكن واقعيين ولا نعطي الأمور أكبر من حجمها ، ومهما كانت النتائج وعلى الرغم من شجاعة عباس في طرحه ، وهذا موقف يحسب له على الرغم من استمرار العقلية التفاوضية لديه والتي لم تجلب لنا إلا التنازلات ، فلن يكون عباس عمراً ولن يكون صلاحاً محرري بيت المقدس يوم كان للإسلام راية وللمسلمين شوكة .
بقلم محمد ماضي
23/9/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"