فمثلما معروف للكثير أن أصالة المبدأ الحقانية ــ الآنفة
الذكر ــ هذه تُعد
واحدة من مجموعة القيم الثابتة ، عند البعض ــ وليس عند الجميع ــ و الذي يتمتع
بها حقا ، سواء بالفطرة أو اكتسابا ، تاليا تبقى هذه المبادئ و القيم الحقانية
ثابتة عند هؤلاء ولا يحيدون عنها ، مهما كانت الظروف الطارئة و المستجدة محملة
بأمور متناقضة
وغير ذلك ..
ولكي نكون واضحين أكثر أعني بأصالة المبدأ الوقوف إلى جانب
من يُسلب حقه بالإكراه ،
سواء كان هذا الحق مالا أو أرضا ، و مهما كان الأمر و الأسباب الكامنة وراء ذلك ،
و بتوضيح أدق : إذا اتى فلسطيني و فجر نفسه في العراق ــ مثلا ــ فيجب ألا يدفعني
هذا إلى عدم الوقوف إلى جانب حق الفلسطينيين في استرجاع أراضيهم المسلوبة ،
و إذا أتخذ النظام
الأسدي في سوريا موقفا متخاذلا إزاء سياسة إسرائيل الاستيطانية في الجولان ،
فينبغي أن لا يدفعني ذلك إلى تأييد إسرائيل في ضم مرتفعات الجولان و إنكار حق الشعب
في الجولان لكون نظام الأسد قمعيا و دمويا ..
فالمسألة هنا لا تتعلق بالمحبة أو الكراهية أو بالمزاجية
المتغيرة بسبب مواقف
سياسية طارئة بين حين و آخر ، و إنما هي أبعد من ذلك بكثير ، إذ هي تتعلق أصلا
بتلك القيم و المبادئ الحقانية الثابتة التي يحملها بعض من الناس في دواخلهم ، و
التي تجوهرت متبلورة في أرواحهم وقلوبهم ، بل في نهجهم اليومي الذي يسيرون عليه ،
كما على صراط مستقيم
، لذا نجدهم يستمرون على نفس الموقف الحقاني حثيثا و دقيقا ، بالرغم من شعور
بالخيبات التي يحدثها لهم البعض الآخر من الناس بين حين وآخر بسبب و بآخر، ولكنهم
لا يتراجعون أو ينتكسون بسبب ذلك ، حتى ولا يتخذون موقفا مغايرا ، و ذلك نكاية
بزيد أو
عمر ، أو الاتفاق
معهما في أحيان أخرى عندما المتغيرات السياسية تصوّر الأمر على هذا النحو لبعض
الناس ، وهو ليس كذلك قطعا…
مثلما بعض المواقف المتناقضة تلتقي بعضها مع بعض آخر أحيانا
،
على اتفاق عام في أمور سياسية أو تكتيكية ، تتطلبها و تفرضها أهداف سياسية آنية أو
بعيدة المدى
..
فهنا بالضبط يختلف الشخص الحقاني ـــ الذي هو صنو حق ــ
عن الرجل السياسي ،
الذي هو مراوغ و انتهازي و ميّال نحو الباطل في أغلب الأحايين لتحقيق أهدافه
السياسية و ليست الإنسانية ، فهنا يبرز الاختلاف كبيرا بين الطرفين ، فالحقاني
يصّر على مواقفه الإنسانية و يتمسك بها دوما و مهما كانت الظروف ، بينما السياسي
يسعى مصّرا
على تحقيق أهدافه
السياسية فحسب
..
و ربما لهذا السبب قد يكون الرجل الحقاني فاشلا في إدارة
مقاليد الحكم والسلطة
، بينما السياسي الباطل ينجح في ذلك
.
و لدينا أمثلة تاريخية كثيرة على هذا الصعيد .
المصدر : موقع صوت العراق
22/7/1440
29/3/2019