ولكن عبدالله فرحات من مواليد عام 1944 ، انضم للثورة
من بدايتها ، وافنى حياته في الدفاع عن فلسطين في صفوف منظمة التحرير والجيش
المصري ، وفى النهاية لم يتمكن على الحصول على هوية حتى الآن.
مشوار طويل عاشه فرحات في حياته منذ ولادته حتى عودته
لغزة منتصف عام 2006 ، وبدأ يستذكر أول لحظات الطفولة لحظة خروجه مع والده من
أراضينا المحتلة من قرية الجورة حيث قال " كان يقع بيتنا في مكان جميل محاط
بشجر الكافور والجوافة ،واستذكر حينما هجم اليهود على بلدتنا وجاء أبى واصطحبنا
معه على قارب صيد لينقلنا أنا واسرتي إلى غزة ، حيث كانت على الشجرة حبة جوافة
واحدة أخذتها وأكلتها طوال طريقي في الوصول لغزة ، ونزلنا عند احد أصدقاء
جدي وبقينا عنده حتى الآن ".
ودرس المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس الاونروا
في المدينة ، ثم درس المرحلة الثانوية في مدرسة خانيونس الثانوية ، حيث كان ينطلق
من بيته على ساحل بحر مدينة رفح إلى وسط المدينة بما يقارب 7 كيلومترات مشيا على
الأقدام ، ثم يتم نقلهم في باصات الاونروا للمدرسة في خانيونس ثم يشقوا ادراج
العودة مشيا على الأقدام بعد العصر.
واستذكر حادثة شاهدها بعينه على ساحل رفح حين
اقتحم اليهود سنة 56 قطاع عزة وقتلوا 6 جنود مصريين على بحر رفح
الفلسطينية ، ودفنوا على شاطئ رفح وتم نقلهم بعد أيام داخل مصر ، وفى
حادثة أخرى أصيب عسكري مصري في قدمه ووالدته ضمدت جراحه واستمروا بعلاجه وتم
إبلاغ الوكالة فيه وتم نقله لداخل مصر حيث كان اليهود يستخدمون العنف والقتل ضد
الجميع بداية اجتياح القطاع .
وفى أول رحلة عمل له بعد انتهائه من الثانوية العامة
كانت بعد مسيرات قام بها هو والكثير من الطلبة الذين تظاهروا مطالبين بالحصول على
فرص عمل ، فوافق جمال عبدالناصر على استيعابهم داخل وظائف حكومية في مصر ، وتم
السماح لهم بدخول مصر وتم توظيف 120 شخص في كل محافظة مصرية ، وعمل فرحات موظف
أدارى في التربية والتعليم في بني سويف ، وتقاضى أجرة شهرية 12 جنيه على مدار
عامين كاملين .
وفى بداية الرحلة "النضالية" لفرحات
وانضمامه للعمل الثوري قال "خلال عملي في مصر جائني من العراق الدكتور
محمود دهمان حيث تربطني فيه علاقة قرابة قوية ، وابلغني عن نيته تأسيس جيش
التحرير في العراق وهناك أيضا الحج أمين الحسيني ، وطرح فكرة التحاقي معهم
فوافقت ، وتوجهت للعراق برفقة أربعة أصدقاء ودرسنا في الكلية الحربية في
العراق ، و"تصادف" لحظة تخرجنا من الكلية حدوث انقلاب في العراق بين عبدالكريم
قاسم وعبدالسلام عارف ، ووقعت مشاكل بين الحكومة العراقية والأكراد أيضا طرحوا
علينا المشاركة في الحرب ضد الأكراد ، وانضممنا لصفوف القوات العراقية ضد الأكراد
، وتعاملوا معنا كأي مواطن عراقي وكان لنا احترامنا وهيبتنا كفلسطينيين وكنا
نتقاضى راتب 30 دينار عراقي ".
وفي عام 1965 بدأ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وبدأت
القيادة بالبحث عن عساكر فلسطينيين للانضمام لصفوفها ، وطرحوا على هؤلاء الضباط
الانضمام للمنظمة فرفضت الحكومة العراقية لأنهم اثبتوا إخلاصهم للعراق ولعملهم
ويسيروا على مبدأ "وحدة وحرية واشتراكية" وذلك يتناسب مع وجودهم في
القوات الحربية العراقية ولان عددهم كبير ويصعب الاستغناء عنهم فجأة ، وتم الاتفاق
بين الحكومة العراقية وقيادة المنظمة على انضمام الضباط للمنظمة على أن ترسل المنظمة
للعراق مجموعة طلبة جدد لتدريبهم ضمن صفوف الكلية الحربية .
وعن بداية العمل الرسمي في منظمة التحرير الفلسطينية
قال " تم توزيعنا على العراق ولبنان ومصر وسوريا لإشراك الدول العربية في
الدفاع عن فلسطين ، وتم ارسالي لغزة وتزوجت هناك ومن ثم اصطحبت زوجتي وعدت مصر
للالتحاق بدورة حرب كيماوية بناء على رغبة القيادة ، ومن ثم عدت للعمل في موقعي العسكري
في منطقة القرم بجباليا ومن ثم قمت بتدريب عشرات العساكر الجدد، على آلية الدفاع
والمقاومة والهجوم ".
وأضاف " شنت "إسرائيل" حرب قوية على
الثوار وعلى مصر قامت بتدمير المطارات والدبابات والطائرات وحصلت نكسة كبيرة
وانسحب الثوار من غزة باتجاه مصر ومنهم قام بتسليم نفسه ، وهربت لحظتها لمنزل احد
اقاربي في منطقة الشيخ زويد ".
وتابع "حصلت بعدها على تصريح للأردن وتوجهت من
الخليل للأردن مصطحبا البطاقة الشخصية الخاصة بمنظمة التحرير، لأنه تمنح لصاحبها
وحاملها ميزة الدخول لاي دولة عربية واي موقع عسكري بهذه البطاقة ، وتوجهت للأردن
ومن ثم عدنا لمصر وعدنا لتكوين كتائبنا والألوية ، واستلمنا مهمتنا سنة 67
على قناة السويس كلواء مقاتل مع الجيش المصري في قطاع الجيش الثالث الفرقة السابعة
وكان قائد الجيش عبدالمنعم واصل وكان قائد الفرقة العميد محمد بدوي توفي بحادث
طائرة في مرسى مطروح وكان قائد اللواء الفلسطيني منصور الشريف ، ووقتها حدثت حرب
الاستنزاف عام 1967 ، واشتركنا في الحرب ضمن التشكيلات العسكرية على قناة السويس".
ويشرح تفاصيل الهجوم على مواقعهم من الطائرات والدبابات
"الإسرائيلية" قائلا " كنا فقط متواجدين في مواقع مصرية "كمناضلين"
من منظمة التحرير ، واخترق اليهود الجبهة المصرية 15 أكتوبر من منطقة
دفرنسوار وبدأ هجوم مضاد من اليهود وقصفوا كل المواقع ودافعنا عن موقعنا وتم تطويق
كل منطقة السويس بالطائرات والدبابات وكانت دبابات اليهود امامي ، ولكن لم
امتلك سلاح قادر على تدميرها لان سلاحي شخصي رشاش وار بي جي ،وبقيت
في الموقع مع انه تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، والسادات أرسل
برقية لنا وللواء المسؤول كتب فيها اصمدوا لأجل مصر كما صدمنا من اجل
فلسطين فقط لليومين المقبلين ".
وقال " لم تلتزم "إسرائيل" بوقف إطلاق
النار وأصبت بتاريخ 22 بقصف طائرة لموقعنا وبترت رجلي وأنا كنت 15 يوم
أدافع في نفس الموقع وبترت رجلي بصاروخ طائرة ونقلني
الشاويش المصري و"استشهد" عندي 3 جنود أصدقاء ، وكان معنا لواء
جزائري وتونسي وكويتي يخدم في الحرب ضد "إسرائيل" ونقلني رجل من السويس
ركبت على حمار ونقلني لأقرب نقطة إسعاف ، وما زالت نقطة إسعاف حتى الآن وبدأنا
نتحرك للسويس ومن مكانا للسويس 30 كيلو المسافة ، وانطلقنا من الساعة السادسة
صباحا في الباص ووصلنا السويس الساعة السادسة مساء لكثرة الطائرات "الإسرائيلية"
وعندما نسمع صوت طائرة ننزل من الباص ونختبئ في أماكن بعيدة عنه ونضع الباص بجنب
البيوت من كسفريت للسويس ، لان الطائرات "الإسرائيلية" تغير وتضرب
مواقع باستمرار وكان معي مرافقي الخاص ".
وتابع " وذهبت لمستشفى السويس مساء وكنت بحالة
إغماء كامل ودخلت العملية وأنا فاقد الوعي وتم بتر رجلي وتمت العملية بنجاح ، وشددت
"إسرائيل" حصارها على منطقة سيناء وأصبحت المياه والطعام موفر بشكل شحيح
لان "إسرائيل" حولت مسار المياه والترع ، وأطرف موقف حين طلبت من
الممرض زميلي المياه نتيجة العطش الشديد بحث لساعة يبحث عن مياه ، وعندما
أفقت من نومي شربت زجاجة كانت بجانبي ، وعندما أبلغت الممرض أن طعمها حلو فابلغني
أنها محلول طبي وليس مياه ولم يجد غيرها في المستشفى ".
وأشار في حديثه بوجود مصاب مصري كان بجانبه ، وعندما
زاره اللواء المسؤول عنه ، سأله عن وضع الكتيبة هناك ، فابلغه أن الكتيبة دمرت ولم
يتبق سوى 5 دبابات روسية الصنع وحديثة من أصل 120 دبابة كانت متواجدة في الكتيبة ،
ولم تنتهي الأزمة إلا بعد تبادل الأسرى بين الحكومة المصرية واليهود وتبادل مجموعة
طيارات من ضمنهم ، ومن ضمنهم اللواء عساف ياغوري .
وذهب لمستشفى المعادي وزارتهم جيهان السادات وقال
" أهدتني نسخة من كتاب القرآن الكريم وقالت لي نحن عرب ومصيرنا واحد ومعركتنا
واحدة والله معكم وزارنا وفود مصرية وكل القيادة الفلسطينية في مصر ، ولم يتأخر اي
شخص عنا في الزيارة ، وأجريت لي عملية ثانية وتم تركيب طرف صناعي لي ، وكمصاب حرب
انتقل للعمل في التنظيم والإدارة في لبنان وكنت اعمل في نفس البناية التي
يتواجد فيها أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد ، وأنا كنت في مبنى القيادة
وشاهدت كل القيادة وبعدها عدت لمصر وهناك وتم احالتي على المعاش عام 1990
قبل قدوم السلطة الفلسطينية لغزة بسنوات ".
وأضاف " عندما عادت السلطة لغزة كان من
المفترض عودة من تم إحالتهم للمعاش لغزة مع السلطة ولكن القادة تخاذلوا بهذه
النقطة وبقينا في مصر وهناك زملاء لي ما زالوا حتى الآن في مصر ولم يتم إصدار
بطاقة هوية لنا، وحولت نشاطي لزراعي كنت ازرع وأتاجر في الزراعة وبعدها استأجر
أراضي وازرع واشتريت ارض صغيرة وبعدها استأجرت أراضي كبيرة للزارعة ، وبعدها
جئت لغزة زيارة وطلبت من "المرحوم" عبدالرازق المجايدة منحي هوية
وأرسل جوابا بذلك ولم يتم الرد عليه ، وحتى الآن لم امتلك بطاقة هوية، لانني أتلقى
معاشي من مصر 1000 جنيه ولكن بغزة بعد نقل معاشي أتقاضى 1000 دولار ".
وقال " وفي سنة 2006عندما أنهدم الجدار
الفاصل بين غزة ومصر وجاء اولادي وبقيت أنا في مصر والحياة صعبة هناك ، فجاءت
زوجتي وبقيت في البيت لوحدي وحاولت دخول غزة ولم أتمكن ، وبعدها دخلت بتصريح لغزة
منتصف عام 2006 ، والآن أجهز اوراقي لأسعى من جديد للحصول على هوية وإيصال
اوراقي لرام الله لمتابعة اموري ".
ويعتبر خدمته على مدار السنوات الماضية هي فخر بخدمة
الوطن والدفاع عنه سواء فلسطين أو مصر ، ويناشد الحكومة الفلسطينية بمساعدته في
الحصول على بطاقة هوية ليتمكن من أداء فريضة الحج وزيارته أبنائه المقيمين في مصر .
ووجه رسالته لجمهورية مصر العربية قيادة وشعبا قائلا
" خدمت في الدفاع عن المواقع المصرية طيلة 40 عاما ، فأرجو من القيادة أن
تأخذ خدمتنا هذه بعين الاعتبار وان تخفف عنا الحصار ، وان تمد يد العون للشعب
الفلسطيني لنكون شعبا واحدا ".
المصدر : صحيفة دنيا الوطن الفلسطينية
10/3/2014