أخي المسلم احذر الفتور - ياسر الماضي

بواسطة قراءة 4421
أخي المسلم احذر الفتور - ياسر الماضي
أخي المسلم احذر الفتور - ياسر الماضي

الحمد لله رب العالمين الذي قدر لنا صيام هذا الشهر المبارك والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :-

فها هو شهر رمضان سرعان ما رحل عنا فهنيئا لمن كان هذا الشهر شاهدا له بالطاعات والحسنات لا شاهد عليه بالسيئات وهكذا دائما الأيام تجري بنا ولا نعلم هل كتب لنا صيام رمضان آخر أم لا ، نسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان القادم .

أيها الأخوة من الطبيعي أن ينتاب المسلم بعد أي فترة جد ونشاط  حالة من الفتور والتراخي والناس في حالة الفتور أنواع منهم من ينهض سريعاً ويعاود همته  ومنهم من يتأخر ويطول فتوره ومنهم من يوصله فتوره والعياذ بالله إلى ترك الطاعات المفروضة التي كان عليها لذلك كثير ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتعوذ من الكسل ويدعو (اللهم إني أعوذ بك من الكسل ، و أعوذ بك من الجبن ، و أعوذ بك من الهرم ، و أعوذ بك من البخل) رواه البخاري ، لذلك فالفتور بعد رمضان خاصة يصاب به كثير من الناس لكن كما ذكرنا الناس يتفاوتون فيه ويعرف الفتور بعدة علامات منها التثاقل عن أداء الصلاة كما قال تعالى (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) [النساء – 142] ، وأيضاً ترك قراءة القرآن والأذكار التي كان يحافظ عليها طيلة رمضان وكذلك تضييع الأوقات الكثيرة بعد رمضان  فهذه بعض علامات الفتور عند العبد واخطر ما يصل فيه الفتور هو ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) رواه احمد ، ومعنى شرة أي رغبة وهمة ونشاط وهذا معروف لكل من يبدأ بعمل ما فانه  ينشط في البداية ولكن بعد فتره يحصل عنده خمول وفتور فمثلا في رمضان تجد الناس يكثرون من قراءة القرآن وقيام الليل وأذكار وما أن ينقض رمضان سرعان ما حصل عنده الفتور وليس فتور وقتي بل بعضهم  ترك بالكلية إلا أن يشاء الله وهذا ما أنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فتركه) متفق عليه ، وهنا يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفتور شيء طبيعي يحصل للمسلم نتيجة تعب البدن أو الملل من تكرار عبادة معينه ولكن خطورة  الفتور تكمن أن يتحول المسلم من حالة الطاعة إلى حالة ترك الطاعات بالكلية أو إلى الانحراف عن الطريق الصحيح ، لذلك نلاحظ أن الله تعالى نوع لنا العبادات وكلها تصب في طاعة الله تعالى للحصول على رضاه تعالى ودخول جنته ومن ضمن أغراض هذا التنوع في العبادات هو أن لا يشعر المسلم بالملل والسآمة فكلما مل من عبادة تحول إلى عبادة أخرى فإذا تعب ومل من الصيام تحول لعبادة القراءة وطلب العلم أو الأذكار وهكذا يحاول المسلم أن يجدد نفسه مع مختلف العبادات حتى لا يقع فريسة لمرض الفتور الذي يقع فيه اغلب الناس .

أيها الأخوة لقد بين الله تعالى الحكمة العظيمة من فريضة الصوم في قوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة – 183] ، يبين الله تعالى أنه فرض الصوم علينا وعلى الذين من قبلنا من أجل أن يصل بنا إلى هذه الغاية وهذه الثمرة ألا وهي  التقوى , فعندما تنتشر الأمراض والأوبئة في مجتمع ترى الناس  يتقون منها بلبس الكمامات والواقيات حتى يتقون بهذه الوسائل من المرض فالصوم أيها الإخوة من أعظم ثماره هو الحصول على هذه الوسيلة التي تتقي بها من أمراض أشد فتكاً ً وهذه الوسيلة هي أهم ثمرات الصيام (التقوى) وقد بين العلماء عدة تعاريف للتقوى حاولوا أن يصلوا إلى أقرب معانيها فكان أقربها معنى هو ما قاله طلق ابن حبيب وهو (أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله ، تخشى عقاب الله) ، وهذا التعريف شامل حيث لا يترك المسلم نفسه للتقليد والأهواء إنما يطيع الله على علم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم و يتجنب معصيته كذلك على علم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يبتغي بذلك الثواب من الله وهذا الكلام خلاصة قبول العمل عند الله تعالى وهو أن يكون العمل خالصا لوجه الله وموافقا لشرعه قال تعالى (إنما يتقبل الله من المتقين) [المائدة – 27] , لذلك أيها الأخوة إذا أردنا أن نعرف أن صيامنا قد أنتج في أنفسنا تقوى الله في طاعته واجتناب معصيته حينها نعرف انه كان لصيامنا ثمرة  طعمناها أما إذا لم نطعمها فلنعلم أن صيامنا لم يثمرشيئاً .

فالصوم يعلمنا الصبر على ترك ما تشتهيه أنفسنا طاعة ً لله وصبر على أقدار الله المؤلمة من جوع وعطش وصبر عن معصية الله , والصوم يعلمنا الإخلاص في أعمالنا ففي أوقات كثيرة كان يستطيع أحدنا أن يشرب الماء ويأكل الطعام  دون أن يراه أحد  ولكن إيمانه بأن الله يراه ويراقبه منعه من الشرب والأكل وغيره فيعلمنا الصوم تقوى الله تعالى في جميع أحوالنا فإنها خير زاد للإنسان في هذه الرحلة القصيرة من عمره يقول الله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) [البقرة – 197] وبها يرث الإنسان جنة الخلد قال تعالى (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً) [مريم – 63] .

أيها الأخوة المسلم يفرح بختام شهر رمضان عند فطره لإيمانه أن رمضان يكفر الآثام  والذنوب التي علقت به طوال السنة الماضية أما ضعيف الإيمان إنما يفرح بتخلصه من هذا الشهر لأنه كان ثقيلاً عليه بترك شهواته وملذاته والفرق بين الاثنين كبير , نعم قد يصحب المسلم بعض الفتور بعد رمضان  ولكن لا يدوم إلا أيام قلائل فلا يجب على المسلم أن يفتر طويلاُ عن طلب رضوان الله تعالى في الحصول على جنته وأن يعمل جاهدا أن لا يناله سخطه وعذابه  فلا يعلم الإنسان في أي ساعة ومكان تكون منيته , وتغير الحال بعد رمضان فترة طويلة يدل على ضعف الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر وأن هذه الطاعات كان ينقصها شرط الإخلاص لله  تعالى , وأي غافل هذا الذي يطول  فتوره بترك طاعة الله تعالى والموت ينتظره وأحد المكانين في الآخرة مجلسه , لذلك فالواجب على المسلم أن يصبر على طاعة الله ويجاهد نفسه في الابتعاد عمّـا حرم ونهى الله عنه حتى يفوز ويكون من المفلحين .

قال تعالى {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود – 49] وقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران – 200] ، والآيات بهذا المعنى كثيرة لذلك شرع الله سبحانه وتعالى ستة أيام من شوال تعيد فيها نشاطك وفيها من الأجر العظيم فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان وأتبعه ستاُ من شوال كان كصيام الدهر" . رواه مسلم ، وكذلك على المسلم أن يحافظ على قراءة القرآن ويجعل له ورداً يوميا حتى ولو كان  خمس دقائق في اليوم  حتى لا يدخل في قوله تعالى : (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) [الفرقان – 30] ، وأن يحافظ على الأخلاق الإسلامية الفاضلة فما وصل الإسلام  للعالم إلا بالأخلاق وبالمعاملة الحسنة كذلك علينا أن نروض أبداننا وأنفسنا على طاعة الله  في كل أعمالنا فان النفس  تصر على ما اعتادت عليه فإذا تعودت نفسك على طاعة الله تجد حسرة في نفسك عندما تتأخر أو تتثاقل عن عبادة داومت عليها وكذلك إذا اعتادت النفس على فعل المعاصي يصعب عليها فعل الطاعات ما لم تدركها بالتوبة والندم والأعمال الصالحة شدتك على طبعها واسأل نفسك هل هي  معك أم  عليك  قال عليه الصلاة والسلام (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) رواه الترمذي ، ولا يغرنك قول بعض الناس إن أهم شيء أن تكون نواياك صافية وأن تؤدي فرضك من الصلاة والصيام والزكاة والحج ، فالإيمان بالله ودينه كل متكامل في العبادات والمعاملات والأخلاق فلا يجوز لنا نأخذ بعض ونترك بعض ونعبد الله تعالى في أوقات ونتركه في أوقات فهذا منافي للإيمان الصحيح قال تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) [البقرة – 85] ، والمسلمون الأوائل ما وصلوا لما وصلوا إليه إلا عندما ترسخ لديهم أن الإيمان ينقص إذا قام بفعل معصية ويزيد بالطاعة ونقصان الإيمان يقابله زيادة من الاتجاه الآخر.

نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وأن يصبرنا على طاعته ولزوم أوامره و الابتعاد عن نواهيه اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين  في الأولى  والآخرة اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين .

اللهم انك  عفو  تحب العفو فأعفو عنا اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك  اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أسال الله العظيم أن يتقبل طاعاتكم وكل عام وانتم بخير وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

ياسر الماضي

31/8/2011

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"