ظلمٌ ما بعده ظلم .. بداية البداية

بواسطة قراءة 10805
ظلمٌ ما بعده ظلم .. بداية البداية
ظلمٌ ما بعده ظلم .. بداية البداية

لقد عاش الفلسطينيون بعيدا عن أرضهم المباركة والمقدسة لستة عقود إلا قليلا منهم ، فذاقوا مرارة الغربة والبعد عن الأوطان ، وتفرّقوا في الأمصار والبلاد ، واستسلموا لقدرهم وزاولوا حياتهم وعاشوا كلٌ بحسبه مضطرين لذلك ] ليقضي الله أمرا كان مفعولا [ .

 

    واختلفت المعاناة بحسب البلاد التي لجئوا إليها ، والقوانين المعمولة فيها ، وحسن الضيافة من عدمها ، وتأثّر هذه الدولة أو تلك بالتغيرات الإقليمية والدولية ؛ السياسية والاقتصادية والعوامل المؤثرة على ذلك ومصالح هذه الدول ، التي بالغالب تكون على حساب اللاجئ الفلسطيني !.

 

    الأمر الذي أدى إلى تولّد قناعة لدى الكثير من الفلسطينيين للحصول على لجوء أو إقامة بل حتى جنسية في بلاد غير إسلامية أو عربية ، طلبا للراحة والأمان والاستقرار وجميع الاستحقاقات الإنسانية والاجتماعية ، والتي لم تتوفر لهم في كثير من البلدان الأقرب لتقاليدهم ومبادئهم ، بغض النظر عن أحقية ومبدئية هذه القناعة وكما يقال : ما الذي جاء بك على المر إلا الذي أمرّ منه !!.

 

    لا تتجاوز نسبة اللاجئين الفلسطينيين في العراق لعدد الفلسطينيين في الشتات ( 0.4 % ) ، ففي آخر إحصائية لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR ) لغاية 28/9/2003 يبلغ إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق ( 22100 ) ، إلا أن الدعاية الإعلامية والتصور السائد لدى الكثير أن العدد أضعاف ذلك بكثير ، البعض يظن أنه يقارب المليون أو ما يقارب ذلك ، والسبب هو أن الفلسطيني بنوعيته متواجد في كثير من المؤسسات والوزارات ومناحي الحياة المختلفة رغم الظروف الصعبة التي يمر بها ، فتجد الفلسطيني في مجال الطب بمختلف الاختصاصات ، وفي الهندسة بشتى الأقسام ، والبناء والإعمار والمقاولات ، وفي مجال التجارة وبمعظم الأصناف ، والمحاماة ، والتعليم العالي والتدريس ، والقطاع الصناعي ، وغيرها من الوظائف والحرف والمراكز التقنية والأكاديمية و .... و .... هذا على الرغم من التضييق والحرمان والاضطراب في الوضع القانوني وعدم الوضوح في التعامل وعدم إتاحة الفرص للإبداع والتفوق ، وعلى سبيل المثال وبعد أن سُمح للفلسطيني في بعض الأوقات التعيين في بعض الوظائف إلا أنه لم يحصل على كافة الامتيازات ، عندما توزّع قطع الأراضي ويقدم هذا الموظف الفلسطيني معاملته وعندما يصل إلى إظهار أوراقه الرسمية والثبوتية يقال له : أنت غير مشمول بذلك لأنك فلسطيني ، مع العلم أن النظام السابق كان يُجبر الفلسطينيين على الانخراط في حزب البعث أو حتى في بعض قواته العسكرية في حربه مع إيران وإلا سيًحرم من كثير من الحقوق المزعومة .

 

    وهنالك جوانب متعددة من المعاناة وهي كثيرة ، وليست وليدة اليوم ولكن الأمر ازداد سوءا بعد احتلال العراق ، فقد بدأت المحنة وأصبح الفلسطيني غير آمن على نفسه وماله وأولاده ووظيفته ودراسته وعمله و ... و .... بمختلف التهم والتبريرات ، وتصفية الحسابات ، وصرنا نسمع المآسي والقصص المحزنة والانتهاكات الصارخة ضد الفلسطيني في مناطق تواجده ، بل تعايشنا مع أحداث ولا في الخيال ولا في أوقات النازية والبربرية ، وسنسلط الضوء على أعلى درجات الظلم الواقع على بعض العوائل الفلسطينية خصوصا ، وكل اللاجئين بشكل عام ، خلال الشهر المنصرم ، والله المستعان.

 

    ففي ليلة ظلماء يسودها الهدوء مع الخوف والترقب في المجمع السكني للفلسطينيين في منطقة البلديات شرق بغداد المكتظ بالسكان ، وفي الساعة الحادية عشر والنصف من مساء يوم الخميس الموافق 12/5/2005 فزع جميع الناس على صوت إطلاقات كثيفة في المجمع وخرجوا من الشقق وهُرعوا وانتابهم قلق واضطراب شديد ، ما الذي حدث ؟ لا ندري ، ما الذي جرى ؟ لم يتبين الأمر .

 

    والمشهد اليومي لبعض سكان المجمع السمر بين المداخل المؤدية للشقق هربا من حر الصيف الشديد مع كثرة انقطاع التيار الكهربائي وخصوصا أن المجمع غير مشمول بالقانون السائد في البلد وهو : عدم انقطاع التيار الكهربائي نهائيا لكل المجمعات السكنية بين الساعة الثانية عشر ليلا والساعة السادسة فجرا لأنها تتحول إلى قبور وكهوف ، والسبب معلوم ( لأنك فلسطيني !! ) وهلم جرا من معاناة مياه الشرب وتصريف المياه الثقيلة التي تتسبب بكارثة صحية ومأساة إنسانية .

 

    وبعد دقائق من الهلع تناقلت الأخبار باعتقال أربعة أشخاص ، ما هو السبب لماذا هؤلاء بالتحديد ؟!! في حينها لا ندري ] وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال [ ، تأملوا ودققوا في التفاصيل الجديدة والملابسات الحقيقية لهذا الاعتداء المشين الذي سيبقى وصمة عار على أصحابه وسيسجل لهم التاريخ هذه الخيانة للمستضعفين والمظلومين من الفلسطينيين ( إنه الحقد الدفين !) .

 

    هذا الرعب والعدوان الاستفزازي كان من قبل ما يسمى لواء الذئب بمعاونة ميليشيا قوات بدر ، وهذا ما عرفناه في اليوم الثاني ( حتى لا يقال أننا نتقوّل على أحد ) من خلال قناة العراقية التي افتخرت بهذا الاعتداء على الآمنين وأظهرت هذه القوات وكأنها أحرزت انتصارا لم يسبق له مثيل من خلال الأغاني والحماسة التي سبقت ولحقت عرضها المسرحي المفبرك !!.

 

    فما أن وصلت هذه القوة بالقرب من العمارة الأولى من جهة ما يسمى ( بالأمن العامة السابق ) توجهوا بصورة مفزعة لأحدى الأكشاك لشخص عراقي قريب من المجمع وسألوه عن اسم غير معلوم فأجابهم بعدم معرفته بهذا الاسم ، وتبين أنهم اعتقلوا العراقي القريب من المجمع والذي يبقى إلى وقت متأخر ليلا في المقهى عندما كان عائدا إلى بيته وهو كاظم جواد كاظم ، علما أنه مختل عقليا ومعفو من الخدمة العسكرية ، ويعمل فراشا في إحدى الدوائر التابعة لوزارة الصحة في منطقة زيونة .

 

    ثم اتجهوا إلى بعض الأطفال الجالسين في باحة العمارة فقالوا أين مسكن غسان ( ولا يوجد هذا الاسم في هذا المكان ) ، وانهالوا عليهم ضربا حتى أجاب أحدهم من الخوف ، لعلكم تسألون عن غزوان ، فقالوا : نعم ، أين هو ، ثم دخلوا في المدخل الأول من العمارة بصورة بربرية وإطلاقات كثيفة على الأبواب وخزانات المياه وأجهزة التبريد بحثا عن غزوان !!! ، وسألوا أكثر من شخص هل أنت غزوان ؟ فيكون الجواب بكلا ، لأنه يسكن في آخر طابق من المدخل ، وبعد أن وصلوا إليه اعتقلوه وانهالوا عليه ضربا ، وقبل ذلك كان عدد من هذه القوة قد دخلوا في الشقة تحت شقة غزوان وكان فيها ثلاثة إخوة بثلاث عوائل يسكنون هذه الشقة ولم يجدوا مبتغاهم ، فخرجوا وطلبوا منهم إغلاق الباب ، وما هي إلا لحظات حتى عادوا لنفس الشقة وخلعوا الباب ومعهم غزوان وأدخلوه في الغرفة الثالثة التي فيها امرأة كبيرة تقدم بها العمر ملقاة على السرير لا تقوى على الحركة بسهولة لعجزها عن ذلك ولأنها مريضة ، وفي نفس الغرفة ابنها الصغير والغير متزوج عامر ، ودخل من الخارج وعن طريق الشباك مجموعة أخرى بطريقة همجية وانهالوا على غزوان ضربا شديدا أمام المرأة وابنها ، وأخبروا مَن في الخارج بجهاز الاتصال بأنهم قد ألقوا القبض على ابن أخت الزرقاوي !!! .

 

    ثم كسروا أبواب الغرف الأخرى واعتقلوا جميع من في الشقة وهم ثلاثة أخوة ، الأخ الكبير فرج ويبلغ من العمر ( 44 سنة ) وهو في اليوم السابع من زواجه ، وقد تأخر لهذا العمر بسبب الفقر الشديد لهذه العائلة وانشغل مع والدته بتربية اخوته الذين توفي والدهم وهم أطفال ، فكان زواجه بسيطا وبمعونة بعض أقاربه وأصدقائه ، علما أنه بعد الاحتلال وبسبب الأوضاع الأمنية المتردية وما جرى من دمار ما خرج من سكنه لأكثر من سنة وكأنه صُدم مما حدث ، ويعتبر من أقل الناس دراية واطلاع ومعرفة ، ومن أبسط وأفقر سكان المجمع ، ويمتلك قلب طيب ومتواضع جدا ، وليس له أي خبرة في القضايا العسكرية لا من قريب ولا من بعيد ، وليس له تحصيل دراسي ولا يقوى على كثير من الأعمال بسبب حادث سير تعرض له في شبابه ، وليس له علاقة بالسياسة ولا نبالغ إذا قلنا أنه لا يستطيع أن يضع سلك تشغيل أي جهاز كهربائي وربطه مع مفتاح التيار الكهربائي لكي يعمل ، مع أن هذه العملية قد يقوم بها طفل ، وأشياء كثيرة عن هذا الرجل المسكين والمظلوم والبريء من هذه التهمة تدل دلالة واضحة على كذب ما افتروا عليه .

 

    وفرج عنده عربة يجرها بيديه يبيع فيها ( لبلبي باللهجة العراقية ) وسط الشارع الرئيسي للمجمع ليكسب لقمة عيشه وفوجئنا ضمن مسرحية الاعتراف أن يقال له ( استاذ فرج !! ) وهذه الكلمة لم يسمعها طيلة حياته إلا في هذا الموقف ، فتأمل كيف يزيفون الحقائق بتزينهم الأشياء لتمريرها على المشاهد ، ولكن حبل الكذب والافتراء قصير جدا ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) .

 

    عدنان شقيق فرج وعمره ثمانية وعشرون عاما ، بينما كان في غرفته مع زوجته وأطفاله خلعوا عليه الباب بطريقة وحشية ، علما أنه يعاني من حالة نفسية وفصام بالشخصية وهنالك علاج يومي يجب أخذه وإلا فإن حالته تزداد سوءا ، ويوجد تقرير طبي نفسي صادر عن جمعية الأطباء النفسانيين العراقية برقم ( 6671) بتاريخ 17/5/2005 صادر عن الطبيب الاختصاصي د. عمار عماش ، وقد ظهر عدنان وآثار الضرب واضحة على وجهه ، ويعمل مع أخيه في محل للحلاقة في منطقة بغداد الجديدة قبل أكثر من عشر سنوات ، وبشهادة الكثير أنه كان في وقت التفجير في محل عمله ، حيث يعرف بحسن السلوك والأخلاق الحميدة كسائر أخوته ، وكذلك لا يقوى على ترتيب جملة واحدة مفيدة ، وليس له أي معرفة بالسياسة ولا بشيء عسكري على الإطلاق .

 

   فيا سبحان الله كيف تنطلي مثل هذه الأكاذيب والافتراءات على الناس وأدنى العقول تقرر بأن هذا الكم الهائل من الذين تم عرضهم على شاشة قناة العراقية باعترافات خطيرة ، لا يمكن لهم القيام بعشر ما ذكروا ، لأن الأمر أصعب من ذلك ، ولكن يعرضون هذه الأعداد من الأبرياء وكأن تحضير العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات وذبح الشرطة والحرس أمرا سهلا وكأنهم يصنعون أكلة من الأكلات أو صنفا من الحلويات ، وأحد هؤلاء لا يستطيعون ذبح دجاجة !!.

 

    وفي الغرفة التي أشبعوا فيها غزوان ضربا وتواجد الأم العجوز حاولوا أخذ الأخ الثالث وهو أصغرهم عامر بعد أن انحصر في إحدى أركان الغرفة الصغيرة فزعا وهلعا مما حدث ، وفي هذه اللحظات تدخلت الأم الواثقة من براءة أبناءها والتي انهالت على أقدامهم بالبكاء حتى همّت لأن تقبل أقدامهم لترك أبناءها المساكين المظلومين ، وكلها أمل في الاستجابة لبكاءها وصراخها ولكن لأسمعت لو ناديت حيا !! ثم قالوا لها : نصف ساعة ونرجعهم لكم ! وجرى اتصال مع مَن في الخارج وقالوا لهم : سيدي أصبح عندنا أربعة ، فأجابوهم : هذا العدد يكفي انسحبوا !!! هذا يدل مع عشرات البراهين والأدلة أن الأمر مُبيّت ومقصود وأن هؤلاء الأربعة اعتُقلوا لا على التعيين ، والذي تابع طريقة عرض البرنامج في اليوم الثاني والثالث وعملية التحريض وتأجيج الرأي العام بسابقة جديدة ومعبأة ، وكأنهم خرجوا من معركة طاحنة وانتصروا فيها حتى أن بعض القنوات والصحف ذكرت كذبا وبهتانا أن هذه العملية تمت بعد مقاومة ومواجهة عنيفة ، علما أنهم لم يجدوا حتى طلقة مسدس واحدة أو أي شيء له علاقة بالتفجيرات لا من قريب ولا من بعيد ، ومن له أدنى خبرة بالقضايا العسكرية يجد أن جميع الإطلاقات التي صدرت من مصدر واحد وهو من هذه القوى التي اقتحمت المجمع وهذا ظاهر جدا .

 

    والجدير بالذكر أن عامر وهو عامل في محل لسمكرة السيارات مع أخيه الأكبر كان متواجدا في مكان عمله في نفس وقت الانفجار ، وبشهادة كثير من نفس المجمع الذي يعمل فيه .

 

    أما بالنسبة لغزوان ( واسمه في الأوراق الثبوتية مسعود ) من أبعد الناس عن مثل هذه الأعمال الإجرامية والدموية إذ لا يحسن حمل مسدس فضلا عن الاشتراك بتفجير أو غيره ، وهو مشغول طيلة اليوم بمقهى استأجره من نادي حيفا الرياضي ولا يذهب يمينا ولا شمالا ، إلا للتسوق لما يحتاج إليه المقهى من لوازم .

 

    والمتأمل في طريقة عرض هذه المسرحية من على شاشة العراقية يجد ثغرات وتلبيسات وأكاذيب وتدليس وتهويل وقلب للحقائق وتلفيق وتأجيج وافتراء واضح على الوجود الفلسطيني في العراق وخصوصا على أكبر مجمع وتواجد لهم في منطقة البلديات ؛ ويعلم ذلك ببدائه العقول وأدنى المنطق وأقل شعور بالإنصاف ، حيث لم يكتفوا بإلصاق هذه التهم بهؤلاء الأربعة الأبرياء فأتوا بخامس من العراقيين لكي يفتضح أمرهم ويظهر سرهم .

 

    كاظم جواد كاظم تجاوز الثلاثين من العمر نشأ وترعرع مع أقرانه من الفلسطينيين وعُرف بطيبته وسذاجته ، مع أنه مختل عقليا ومعفو من الخدمة العسكرية ويعمل فراشا في دائرة تابعة لوزارة الصحة ، ولا يكاد يخلو منه مأتم أو عزاء وخصوصا في اليوم الثالث في المنطقة أو خارجها ، حيث اعتاد عليه جميع أهالي المنطقة من العراقيين والفلسطينيين ، ويجلس في المقهى ويلعب الكرة مع الأطفال والشباب والكبار ، ويعرفه الصغير والكبير ، ولا يستطيع ترتيب جملة واحدة مفيدة ، وأشياء كثيرة سنتجاوزها حتى لا نطيل ، فشخص بهذه الأوصاف هل تستأمنه على أمر ولو كان صغيرا ؟!! فكيف يكون دوره في هذا التفجير الإجرامي هو الاستطلاع ، وكيف تعتمد في أمر خطير جدا على رجل مختل عقليا ؟!! وكما يقال : الجواب يظهر من عنوانه !. 

 

    والأدلة والبراهين الكثيرة تبين أن هذه الجهات ما أرادت الوصول للحقيقة ، أو إلقاء القبض على المنفذين ، ولكن هناك أبعاد ومخططات مقصودة بذرائع ومبررات واهية ، علمها من علمها وجهلها من جهلها .

 

    وما أدل على ذلك إلا إقحام فلسطيني خامس في المسرحية وإظهاره على أنه المخطط والممول ويأتي بأموال من سوريا و ... و .... و أشياء كثيرة ، غير معقولة ولا منطقية ، وهو إبراهيم العيدي ، علما أنه في ليلة اعتقال الأربعة كان في المجمع ، وفي اليوم الثاني شارك في استنكار أهالي المنطقة على هذه الاعتداءات واعتقال الأبرياء ، وعندما طوقت قوات الحرس الوطني بعد ظهر يوم السبت الموافق 14/ 5 /2005 المجمع كان إبراهيم يتكلم مع أحد الجنود وبقي في المجمع كسائر الفلسطينيين ، إلى أن صُدم وتفاجأ كباقي الفلسطينيين وكل من يعرف هؤلاء الخمسة ، عندما شاهد الاعترافات ( المسرحية ) من على شاشة العراقية في الساعة التاسعة مساء ، وذُكر اسمه معهم ، فأصاب المنطقة زلزال وذعر ورعب جراء هذه الأكاذيب والتلفيقات وباتوا خائفين على أنفسهم لأن الكل أحس بأنه مستهدف واعتقاله وشيك إلا أن الله عز وجل سلّم .

 

    ومن أوضح البراهين وعند أدنى العقول لكذب هذه المسرحية والمآمرة أن مجرما ومخطِّطا ومموِّلا لأعمال إرهابية وقد عرفوا مكانه ، فحري بهم إلقاء القبض عليه قبل إعلان اسمه من على شاشة التلفاز ، وهذا لا يحتاج لخبرة عسكرية ، لكن هذا الأمر لم يحدث ، وهل تصدقون لحد الآن لم يستفسر عنه ولا اقترب أحدهم من بيته ، وكأن دوره فقط على شاشة التلفاز لا يتعدى ذلك ، وهذه هي الحقيقة ، ودليل آخر لبراءة جميع هؤلاء أن إبراهيم وبعد إلقاء القبض على مجموعته- فرضا – من المفروض أن يغادر المنطقة لا أن يبقى فيها لحين إظهار اسمه على شاشة التلفاز فتأمل .

 

    ومن الأمور كذلك الإصرار والتركيز وتحديد مكان المجمع وتأجيج المناطق القريبة عليهم ، وبالتالي تحول الأمر لعداء وحقد بعيدا عن القانون والوصول للحقيقة !!!

 

    وهنالك أمر مهم وهو إقحام جامع القدس في المنطقة في هذه الحملة التحريضية وأنه المكان الذي يخطط فيه وهو وكر الإرهابيين وتشويه صورة أهل هذا المسجد لأنه يعتبر من أكثر المساجد في العراق كثافة من ناحية عدد المصلين واستقرارا وحفاظا على الهدوء وعدم إثارة المشاكل ، وهذا ما يقلق الكثير الذين لا يتمنون هذا الأمر .

 

    والعجيب والملفت للنظر أن هؤلاء الأربعة ليسوا من رواد المسجد إلا اللهم فرج وغزوان وعدنان فقط في صلاة الجمعة ، والغريب كذلك في الأمر أن إبراهيم لا علاقة له مع هؤلاء الأربعة لا قرابة ولا علاقة اجتماعية ولا حتى على مستوى المسجد ولا أي شيء آخر ، ولم يُرى معهم ولا لحظة واحدة في أي مكان ، فسبحان الله ما هذا البهتان ، وما هذا الظلم والعدوان ، ولكن الباطل مهما طال فنهايته قريبة ولا بد للحق من أن يعلو ويظهر .

 

    ولو أردنا استقصاء الظلم الخاص الذي وقع على هذه العوائل ، والعام الذي لحق بجميع الفلسطينيين بسبب هذا الافتراء والاعتداء ، لتكسّر القلب وتشقق أسى وحزنا وأسفا من المعاناة لأكثر من شهر ولا زالت مستمرة ، وخصوصا أن ذويهم لا يعلمون مكان المعتقلين ولا أحوالهم أو أوضاعهم الصحية والنفسية ، فأين القوانين والمعاهدات الدولية ؟!! وأين حقوق الإنسان ؟!! وأين دور القضاء ووزارة العدل وحقوق الإنسان والمحامين وكل من له ذرة من إنسانية ؟!! أم أن هذه الأشياء صارت فقط شعارات وشماعة لاضطهاد الشعوب والضعفاء !! أو أنها حبر على ورق ( فيا حسرة على العباد ) والله إن ما يجري للفلسطينيين من إقصاء وتهديد واستهداف وتهجير واضطهاد وتخويف ، لوصمة عار على كل من ساهم في ذلك من قريب أو بعيد ، وسيسجل التاريخ ذلك ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .

 

    والأسى الذي في القلب كثير والحرقة كبيرة ، وتدليلا على ذلك سنوضح الظلم الواقع على الفلسطينيين بعد هذه الحملة الإعلامية .

 

    فأعظم مصاب وظلم وقع على عائلة الأخوة الثلاثة ، الذين فُجعوا بالتلفيق حتى كادت أمهم تفارق الحياة ولا زالت تبكي وتصيح حرقة على فلذات كبدها وأحبابها ، وهي الآن في وضع صحي سيئ ، فكيف يهدأ لها بال وثلاثة من أولادها مصيرهم مجهول ولا تعلم أين هم ، وقد دمّرت عوائلهم وتشتت وعاشوا في رعب شديد وهلع وفزع مما ينتظرهم ، فمَن لعوائلهم من المعونة والمتابعة وسائر الاحتياجات ، ناهيك عن الشتائم والمهاترات والاستفزازات التي يتعرضون لها من أناس يصدقون الأكاذيب والافتراءات ، وكذلك لهم أخوان آخران أحدهما حلاق وقد سُلب وسُرق محله ، وقد اضطرا لمغادرة أماكن سكناهم خوفا من البطش بهم ، وبسبب الحملة الإعلامية وكذلك التهديدات بإخراجهم وقتلهم ، وهما الآن لا يستطيعان حتى جلب حاجياتهما أو نقل آثاثهما إلى مكان آخر لأنهم لا يستطيعان الوصول لمحل سكنهم ، فضلا عن أماكن عملهم ، فهل بعد هذا الظلم من ظلم ؟!!

 

    وأما بالنسبة لعائلة غزوان فكذلك يعانون من التهديد مع سائر العوائل الأخرى القريبة منهم وقد اضطر أحد أخوته ترك مكان عمله بسبب التهديدات ، وكذلك شقيقات غزوان طُردن وهجّرن من أماكن سكنهم ، فمَن لهذه العوائل ؟! ومَن لإنصافهم ونصرتهم ؟! .

 

    ولو نظرنا للظلم العام الواقع على بقية الفلسطينيين جراء هذه الحملة التي يراد منها تأجيج عموم الناس وخصوص الأجهزة الأمنية على الوجود الفلسطيني ، لما وسعتنا هذه الأسطر ، ولكن نذكر بعض الأمثلة ، بعد ثلاثة أيام قُتل مدير مدرسة في منطقة قريبة من البلديات ، وتعرض أكثر من عشرين فلسطيني لاعتقال على الهوية في مناطق مختلفة من بغداد ، ناهيك عن التحرشات والشتائم والإهانات إذا ما عرفوا أن هذا فلسطيني ، مع أن ولادته في العراق !! والمضايقات في المدارس والجامعات والمحال التجارية و ....

 

    نناشد كل هيئة ومنظمة وجمعية وكل إنسان في العالم العربي والإسلامي وجميع البلدان يستطيع أن يقدم شيئا ليساهم في نصرة وتخفيف هذه المأساة ولو كان بسيطا أن لا يتردد في ذلك ويسارع في تقديمه ومن لا يستطيع فليكون الدعاء وسيلته في المساعدة في دفع هذه الابتلاءات .

 

    نناشد أيضا المحامين والحقوقيين وجميع القانونيين الذين يحملون هذه المهنة الشريفة بالعمل والتحري لمعرفة مكان وجود هؤلاء المعتقلين والعمل على تسريع محاكمتهم محاكمة عادلة وفق القوانين والأعراف الدولية والمحلية ، مع ثقتنا ببراءتهم ولو ثبت خلاف ذلك لكنا أول المطالبين بإلحاق أعلى درجات القصاص بهم .

  15/6/2005